محافظ شمال سيناء يعلن عن طرح مدينة رفح الجديدة وقري الصيادين والتجمعات التنموية (صور)    فاتن عبد المعبود: سيناء أرض الفيروز وكنز لدينا في مصر    عزوف المواطنين عن شراء الأسماك يؤتي ثماره بالدقهلية.. انخفاض الأسعار للنصف    الصوامع والشون تواصل استقبال محصول القمح في المحافظات    بتوجيهات رئاسية.. سيناء تحظى بأولوية حكومية فى خطط التنمية الشاملة    رد عاجل من حركة حماس على طلب 17 دولة بالأفراج عن الرهائن    آلاف اليهود يؤدون الصلاة عند حائط البراق .. فيديو    "أون تايم سبورتس" تحصل على حقوق بث مباريات نصف نهائي الكؤوس الإفريقية لليد    بسبب إيقاف القيد.. أحمد حسن يفجر مفاجأة في أزمة بوطيب مع الزمالك    منافسة قوية لأبطال مصر في البطولة الأفريقية للجودو.. ورئيس الاتحاد: الدولة المصرية والشركة المتحدة لا يدخرون جهدا لدعم الرياضة    مصرع طفلين وإصابة بنت فى التجمع.. الأب: رجعت من شغلي وفوجئت بالحريق    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    مدرب صن دوانز: الفشل في دوري الأبطال؟!.. جوارديولا فاز مرة في 12 عاما!    "حماس": حال قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس سنضم جناحنا العسكري للجيش الوطني    بشرى للسيدات.. استحداث وثيقة تأمين على الطلاق يتحمل الزوج رسومها كاملة    الدورة 15 لحوار بتسبيرج للمناخ بألمانيا.. وزيرة البيئة تعقب فى الجلسة الأفتتاحية عن مصداقية تمويل المناخ    ضمن الموجة ال22.. إزالة 5 حالات بناء مخالف في الإسكندرية    وزير التعليم العالي يهنئ رئيس الجمهورية والقوات المسلحة والشعب المصري بذكرى تحرير سيناء    تشافي يبرّر البقاء مدربًا في برشلونة ثقة لابورتا ودعم اللاعبين أقنعاني بالبقاء    غير مستقر.. سعر الدولار الآن بالبنوك بعد ارتفاعه المفاجئ    «الجيزة» تزيل تعديات وإشغالات الطريق العام بشوارع ربيع الجيزي والمحطة والميدان (صور)    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    التحقيق مع المتهم بالتحرش بابنته جنسيا في حدائق أكتوبر    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    جدول مواعيد امتحانات الصفين الأول والثانى الثانوى أخر العام 2024 في القليوبية    نقابة الموسيقيين تنعي مسعد رضوان وتشييع جثمانه من بلبيس    رد فعل غير متوقع من منة تيسير إذا تبدل ابنها مع أسرة آخرى.. فيديو    بلجيكا: استدعاء السفير الإسرائيلي لإدانة قصف المناطق السكنية في غزة    الصحة: فحص 6 ملايين و389 طفلًا ضمن مبادرة الكشف المبكر وعلاج ضعف وفقدان السمع    علماء يحذرون: الاحتباس الحراري السبب في انتشار مرضي الملاريا وحمى الضنك    كيفية الوقاية من ضربة الشمس في فصل الصيف    بنات ألفة لهند صبرى ورسائل الشيخ دراز يفوزان بجوائز لجان تحكيم مهرجان أسوان    خبيرة فلك: مواليد اليوم 25 إبريل رمز للصمود    عقب سحب «تنظيم الجنازات».. «إمام»: أدعم العمل الصحفي بعيداً عن إجراءات قد تُفهم على أنها تقييد للحريات    الكرملين يعلق على توريد صواريخ "أتاكمز" إلى أوكرانيا    وزارة العمل تنظم فعاليات «سلامتك تهمنا» بمنشآت السويس    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    أحدهما بيلينجهام.. إصابة ثنائي ريال مدريد قبل مواجهة بايرن ميونخ    حبس شاب لاستعراضه القوة وإطلاق أعيرة نارية بشبرا الخيمة    بيلاروسيا: في حال تعرّض بيلاروسيا لهجوم فإن مينسك وموسكو ستردّان بكل أنواع الأسلحة    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    أبورجيلة: فوجئت بتكريم النادي الأهلي.. ومتفائل بقدرة الزمالك على تخطي عقبة دريمز    محافظ شمال سيناء: كل المرافق في رفح الجديدة مجانًا وغير مضافة على تكلفة الوحدة السكنية    انعقاد النسخة الخامسة لمؤتمر المصريين بالخارج 4 أغسطس المقبل    7 مشروبات تساعد على التخلص من آلام القولون العصبي.. بينها الشمر والكمون    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    آخرهم وائل فرج ومروة الأزلي.. نجوم انفصلوا قبل أيام من الزفاف    منها طلب أجرة أكثر من المقررة.. 14 مخالفة مرورية لا يجوز فيها التصالح بالقانون (تفاصيل)    موعد مباراة الزمالك وشبيبة أمل سكيكدة الجزائري في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس25-4-2024    عادل الغضبان يهنئ أبناء محافظة بورسعيد بالذكرى ال 42 لعيد تحرير سيناء    افتتاح وتشغيل 21 سرير عناية جديد بمستشفي الكرنك في الأقصر تزامنا ذكرى تحرير سيناء    حدث ليلا.. تزايد احتجاجات الجامعات الأمريكية دعما لفلسطين    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوارات هيكل الجزء الرابع و الثلاثون
نشر في الشروق الجديد يوم 07 - 08 - 2010

على نحو ما وربما لطريقة لافتة للنظر تذكرنى أزمة تحريك الصواريخ فى مصر على منطقة القتال من النطاق الخلفى للمعركة إلى الخط الأمامى لميدان القتال فى 7 أغسطس سنة 1970 بمعركة شهيرة مماثلة لها تقريبا هى معركة الصواريخ الكوبية بين الاتحاد السوفييتى وبين الولايات المتحدة الأمريكية فى أواخر أكتوبر وأوائل نوفمبر سنة 1962، والغريب هنا أوجه الشبه لأنه لا تنطبق الأزمات، لكنها فى بعض المرات تتشابه إلى درجة ملفتة للنظر.
ففى أزمة الصواريخ الكوبية كان هناك موقف دولى خطير نشأ بسبب قيام الاتحاد السوفييتى بتركيب صواريخ حاملة لرءوس نووية فى كوبا قريبة من الشواطئ الأمريكية بحيث تستطيع أن تصل لها وكان هذا يمكن أن يكون انقلابا ضخما فى خطط البلدين الكبيرين فى الدفاع عن عالمها وعن نفسهما. واكتشف الرئيس كنيدى فى ذلك الوقت من خلال طائرات الاستطلاع الأمريكية u2 أن هذا حدث فإذا به يقدم على خطوة مهمة، وهى أن يجعل خطا فى منتصف المحيط، وأعلن أن هناك منطقة حظر لا تستطيع البواخر السوفييتية الحاملة للصواريخ أو القادمة بأى معدات عسكرية أن تتجاوزها إلا عندما تخضع للتفتيش.
لفت النظر لمعركة كتب عنها كثيرا وروى عنها ولها مشاهدات كثيرة، وأنا شخصيا سمعت عن هذه الأزمة عن قرب، ومرات فى أزمة تحريك الصواريخ على الجبهة المصرية سنة 1970 أى بعد حوالى 7 أو 8 سنين كانت تعود بى الذاكرة مرات كثيرة لأنى سمعت ماك جورج باكدى، يحكى عليها وكان المستشار الرئيسى لكنيدى للأمن القومى، سمعت أيضا آرثر شرازنجر، وهو المفكر الذى كان موجودا بجوار الرئيس، وسمعت برا شارنزر وهو المستشار الصحفى لكندى فى هذه الأزمة،
وفى أثناء أزمة تحريك حائط الصواريخ التى تمت بطريقة شبه معجزة، لأنى شخصيا لم أكن أتصور أن الفريق محمد على فهمى، الذى رأيته فى مكتب الفريق فوزى، وكنت وقتها وزيرا للخارجية وللإعلام كنت مسئولا عن التغطية السياسية والإعلامية للمعركة، التى كان يديرها جمال عبدالناصر، ولم أكن أتصور أن محمد على فهمى أن يكون قادرا فى ثلاث ساعات أو أربع ساعات على تحريك 42 بطارية صواريخ على حد ما وصف لى المجتمعين لأنه كان موجود الفريق فوزى والفريق صادق، واللواء عبدالغنى الجمسى والفريق محمد على فهمى حينما أخطرناه بأن هناك وقفا لإطلاق النار فى المواقع، وأن المدة المتاحة له مدة محددة جدا لأنه لا يريد أن يتحرك إلا بعد حلول الظلام، وأن وقف إطلاق النار سيسرى حتى منتصف الليل فى القاهرة ويتحرك فيها 42 بطارية صواريخ من طراز سام 2 و3، وسينقلها كما قال كثيرا وقاله أيضا فى مجلس الشعب، أن ينشروا حائط الصواريخ مرة واحدة على الجبهة أو يستخدموا «قفزة الضفدعة»، وأن ينتهى من النطاق الأول البعيد عن الجبهة، ويضع صواريخه، بعد المنشآت الهندسية ثم يستكمله بصواريخه، وبعد ذلك ينقل النطاق الثانى المحيط القريب من الجبهة ويحميه من النطاق الخلفى وبعد ذلك يقفز القفزة الثالثة ويدخل ميدان القتال.
ولكن فى التحسب بألا يتعرض حائط الصواريخ والبطاريات أثناء الحركة إلى مواقعها وقبل تشغيلها إلى الضرب، فمسألة أن يتم هذا كله فى وقف إطلاق النار، وأن يتم فى فسحة معينة من الوقت، وأن يكون هناك تجاوز ما يمكن الدفاع عنه أو تغطيته دبلوماسيا وإعلاميا.
ولم يستطع العسكريون بقيادة الفريق محمد على فهمى الانتهاء من نقل الصواريخ على الساعة 12 ليلا وطالب تغطية لمدة ساعة ثم امتدت لساعة ونصف الساعة ثم لساعتين، وكل الناس تحاول أن تغطى دبلوماسيا وإعلاميا بجهد خارق للعادة، فأنا رأيت خير ما فى الدولة المصرية كان يتحرك بكفاءة.
وكان هناك هدف واضح وإدارة واضحة وكانت هناك مهمة يشعر الناس جميعا أنها ستصنع فارقا كبيرا، وأكد كل من الفريق محمد فوزى والفريق محمد على فهمى أنه إذا استقر حائط الصواريخ فى مكانه، فهذا أمر سوف يغير موازين القوى على الجبهة كلها وفى المعركة كلها.
بدأ الإسرائيليون يشعرون، وبدأت الاتصالات على الفجر، كان محمد على فهمى قد انتهى والصواريخ استقرت، وكان الموقف مؤمنا عسكريا، إلا إذا تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية.
القوى الإسرائيلية وحدها لم تكن قادرة على إزالة حائط الصواريخ لكن القوى الأمريكية تستطيع بالتأكيد لأن الأسطول السادس إذا ما تدخل لإزالة هذه المواقع فقد ينجح من بعيد لكن الطيران الإسرائيلى لم يكن يستطيع.
وفى الصباح كانت المعركة بالفعل محتدمة، وكان الإسرائيليون قد شعروا أن شيئا حدث ولكنهم لا يستطيعون أن يقدروا أين هو، فقاموا باستطلاع فوق الأرض المحتلة وحاولوا أن يلتقطوا إشارات الصواريخ، وقد أدركوا على وجه اليقين أن هناك مواقع كثيرة جدا حدث بها تغيير، وأن هناك مواقع لم تكن موجودة شغلت وكانت منشآتها الهندسية موجودة، لكنها لم تكن عاملة والآن كان واضحا أنها أصبحت عاملة.
كانت هناك مواقع أخرى بها بطاريات هيكلية وأقصد مصنوعة من الخشب، لكنها الآن بطاريات حقيقية وعاملة، كما أن هناك أشياء كثيرة تغيرت وطرأت على الخط وغيرت حائط الصواريخ المصرى، والإسرائيليون يحاولون بطريقة غريبة معرفة ما يحدث، حيث جاء برجس السفير الأمريكى بمصر بعد أن أجرت إسرائيل اتصالاتها بالولايات المتحدة، أعطته الإحداثيات والتى هى مواقع نسبية لكل مكان على الأرض تتحدد بخطوط الطول والعرض والارتفاع عن البحر.
فقدم الإسرائيليون إحداثيات فى المواقع التى يشعروا أنها حدث فيها تغيير. وجاء لنا الأمريكان فى الصباح التالى بالإحداثيات، التى يعتقد الإسرائيليون أنه حدث بها تغيير، وأنا هنا أريد أن أكسب الوقت فى أى جدل سياسى أو عسكرى أنا أرى أن الإسرائيليين يشعرون بما جرى، لكنهم لا يستطيعون معرفة متى جرى وكيف جرى وماذا يمكن عمله؟، لكنهم لم يستطيعوا فعل شىء، لأن هناك حائط صواريخ امتلأ ودخلت إليه بطاريته وهو جاهز.
فإذا دخلوا الأمريكان فهذه قضية أخرى ولكن اذا بقيت المواجهه بيننا وبين إسرائيل فنحن لم يكن لدينا شك فى أن هذه المعركة نستطيع أن نكسبها إذا عبئت كل جهدنا ووعينا وكل التنبه الممكن لكى نواجه.
وأرسلنا الإحداثيات التى أعطاها لنا برجس وقلت لهم إنه عندما تحدث برجس لمحمد رياض وقال له إن هناك مخالفات فى المواقع التالية فأنا قلت لهم هل معقول، وأنا سأرسلها لوزارة الدفاع لكى أحقق فيها، فذهبت الإحداثيات لوزارة الدفاع، وسنعطى وقتا للفريق محمد فوزى لكى يتأكد عماذا جرى، وما الذى يتحدث عنه الإسرائيليون، والفريق فوزى كتب لنا موقعا غير محتل وهو احتل قبل ذلك بموقع سام 3 ونفى فوزى أن يكون هناك موقع فى الإحداثية التى أشار إليها الإسرائيليون، وقال إن هناك موقعا جارٍ إنشاؤه، وهذا موقع غير موجود وهذا موقع محصن، وعمل مذكرة بكل هذا، واستغللنا هذا كله ودخلنا فى مناقشة.
وكان إسحاق رابين وقتها قد ذهب لسسكو وقال له إن الجيش الإسرائيلى وهيئة الأركان هناك تقول له بوضوح إن المصريين قاموا بمخالفات، فقال له سسكو لم نستطع رصد مخالفات، والمصريون يحققون فى الإحداثيات التى أشرتم إليها وهم فى النهاية عرفوا أنه فى الغالب حدثت مخالفات، لأن المخابرات العسكرية الإسرائيلية، عرفت من المخابرات العسكرية الأمريكية فى البنتاجون أن هناك أشياء رصدت بها شبهة حركة.
لكن يجب أن أسلم أن قوات الدفاع الجوى قامت بمهمتها وأحسنت القيام بها وقامت بهذه الحركة على هذا النطاق الواسع، ولم يستطع أحد أن يضبطها متلبسة لأنه مهما كان كيف ساروا فى الظلام، ووصلت التجهيزات للمواقع الهندسية لتجهيزات الصواريخ ودخلت وركبت، وأنا هنا أريد أن أوضح للناس قيمة ما جرى وأن أشبهها بالصواريخ الكوبية، وهى فى اعتقادى قد تكون أكثر دراما من الصواريخ الكوبية لأنه هنا بلد صغير فى ظروف مرهقة جدا.
وقد طلبت شيئا فخورا به من السيد محمد رياض، طلبت منه يوميات تفاصيل ما جرى وبالفعل قام محمد رياض بكتابة تفاصيل ما جرى، وهنا مجموعة تفاصيل ما جرى من 12 نسخة لأنى أردت أن تحفظ فى كل مكان له علاقة بالموضوع فى الدولة وأن تكون شاملة كاملة للعسكرى والدبلوماسى والسياسى والإعلامى يكونون فى ملف واحد، ويكون مرتبا زمنيا لأنه قد يكون له فائدة لمن سيأتى بعدنا.
ألقى نظرة على هذا الجهد قبل أن أنتقل للمعنى والقيمة، التى تحققت فيما أمكن تنفيذه فى تلك الليلة. فلما بدا محمد رياض ومعهم مجموعة الدبلوماسيين الممتازة، الذين عملوا معه يومها وكان وقتها مسئولا لمكتب الوزير ووكيل وزارة، واعتبر محمد رياض أن الأزمة بدأت فى 4 أغسطس وتحريك الصواريخ كان يوم 7 يوم وقف النار، وبدأ محمد رياض التسجيل يوم 4 ويقول أن برجس حضر له بعد أن كان الأخير فى إجازة لقبرص وأمر أن يقطع الإجازة، وقاله إنه يريد التحدث عن موضوع وقف إطلاق النار، وقال إن هذا موضوع حساس للغاية ولابد للتوازن فى تنفيذه، وقال إنه لا يريد أن يغير الأوضاع على ناحيتين وأن الولايات المتحدة الأمريكية تعتقد أن هناك توازنا فى الجبهة من الناحيتين، وينبغى الاحتفاظ به فى فترة وقف إطلاق النار حتى تستطيع أن تنتج محادثات على أساس وضع تتطمئن فيه الأطراف وتستطيع أن تنتج نتائج سياسية لها قيمة.
وقال رياض فى الملف الذى سجله إن سفيرهم فى إسرائيل يعتقد أن وقف إطلاق النار سيكون ناجحا لأن الجنرال ديان قال للسفير الأمريكى إنهم مرهقون جدا من حرب الاستنزاف ولابد أن يكون عبدالناصر مرهقا أيضا لأن الطرفين مرهقان لأول مرة فى تقدير ديان فهو يعتقد أن كليهما عاوز يصل لوقف إطلاق النار لأنه يريد أن يريح كل الأطراف اذا كان ممكنا أن تنتج عنه أو تجرى فى ظله مفاوضات ممكن أن تؤدى إلى حل.
الغريب أن ما توقعه ديان هو عكس ما حدث فالبفعل كانت حرب الاستنزاف مكلفة لكن عندما جاءت هذه اللحظة، وتبدت فيها هذه الفرصة النادرة وأن نتصرف فى يوم وقف إطلاق النار وندخل حائط الصواريخ إلى النطاق الأول حدثت معجزة، لم يحدث أن قوات الدفاع الجوى وقيادة القوات المسلحة والجهاز الإعلامى فى البلد لم يكن يحدث أن الجهاز الدبلوماسى فى البلد كان متنبه أن هذه هى اللحظة لجهد إضافى مهما كان كل الناس مثقلة بالأعباء ومشغولة.
ويحكى محمد رياض كل تفاصيل ما جرى لأننى شخصيا أعتقد أنها مسألة من الأشياء السعيد بها كنت أريد السجل يكون موجودا وبالتالى السفير محمد رياض كتب كل تفاصيل لقاءه ببرجس وكتبوا شيئا لم أكن أريده وهو الوزير محمد حسنين هيكل، وكتب أن الوزير محمد حسنين هيكل قد أبلغنى بالنقاط الخمس، التى يجب أن أبلغها لبرجس والتى حاولت أن أقنعه فيها أننا سنوقف إطلاق النار فى الغالب، وانصرف برجس بعدها ليبلغ سسكو وبعد ذلك أعطانى الوزير هيكل تعليمات لكى أصيغها، وقال رياض إن الوزير هيكل طلب منى عدم الرد على برجس وإننا أصبحنا فى الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، وكل الأزمة موجودة بتفاصيلها حتى الفجر حينما أبلغنا جميعا بأن حائط الصواريخ تم.
أريد أن أنتقل للنقطة المركزية وهى ما هو معنى ما جرى فى تلك الليلة، الحاجة الغريبة وأنا هنا أمامى صور للأمريكان قد صوروا مواقعنا ولكن كان من الصعب أن يستنتجوا ما فيها، وأعطوا لنا صورا للمواقع التى قالوا إنها حدث فيها تغييرات وتبديلات إلى آخره، لكن ما هو أهم بالنسبة لى كتاب كتبه جنرال إيلى زعيرا مدير المخابرات العسكرية، وخطاب لجولدا مائير رئيس وزراء إسرائيل للرئيس الأمريكى نيكسون، ولدى مذكرات ديان لأنى نفسى أن يكون واضحا ما هو معنى ما قامت به قوات الدفاع الجوى من الدرجة الأولى.
وأنا هنا أقصد التغطية عن شىء ما حدث له قيمة ويستحق أن نحافظ عليه وأن نحميه بكل ما هو ممكن ولولا أنه تم بكفاءة، وخلق أمرا واقعا صباح اليوم التالى لاختلفت الصورة.
وفى كتاب إيلى زعيرا مدير مخابرات إسرائيل وقت حرب أكتوبر كان فى وقت هذه الواقعة كان ملحقا عسكريا أو رئيس البعثة العسكرية الموجودة فى واشنطن ويعمل بالتنسيق مع الجنرال رابين، فالأخير هو السفير وزائيرا هو رئيس قسم الملحقين العسكريين الإسرائيليين فى السفارة الأمريكية وهذا منصب فى منتهى الحساسية.
وكتب زاعيرا هذا الكتاب بعد حرب 73 ليدافع عن نفسه إزاء المفاجأة التى تلقتها القوات الإسرائيلية يوم 6 أكتوبر سنة 1973، وهنا كان هناك تداخل فى الزمن ويجب أن أضع الخط الفاصل فيه لكى تبدو الصورة واضحة، وزائيرا هو مدير المخابرات الذى يحاول أن يبرر لماذا لم يستطيعوا أن يتنبأوا بمفاجأة حرب 73، فهو بادئ بأزمة حركة الصواريخ، ويعتبرها سنة 70 أنها بداية المشكلة، ويعتبر ما قامت به قوات الدفاع الجوى وما لم يستطيعوا تغييره بالقوة بعدها، وما لم يتنبهوا إلى خطورته مع استمرار الوقت لأنه يكاد يكونوا لا يرتبون نتائجه أنه سيستعمل فى حرب والمفاجأة غيرت الأوضاع على جبهة القتال، وهم رصدوها وعرفوها لكن جد طارئ السياسة جعلهم لا يتوقعوا الحرب لكن عندما جاءت مفاجأة الحرب كان المفاجأة الكبرى هى حائط الصواريخ.
وقال زائيرا، وهو يكتب مذكراته لماذا فوجئنا وكيف فوجئنا سنة 73؟ وعاد وقال إن نقطة البداية حائط الصواريخ الذى استكمل سنة 70. ولم يصدر هذا الكتاب بأى لغة سوى اللغة العبرية، ومن قام على ترجمته المخابرات العسكرية المصرية لكى يكون لدى القوات، وهذه النسخة أعطانى لها اللواء ابراهيم شكيب وهو واحد من المؤرخين العسكريين فى القوات المسلحة المصرية، وترجم هذا الكتاب فى أواخر السبعينيات أثناء التحقيقات عما جرى فى سنة 73.
وهنا قال زائيرا فى مذكراته إن الكارثة التى لم نتنبه لها فى كل 73 هو ما فاتنا أن نتوقف عنده بالقدر الكافى سنة 70، وقال: أبلغنى قائد سلاح الطيران إنه يحتاج ل48 ساعة للقضاء على شبكة الصواريخ المصرية عندما فوجئوا بها فى حرب 73، وتساءل هو كيف 48 ساعة؟ فالمصريون وقتها يستطيعون العبور فقال له إنه لا يستطيع قبل ذلك للتعامل مع حائط الصواريخ المصرى الذى بنى والذى تم سنة 70، ويقول إن بناء هذا الحائط يعنى انهيار دعامة من دعامات نظرية الأمن الإسرائيلى لأن شبكة الصواريخ المصرية إذا لم تكن قضى عليها فى أول 48 ساعة، فهذا معناه أى ضربة وقائية نستطيع أن نضربها أو أى ردة فعل سريعة لا نستطيع القيام بها.
وقال إن التنبه لهذا الموضوع كان من سنة 70 ورئيس الأركان فى ذلك الوقت حاييم برليف طلب منا وضع خطة لمواجهة حائط الصواريخ وجلسنا ننبه لخطورة هذا الحائط لأنه عندما أسقطت طائرات الفانتوم بالمعدل وبالكم الذى تم سنة 70 بطريقة لم نكن نتوقعها وأدى لهز أفضل الطيارين والملاحين الجويين وهيئة الأركان العامة وأدى هذا لانخفاض الروح المعنوية، فهذه الهزيمة التى منى بها سلاح الطيران جعلت قادته يدرسون بإمعان مشكلة الطائرة والصاروخ.
وفى شهر أغسطس تم إعلان وقف إطلاق النار على طول قناة السويس، وكان أحد شروطه التى تمسكت بها إسرائيل بشدة هو حظر تحريك بطاريات أرض جو باتجاه قناة السويس، وكان هذا الحظر مقبولا من الولايات المتحدة، والتى قامت بالوساطة من أجله ولكن فور دخول اتفاق وقف إطلاق النار إلى حيز التنفيذ اكتشف جيش الدفاع الإسرائيلى أن المصريين يقومون بتقريب بطاريات صواريخ أرض جو للقناة، وقد نفذوا هذه العملية بفهم وذكاء.
وهنا نجح المصريون فى خداع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية فبعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار إلى حيز التنفيذ مباشرة قاموا بإدخال منصات إطلاق صواريخ وشبكات رادار حقيقية فى مبانٍ وخنادق بطاريات هيكلية، وبهذه الطريقة تم استبدال بطارياتها الهيكلية ببطاريات حقيقية بنفس العدد وفى نهاية هذه العملية وجد سلاح الطيران الإسرائيلى ممنوعا من الاقتراب من القناة نظرا لأنها كانت مغطاة ومحمية بواسطة بطاريات صواريخ أرض جو.
وبعد أن تحدث إسحاق رابين مع الأمريكان عن الموضوع بدأت السى آى إيه تحقق والبنتاجون يحقق، وبعد ذلك أنكروا الفصل الذى يربط فيه جنرال زعيرا مدير المخابرات بما جرى سنة 70 بآثاره، التى وقعت بالفعل سنة 73 والشىء الغريب، والذى لابد أن يذكر الفضل فيه لصاحبه لأن هنا كان حائط الصواريخ تم بناؤه ومحمد على فهمى، الذى قام بتحريك هذه الصواريخ وأشرف عليها من حسن حظ أنور السادات أن ظل هذا الرجل هو نفسه الذى قام بقيادة الدفاع الجوى وكانت تسمى القوة الرابعة سنة 73.
ويكفينى أن ما جرى بعدها كتبت جولد مائير للرئيس نيكسون تقول له فى هذا الجواب إن صداقتكم وتفهمكم يشجعنى أن أشارككم بعض من شواغلنا الملحة فإن كلينا يعلم يا سيدى الرئيس كيف قامت الجمهورية العربية المتحدة بتشجيع وإشتراك الاتحاد السوفييتى بخرق اتفاق وقف إطلاق النار بل وأكثر من ذلك نجاحها فى الإفلات من ذلك أننا الآن نواجه معضلة استئناف المحادثات، حيث يوجد 161 موقع صواريخ تتضمن 40 إلى 50 بطارية عاملة ثلثها سام 3، وقالت بعدها فى نفس الجواب أنت ونحن نعلم أن الجمهورية العربية المتحدة خالفت وقف إطلاق النار بتأييد وتشجيع الاتحاد السوفييتى وللأمانة الاتحاد السوفييتى لم يكن لديه أى يد فى هذا الموضوع إطلاقا وقالت واستطاعوا أن ينفذوا بما صعنوه.
وعندما قرأت هذه العبارة كنت أتمنى أن أعمم هذه العبارة على الشباب سواء فى الخارجية أو فى الإعلام أو فى الدفاع الجوى، الذى شارك فى هذه العملية، لأنه عندما قالت جولدا مائير للرئيس نيكسون أنت تعرف أن المصريين خالفوا مخالفة جسيمة وضعتهم أمام أمر واقع لا يستطيعون تغييره ولن يستطيعوا تغييره حتى وقعت الواقعة 73، ثم تقول واستطاعوا أن ينفذوا بها.
وبعد الانتهاء من هذه المهمة بأسبوع نجد مجلة وزارة الدفاع الأمريكية تحكى كيف جرت هذه الحكاية، وهنا رابين قال إن ديان حدثه وما حدث وأنه من الصعب أن يطير الإسرائيليون فوق مصر وكسر حائط الصواريخ.
ونقرأ ونناقش ونرى التعليقات على ما تحقق وأنا كمسئول عن وزارة الخارجية قمت بشيئين، أولهما طلبت سيناريو لكيف سوف نتصرف مع يارنج مع أنى أعلم أن الإسرائيليين لن يدخلوا فى مفاوضات جدية معه لأنه ببساطة موضوع حائط الصواريخ طاغى على كل شىء فى تفكيرهم، وانتهى الموضوع واعتبرت أن كل ما ترتب على الموضوع مبادرة، وكل الناس اعتبرت أنه انتهى، لأن الإسرائيليين شعروا بالتغيير ولا يستطيعون القيام بشىء.
كتبنا تصورنا فى الورقة الخاصة بنا للتعاهدات السلمية للحل والورقة للإسرائيليين فيما يتعلق بموضوع الانسحاب والخطوة، التى تليها وأنا فخور بها جدا ترجيت الرئيس جمال عبدالناصر مقابلة المجموعة الإعلامية والدبلوماسية، واكتشف أنه لم يقابل الإدارة الدائمة لوزارة الخارجية، ولم ير الإدارة الدائمة فى وزارة الإعلام ولذلك ترجيت أن يقابلهم لأن هناك مسألة مهمة، وهى أن هؤلاء الذين ينفذون السياسة لابد أن يكونوا عالمين وموجودين، فى بعض المرات وفى كل المرات أثناء صنع القرار، إذا كانت هناك جهة ستقوم بتنفيذ قرار السياسة إذن فإن هذه الجهة والجهاز التنفيذى لابد أن تكون لديهم الفرصة لكى يجلسوا مع صناع القرار وليس فقط رئيس الدولة وهى من القضايا الموجودة ولدىّ فكرة عنها ورأيتها بوضوح وأنا وزير للوزارتين.
وعندما ترجيت من عبدالناصر مقابلة الإدارتين كانوا يشعرون بالخوف وشجعتهم وكان من أنجح اللقاءات وحتى أسامة الباز قال أول مرة تحدث أن هذه الأطقم تجلس مع رئيس دولة، ولكن ذهبوا له فى المعمورة وجلس معهم ساعتين ونصف الساعة وتحدث معهم وخرجوا من عنده سعيدين.
وقال لى الرئيس بعد أن ذهبوا أننى بعد أن فعلت ذلك كنت متحمسا فقال لى ما رأيك أن تظل فى وزارة الخارجية، وقال لى إن الخارجية وجدت شيئا عندى، فقلت له يا سيادة الرئيس بصراحة المهمة أعجبتنى لكن الوزارة لا وليست الوظيفة، لأننى شعرت هنا أننا نشارك فى مصير ونشارك فى تاريخ وقصة كبرى فى يوم من الأيام ستقال وتروى تفاصيلها وتسجل لأجيال كثيرة فعجبتنى المهمة لكن المنصب فلا.
ووقتها جاءت لنا برقيات عن وقف اطلاق النار وأنها حلول استسلامية خصوصا حزب البعث بالعراق فى ذلك الوقت، وعرضت هذه البرقيات على وقلت للرئيس ولا يهمك وقلت له شيئا اقتبسته من طه حسين قلت له كلمتين للدكتور طه حسين، فطلب منى أن أكتبهم وكتبتهم وهما «عجبت لهؤلاء الذين لا يعملون ويسيئون إليهم أن يعمل غيرهم»، والثانية «ويل للذين يعلمون من هؤلاء الذين لا يعلمون».
ومع الأسف الشديد الجهل بالحقائق فى كثير من المرات والمعلومات يدفع البعض لمواقف ولكن أبسط شىء تبذل الناس مجهودا لكى تعلم، وكل الناس مطالبة أن تبذل كل الجهد ليس لتعرف كل شىء ولكن بعض الأشياء.
حوارات هيكل (الجزء الأول)
حوارات هيكل (الجزء الثاني)
حوارات هيكل (الجزء الثالث)
حوارات هيكل (الجزء الرابع)
حوارات هيكل (الجزء الخامس)
حوارات هيكل (الجزء السادس)
حوارات هيكل (الجزء السابع)
حوارات هيكل (الجزء الثامن)
حوارات هيكل (الجزء التاسع)
حوارات هيكل (الجزء العاشر)
حوارات هيكل (الجزء الحادي عشر)
حوارات هيكل ( الجزء الثاني عشر)
حوارات هيكل (الجزء الثالث عشر)
حوارات هيكل (الجزء الرابع عشر)
حوارات هيكل (الجزء الخامس عشر)
حوارات هيكل (الجزء السادس عشر)
حوارات هيكل ( الجزء السابع عشر)
حوارات هيكل (الجزء الثامن عشر)
حوارات هيكل( الجزءالتاسع عشر)
حوارات هيكل (الجزء العشرون)
حوارات هيكل (الجزء الواحد والعشرون)
حوارات هيكل الجزء(22)
حوارات هيكل الجزء الثالث والعشرون
حوارات هيكل الجزء الرابع والعشرون
حوارات هيكل الجزء الخامس والعشرون
حوارات هيكل الجزء السادس والعشرون
حوارات هيكل الجزء السابع والعشرون
حوارات هيكل الجزء الثامن والعشرون
حوارات هيكل الجزء التاسع والعشرون
حوارات هيكل الجزء الثلاثون
حوارات هيكل الجزء الواحد والثلاثون
حوارات هيكل الجزء الثانى والتلاثون
حوارات هيكل الجزء الثالث والثلاثون


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.