«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معركة داخل الموساد بسبب فضيحة أشرف مروان
أسرار جديدة لحل اللغز
نشر في صوت الأمة يوم 23 - 03 - 2009


· رواية إسرائيل عن كيفية تجنيده ساذجة
· والحقيقة أن ضباط الموساد قاموا بتجنيده باعتباره صيداً ثميناً
· بسبب أشرف مروان.. «زعيرا» و«زامير» أمام المحكمة الإسرائيلية
· في معركة عمرها أكثر من ثلاثين عامًا بين الموساد
· والمخابرات العسكرية الإسرائيلية علي صفحات الجرائد وشاشات التليفزيون عند الحديث عن حرب يوم الغفران
· كيف تعاملت مؤسسة الرئاسة مع قضية أشرف مروان في عهد السادات بعد رحيل
· عبد الناصر.. ولماذا ظلت المخابرات المصرية بعيدة عن هذا الملف؟
· السؤال المهم : لماذا خالفت إسرائيل قواعد الجاسوسية ؟
· لأن أشرف مروان زوج ابنة الرئيس كان محط كل الأنظار
في السادس من أكتوبر عام 2004 كان أحد العاملين في جهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) يتابع إحدي القنوات المصرية.. في إطار عمله الروتيني لكتابة تقارير عما يبثه التليفزيون المصري من أخبار وبرامج- ونظر رجل الموساد بامعان إلي مشهد للرئيس حسني مبارك وهو يصافح أحد الشخصيات التي تم توجيه الدعوة إليها للمشاركة في هذه المناسبة التي لايدعي لها عادة إلاالشخصيات الهامة أو تلك التي ارتبط اسمها بافضل إنجازات الجيش المصري علي مر تاريخه (حرب أكتوبر 1973).دقق رجل الموساد النظر في ملامح الشخص الذي لم يكتف مبارك بمصافحته مثل باقي الضيوف، بل عانقه بحرارة وود ظاهرين!! وتأكد أنه هو نفس الرجل الذي تسبب في معركة حامية بين اثنين من قادة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية دامت لما يزيد علي الثلاثين عاما ولم تحسم حتي بعد وصولها إلي اروقة المحاكم الإسرائيلية.
«إيلي زعيرا» و«تسفي زامير» في المواجهة
في عام 1993 أصدر الجنرال «ايلي زعيرا» الذي شغل منصب رئيس المخابرات العسكرية الاسرائيلية اثناء حرب أكتوبر عام 1973 كتابابعنوان: «حرب يوم الغفران.. الاخفاقات والدروس» وذكر فيه أن أحد أسباب إخفاقات إسرائيل في هذه الحرب هي ثقتها في عميل مصري تم تجنيده وصفه بأنه كان يشغل مناصب هامة في مصر وكان قريبا للغاية من الرئيس عبدالناصر واطلق عليه داخل مجتمع الاستخبارات اسم «العميل بابل» احيانا و«العريس» احيانا أخري، ورأي زعيرا أن هذا الشخص قد ضلل عن عمد المخابرات الإسرائيلية ومرر لها معلومات خاطئة أدت إلي فشلها في التنبؤ بنوايا الرئيس السادات لشن الحرب ضد إسرائيل في السادس من أكتوبر عام 1973. في المقابل أخذ رئيس الموساد «تسفي زامير» والذي شغل هذا المنصب ابان حرب أكتوبر يدافع عن عميله (بابل) لأنه علي مدي خدمته كعميل للموساد منذ تجنيده في اواخر الستينات مرر لإسرائيل معلومات في غاية الأهمية ومنها موعد شن الحرب.
شكوك حول رواية تجنيد مروان
ظلت الحرب بين زعيرا وزامير تشتعل بين الحين والآخر علي صفحات الجرائد الإسرائيلية وعلي شاشات التليفزيون الإسرائيلي خاصة في مناسبات مختلفة سواء في الحديث عن ذكريات حرب يوم الغفران الاليمة أو عن تقصير أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في فترات لاحقة لحرب أكتوبر 1973 ولم ينشغل الكثيرون سواء في مصر أو في إسرائيل بما كان يدور بين الجنرالين الإسرائيليين حتي وقعت الواقعة عندما أصدر باحث ومؤرخ إسرائيلي مقيم في لندن في عام 2002 كتابا بعنوان «تاريخ إسرائيل» تحدث فيه بتوسع عن العميل «بابل» دون أن يذكر اسمه صراحة وقال اهارون بيرجمان في كتابه إن العميل بابل لم تقم المخابرات الإسرائيلية باصيطاده وتجنيده لأنه هوالذي ذهب بنفسه إلي السفارة الإسرائيلية في العاصمة البريطانية لندن وعرض علي الإسرائيليين خدماته.
والمثير في الأمر أن اسم اشرف مروان قد تسرب صراحة عام 2003 وعن طريق بيرجمان نفسه أي بعد اصداره كتابه «تاريخ اسرائيل» عام 2002 والذي لم يذكر فيه اسم مروان وظل يذكره باسم العميل بابل.
وفي اعقاب الموت الغامض لاشرف مروان في لندن في شهر يونيو 2007 ازدادت حمي الاهتمام باشرف مروان في مصر وظلت اصوات كثيرة ترتفع منذ عام 2003 تطالب المخابرات المصرية أو المسئولين المصريين بالإعلان عن الحقيقة وحسم الجدل حول هل كان مروان عميلا لإسرائيل أم بطلا قوميا مصريا أدي خدمات جليلة لبلده في مرحلة من أخطر مراحل تاريخها الحديث؟
ولوحظ أن جميع الكتابات والتحقيقات الصحفية والتليفزيونية التي تناولت حادث موت أشرف مروان والجدل الدائر حوله داخل الأوساط الاستخباراتية الإسرائيلية منذ سنوات لم تتوقف كثيرا أمام رواية كيفية تجنيد إسرائيل لأشرف مروان.. وظلت الاصوات التي رأت في مروان عميلا إسرائيليا وخائنا لمصر مثلها مثل الاصوات التي مالت إلي كونه أحد أكبر الخدع المصرية التي ابتلعتها اسرائيل. ظلت جميعها تردد الرواية التي اطلقها المؤرخ الإسرائيلي «بيرجمان» دون فحص لمدي واقعيتها فلم يكن من السهل القبول بما يقوله «بيرجمان» عن أن «اشراف مروان» هو الذي ذهب بنفسه للسفارة الإسرائيلية بلندن عارضا عليهم خدماته حتي أن الجنرال «ايلي زعيرا» رئيس «امان» والذي لم يشكك في الرواية قد انتقد الكيفية التي قبل بها الموساد تجنيد أشرف مروان برغم كون حضوره بنفسه إلي السفارة الاسرائيلية بلندن كان لابد أن يثير الريبة!
خاصة أن لندن تعتبر إحدي المحطات الهامة للعديد من أجهزة الاستخبارات العالمية والكبري والتي تحتفظ بعيون لها هناك لتراقب تحركات الدبلوماسيين والزائرين الاجانب الذين يأتون إليها سواء كمعارضين لحكوماتهم أوكمبعوثين رسميين لهذه الحكومات!
وإذا كان زعيرا يقصد من وراء ملاحظته اتهام «الموساد» بالغفلة وهو المعروف بتنافسه مع «امان»
علي من يقود صناعة القرار الامني في إسرائيل وهو تنافس يصل في بعض الاحيان إلي حد القتال الشرس كما في حالة «مروان».. فإن الملاحظة نفسها يمكن أن تقودنا للشك في الرواية بأكملها، وأغلب الظن أن المصادر الاسرائيلية المختلفة التي شاركت منذ عام 1993 في تسريب قضية العميل بابل قد تلقت اوامر مشددة بعدم الافصاح عن طريقة تجنيد الموساد لاشرف مروان، وهو امر معروف بالنسبة لجميع اجهزة الاستخبارات التي ترفض مطلقا كشف وسائلها في التجنيد وطرق تدبير لقاءاتها بعملائها وبالتالي تم اختراع رواية ذهاب مروان بنفسه للسفارة الاسرائيلية بلندن، ولكنها رواية تفتقر إلي الاقناع سواء لأن «أشرف مروان» وهو زوج ابنة الرئيس عبدالناصر وأحد العاملين بالسفارة المصرية بلندن كان يدرك تماما أنه محط انظار العديد من اجهزة الاستخبارات بما في ذلك جهاز الاستخبارات الإسرائيلي ولم يكن من السهل عليه المغامرة بالذهاب بنفسه إلي السفارة الإسرائيلية حتي ولو كان متنكرا طالما أن الامر لم يكن مدبرا مع جهاز استخبارات قوي وله خبرات سابقة في هذا المجال، أو لأن المخابرات الإسرائيلية كانت ستشكك في نواياه لأنه حضر إليها بمثل هذه الطريقة المكشوفة والاقرب للتصديق أن أحد العاملين في الموساد قد فكر في تجنيد «مروان» باعتباره صيدا ثمينا ومصدرا هاما للمعلومات الغاية في السرية عما يدور داخل القصر الرئاسي بمصر فهو بحكم كونه زوج ابنة الرئيس قادر علي الدخول إلي منزله ومعرفة مايدور بداخله بالإضافة لكونه قد عمل بالفعل في مكتب الرئيس عبدالناصر كمساعد لمدير مكتبه سامي شرف.. هذا المكتب الذي كانت تمر عبره جميع المعلومات إلي الرئيس وتخرج منه جميع القرارات التي يصدرها.
أغري وضع «اشرف مروان» العائلي المخابرات الإسرائيلية لاصطياده وربما وجدت طريقة ما للالتقاء به دون علمه عبر أحد عملائها المخضرمين لتحسس مدي استعداده للتعاون معهم.. وفيما يبدو أنه داخل القصر الرئاسي المصري كانت هناك افكار تدور في اتجاه مواز التقت بدون تدبير مع ما كان الاسرائيليون يفكرون فيه.
القاعدة الذهبية في العمل الاستخباري
من بين جميع القواعد التي تحكم عمل أي جهاز استخبارات في العالم هناك قاعدة ذهبية تقول لاتكشف عميلا لك مهما حدث طالما كنت متأكدا أنه موال لك، ليس فقط لاكساب من يعملون معك الثقة في انهم في ايد امينة بل لأن كشفك لأي عميل سيعني فقدانك القدرة علي تجنيد عملاء آخرين سيخشون بالطبع ما يمكن أن يحدث لهم إذا ماتعاونوا معك وانت مستعد لكشفهم أمام سلطات بلادهم وتعريضهم وهم احياء او تعريض عائلاتهم بعد موتهم لخطر كبير.
والسؤال الهام الآن: إذا كانت اسرائيل متأكدة كما ادعي رئيس الموساد السابق «تسفي زامير» إن مروان كان خدعة مصرية كما يقول رئيس المخابرات العسكرية الاسرائيلية السابق «ايلي زعيرا» فلماذا خالفت هذه القاعدة معرضة نفسها لخطر فقدان القدرة علي تجنيد عملاء في مصر أو في أي مكان آخر مستقبلا؟
يحاول البعض تفسير ذلك بالقول إن الموضوع لم يتم تسريبه بشكل متعمد وأنه جاء نتيجة ثرثرة رجل عجوز مثل ايلي زعيرا لم يعد يسيطر علي عقله وذاكرته واستغل الباحث اهارون بيرجمان ذلك لكي يستدرجه لافشاء سر العميل «بابل» ولكن هذا التفسير يبدو باهتا، فلم تكن أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية بعيدة بالتأكيد عما يحدث وهي المعروفة بمطاردتها لكل من يحاولون افشاء اسرار عملها إما بالتهديد او بالقتل فعندما بدأ «زعيرا» في تسريب المعلومات عن «بابل» كان ذلك عام 1993 وكان الرجل مازال يحتفظ إلي حد ما بذاكرته وتوازنه، ولو كان ما قاله عن وجود عميل اسمه «بابل» عمل لصالح إسرائيل من الستينات ولكنه قام بتضليلها ايضا، لم يكن وفق رغبة المسئولين الإسرائيليين لأجبرته علي نفي ما قاله أو علي الاقل لعدم العودة للحديث فيه مجددا، ولم يحدث ذلك بل أن «زعيرا» تمادي في الامر ونشبت معارك بينه وبين رئيس الموساد السابق تسفي زامير وذهبت هذه المعارك إلي الصحف ومحطات التليفزيون بل والمحاكم خلال السنوات الخمس عشرة الاخيرة بما يعني أن اسرائيل الرسمية كانت تشجع هذا الاتجاه لسبب واضح وهي إنها تشك إلي حد كبير في أن «أشرف مروان» قد خدعها وأن جهاز الأمن المصري الذي قام بتشغيله، سيضطر للإعلان عن الحقيقة وبذلك تحصل إسرائيل علي السر الذي مازال يؤرقها حتي اليوم حول علاقتها بالعميل بابل أو اشرف مروان.
ولا يجب الاستهانة بأهمية اغلاق ملف اشرف مروان داخل اسرائيل بأي شكل سواء للتأكد من انه كان مخلصا لها أو كان وطنيا مصرياً حتي النخاع ومارس ضدها أكبر خدعة في تاريخها، فأجهزة الاستخبارات لا تغلق ملفا مازال يكتنفه الغموض لما لذلك من تأثير علي صرامة وجدية العمل داخل الجهاز وضمان استمرار كفاءته والتعلم من أخطاء السابقين، وعلي المستوي الثاني ربما لأن اسرائيل لديها ما يؤكد أن اشرف مروان قد خدعها بالفعل ولا تريد أن تخسر علي الأقل احدي فائدتين
الاولي : أن تكشف مصر كيف مررت عملية الخداع لإسرائيل عبر اشرف مروان وكيف تم دسه علي الإسرائيليين
الثاني :إذا لم يتحقق الهدف الأول وأصرت معه علي الصمت أو إعطاء إشارات بأن مروان كان وطنياً مصرياً دون اعتراف واضح ، تستمر الشكوك من حوله داخل مصر بما يؤثر علي معنويات المصريين ويشككهم في قدرات اجهزة استخباراتهم ليس في الماضي فقط بل و الحاضر والمستقبل ايضاً
لقد فعلها من قبل «شيمون بيريز» رئيس اسرائيل الحالي ونائب وزير الدفاع عام 1965 عندما تعرض لهجوم من أحد نواب الكنيست آنذاك مطالباً اياه بالكشف عما يدور في منطقة ديمونة في صحراء النقب الإسرائيلية وكيف أن هناك تقارير تتحدث عن مشروع نووي سري تقوم اسرائيل ببنائه هناك وقال نائب الكنيست لبيرس نحن نواب الشعب ومن حقنا أن نعرف ما يدور في هذا البلد ثم إن رئيس مصر عبد الناصر يشعر بالقلق مما يدورهناك أيضاً وقاطعه بيريز مستغلاً عبارته الأخيرة قائلا له « وهل تريد أن تطمئن عبد الناصر ... وهل من مصلحتنا أن يطمئن؟!
سكت النائب الإسرائيلي وفهم الأمر بأنه لا مجال للكشف عن المشروع النووي الاسرائيلي الذي يشكل قدس الاقداس بالنسبة لإسرائيل حتي اليوم وأن الكشف عنه سيقلل من فاعلية نظرية الردع بالشك التي تتبناها اسرائيل في حربها النفسية ضد العرب والمصريين .
علي المنوال ذاته لم يكن من يطالبون مصر بالإفصاح عن حقيقة أشرف مروان وحقيقة الروايات المصرية عنه علي الصواب عندما صرخوا مطالبين إما بكشف الحقيقة ومعاقبة مروان ومحاكمته حتي بعد موته أو بايضاح حقيقة بطولاته وتضحياته من أجل وطنه .. لم يكونوا علي حق لأنه مثلما قال بيريز لنائب الكنيست (هل يهمك أن يطمئن عبد الناصر).. فنحن نقول لهؤلاء هل يهمكم أن ترتاح إسرائيل وتحصل علي معلومات عن أساليب عمل أجهزتنا الامنية وكيفية زرع أشرف مروان بينهم وأن تغلق الملف وتتعلم من أخطائها ؟
لا أعتقد أن هناك من يريد في مصر ان ترتاح إسرائيل حتي أنصار السلام معها يدركون أن هناك تنافسا وصراعا حضاريا ممتدا بيننا وبينهم ولا يجب أن نفرط في اوراقنا ببساطة وأن نثق في أنفسنا وبدلاً من التشكيك في وطنية البعض علينا أن نفكر مرة ثانية لماذا افشت اسرائيل سر اشرف مروان إذا كانت متأكدة فعلاً من عمالته لها ؟
ولماذا لم تظهر المعلومات التي اعطاها اياها واعتبرتها كنزها الثمين ، ولماذا لم تقدم رواية يمكن تصديقها عن أسلوب تجنيده... هذه الاسئلة تحتاج من إسرائيل لإجابات مقنعة حتي يمكن القبول بنظرية خيانة « مروان» لوطنه وعمالته لإسرائيل أما الاسئلة التي سنطرحها علي أنفسنا وسنحاول الإجابة عنها في مقال آخر :
كيف تعاملت مؤسسة الرئاسة مع قضية مروان في عهد الرئيس السادات وكيف انتقلت عملية توجيهه من عبد الناصر إلي السادات عقب وفاة عبد الناصر عام 1970 ؟ ولماذا ظلت المخابرات العامة المصرية بعيدة عن هذا الملف حتي بعد حرب اكتوبر 1973؟ وأخيراً هل مات مروان منتحراً أم مقتولاً ومن قتله إذا كان قد قتل فعلاً ولماذا انتحر إذا كان انتحاره رواية صحيحة ، واسئلة أخري عن دور مصر في حمايته سواء من القتل او الانتحار ولماذا لم تقم اسرائيل بقتله بعد أن تأكدت من خداعه لها .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.