فى ربيع سنة 1970 وبالتحديد فى شهور مارس وأبريل ومايو من تلك السنة بدا أن الحركة المتدفقة على كل الطرق ومن مختلف الاتجاهات أصبحت تؤدى إلى موضع بالذات أو إلى مهمة وهو موضوع لم يعد ممكنا أن ينتظر أو يؤجل وهو موضوع العملية العسكرية الكبرى التى تستهدف العبور بالدرجة الأولى، أى تنفيذ خطة إزالة آثار العدوان، أو البدء فى تنفيذ خطة آثار العدوان مع العلم أن هذه المهمة سوف تأخذ وقتا كبيرا لأن هذه معركة ليست سهلة فى ظروفها، لكن كان هناك إحساس أنه هنا ومن كل هذه الحركة المتدفقة ومن كل هذه الاتجاهات هناك موعد ومهمة ومكان لا بد من لقاء عنده ولا بد من حركة عنده، وهى ليست حرب الاستنزاف لكن نقلة أخرى فى الحرب نحو بداية تحرير الأرض. وكان هناك تصور عند العرب والعالم ساد طويلا هو أن العرب يستطيعون تحمل هزائم لأنهم ثابتون فى الأرض ولأن جذورهم ممتدة ضاربة فى أعماق التاريخ ولأنهم فى أرضهم وفى أوطانهم فالتاريخ معهم والثقافة معهم والحضارة معهم والموقع ملكهم وعددهم كبير جدا؛ حيث كان بإسرائيل من 3 ملايين إلى 3 ملايين ونصف المليون مهاجر والعرب من 180 إلى 200 مليون عربى. وأظن أن صانع القرار المصرى كان يدرك أننا أمام تحد فى ميدان القتال لا نستطيع أن نخسره، وأنا أتذكر المنطق الذى كان يقوله جمال عبدالناصر بعد ما خسرناه من سنة 67 والطريقة التى خسرنا بها، نحن لا نستطيع الآن ولا نملك أن نضيع هذه الفرصة فى المرات القادمة وهذه الفرصة القادمة لا بد أن ننجح فيها ولا يمكن أن تحتمل فكرة أى فشل فيها، لأنه ببساطة بعد 67 هناك جرح غائر وبعد 67 هناك جهد ضخم جدا بذله الشعب المصرى، الشىء الآخر أن الذى يسيطر أننا لا نتوقع تغيير الموقف الدولى. وفى ذلك الوقت كنت أحاول أن أعرض ما الطرق التى كانت الحركة تجرى عليها، وقد بدا أن الاستعداد العسكرى قد وصل إلى درجة اعتبرت كافية وزيادة، طبقا للتقرير الذى كتبه الفريق محمد فوزى فى ذلك الوقت، وقال فيه إن قواتنا المسلحة جاهزة للعمليات وعلى خط القتال وتقف هناك خمس فرق مشاه و3 فرق ميكانيكية وفرقتان مدرعتان و3 لواءات مدرعة مستقلة و3 كتائب استطلاع برى ولواء إنزال بحرى. لم تكن المهمة فى ذلك الوقت فهم نظرية الأمن الإسرائيلى لأنه إذا تم كسر نظرية الأمن الإسرائيلى فقد تم فتح الطريق بلا حدود، لأن نظرية الأمن الإسرائيلى تعنى ما هو أكثر بكثير من نظرية القتال. وفى ذلك الوقت نظرية الأمن الإسرائيلى قادرة على الردع وبقسوة منذ الوهلة الأولى، وهنا قال الفريق فوزى إن أول ما يبدو على أول موعد على الطرق المؤدية إلى هذا اللقاء وهذه المهمة على هذا الطريق هى القوة المسلحة وهنا قالت القوات المسلحة إنها قادرة على تنفيذ الخطة الموجودة فى ذلك الوقت وهى خطة فى منتهى البساطة وتحدثت عنها فى ذلك الوقت وهى جرانيت واحد. وهناك جرانيت 2 وجرانيت 3 ولكن هذه الخطط كانت خارج الحساب فى ذلك الوقت. كانت قواتنا المسلحة المصرية تحتاج باستمرار إلى قاذفة مقاتلة ولم يكن لدينا وقال لنا الاتحاد السوفييتى إنه ليس لديه قاذفات تؤدى ما نريده، ولديهم قاذفات ثقيلة مجهزة للردع النووى والحرب النووية وهذه لا تصلح لهذه المهام التى نريدها، وكان هناك اعتقاد فى القوات المسلحة أنها ليس بها قاذفة وظهرت فرصة هائلة مع الثورة الليبية وحاول كل الناس استرضاءها فحاول الأمريكان أن يجددوا مع الليبيين قاعدة ويليس ويلوحوا لهم بأنه من الممكن أن يبيعوا لهم طائرات فانتوم وفى ذلك الوقت حاولت فرنسا الاقتراب، وأنها من الممكن أن تبيع لهم طائرات من طراز ميراج وكل الأطراف الأوروبية والغربية كانت تعرف الحركات المسماة ثورية فى العالم العربى بها ضباط وقضية السلاح. وفى ذلك الوقت طلب منى أن أقابل العقيد القذافى خصوصا وأنا فى ذلك الوقت الوحيد الذى أعرف القذافى من المجموعة القريبة من جمال عبدالناصر وبالفعل ذهبت له ومعى جواب من عبدالناصر رسالة مكتوبة، وقابلت العقيد القذافى وأعضاء من مكتب قيادة الثورة وقلت لهم: لدى رسالة من الرئيس ومقتضاها أن الأمريكان لن يعطوكم طائرة فانتوم والروس لديهم طائرة ميج المعدلة MS وأى صفقة ستقومون بها مع الروس ستكون صفقة مكررة، وطلبنا منهم شراء الطائرة ميراج التى بها كل المواصفات وقلت لهم إنه مجال للشطارة وان الأمريكان سيعرفون بالصفقة وأن الحلفاء سيتبادلون المعلومات. ولكن هناك منطقة معينة لمنافسة أمريكية فرنسية سواء على المنطقة أو على بيع السلاح أو بالنفوذ السياسى أو بالبحر الأبيض هناك مساحة نزاع نستطيع استغلالها وبالتالى إذا استطعتم شراء الميراج فاعقدوا صفقة بها ونحن طلبنا أن يحاولوا شراء ما بين 50 و100 طائرة ميراج، وهم سيدفعون النقود، ونحن جاهزون للمساعدة على عقد الصفقة وتدريب الليبيين مع مصريين بجوازات ليبية وتسير الصفقة، وعلى ما بدا لى فإن الرسالة توافقت مع الليبيين فى ذلك الوقت. والليبيون استطاعوا أن يعقدوا صفقة 100 طائرة ميراج وخمسة طائرات تدريب، وفى ذلك الوقت الذى كنت أتحدث فيه عن الطريق لمقاربة موعدها ومهمتها أصبح موجودا نحو ما بين 38 و40 طائرة ميراج، وأقول إن الفرنسيين لم يضعوا آخر ما هو موجود فى هذه الطائرات لكن هذه الطائرات كانت كافية للمهمة، وهذا هو الطريق الثانى، أما الشىء الثالث فهو أمر موجود أمام صانع القرار المصرى هو رفع درجة الصراع بيننا وبين إسرائيل فى لحظة القتال من المستوى المحلى (جبهة مصرية واحدة)، إلى مستوى معركة عربية إسرائيلية ثم إلى مستوى توتر دولى خطير تتحرك فى ظله موازين أكبر من الصراع العربى الإسرائيلى. لكننا كنا نريد لحظة القتال أن يكون فيها تأهب دولى على الأقل وألا تكون المسائل متروكة فى ذلك الوقت من المعركة لموازين محلية على الأرض فى هذا الشريط وراء قناة السويس وهذا الشريط المقسم إلى 15 كيلو على كل جبهة والذى ستدور فيه المعركة سوف يؤثر فى مصائر العالم. أما الطريق الرابع فهو وجود سوفييتى كثيف مع أسلحة سوفييتية كثيرة حتى مع دخول أسلحة فرنسية بدا أن الوضع فى الأقليم يهدد بخطر، والطريق الرابع هنا هو أن السوفييت وعندهم أناس وضحايا فى مصر بدأوا بتعبئة الرأى العام للاتحاد السوفييتى فيأتى جنرال سوفييتى ويقرأ رسالة يقول إن الرئيس برجينف يود إخطارك أنه فى هذه اللحظة بدأ تعبئة كاملة فى المصانع والجامعات والنقابات والجيش وكل مكان للوقوف معنا، وهنا الطريق الخامس من خطة جرانيت وهو الوجود السوفييتى فى البحر الأبيض بدأ يزيد خصوصا عند مخارج البحر الأسود. الشىء السادس قلق الرئيس نيكسون نفسه وفى ذلك الوقت أجد محادثة بينه وبين رابين.. ورابين فى ذلك الوقت كان سفير إسرائيل فى واشنطن وكانوا يضغطون ويريدون ردا من الأمريكان عما يحدث ويعطونهم سلاحا. وأجد نيكسون جالسا يشرح للسفير الإسرائيلى فى واشنطن وهو الجنرال رابين وقال له لا تعتقد أن المسألة مسألة بترول بالنسبة للعرب، أنا فى كل مرة تضربون فيها العرب أكون سعيدا وعند التهديد أيضا أكون راضيا، ويقول رابين فى الوثيقة والتى كتبها فى مذكراته بعد ذلك إن هذه الصواريخ لم نتوصل للدفاع ضدها وتحتاج للدفاع عنها والولايات المتحدة لم تتوصل بعد لصاروخ مضاد. والطريق السابع من جرانيت العبور وهو عنصر مهم فقد أدرك عبدالناصر فى اجتماع قمة عقد فى طرابلس لدول المواجهه فى ذلك الوقت أواخر يونيو سنة 70 أنه سيخوض المعركة بمفرده، وكان عبدالناصر حريصا وخرج من طرابلس وتعليماته تنفيذ جرانيت 1 فقط وليس جرانيت 2 والوصول للمضايق وليس جرانيت 3 وهى الوصول للحدود ولم ترسم بعد وكانت فى إطار التخطيط. وهنا كان عبدالناصر محددا لهدف معركته وما الذى يمكن أن يترتب عليها وأنه مستعد لمخاطرة البدء، ومعتقدا أنه عندما يبدأ ويتم العبور سوف يحرك آخرين وبالأمل جماهير عربية بلا حدود وهذا كان الطريق السابع الذى كان يسير إليه كل طرق الحركة. ووقع عبدالناصر خطتين والتى بها جرانيت 1 عبور بحماية حائط صواريخ ووقع أيضا خطة فى منتهى الأهمية وهى خطة 200 ولها قصة وبداية ففى يوم من الأيام أواخر سنة 67 كتبت مقالة عن شخص فى القوات المسلحة.. لم أذكر اسمه وهو كان موجودا فى أحد أهم فروع القوات المسلحة يطلب مقابلتى فى مكتبى فى الأهرام، ولا أريد أن أذكر اسمه، وقال لى إنه لم يعد ممكنا أن نفاجأ مرة أخرى وأريد أن أقول لك بأمانة المسئولية وأريدك أن تنقل هذا لعبدالناصر، وأن المفاجأة ما زالت ممكنة وأنا موجود وأعرف بحرب الصواريخ ونتصور أنا لا نستطيع أن نفاجئ وقال إن الاسرائيليين من الممكن أن يقوموا بعبور مضاد من الشرق إلى الغرب لدينا لتدمير حائط الصواريخ عند بنائه. واستمعت للضابط جيدا وقدرته وقدرت اهتمامه، وبعده بثلاثة أيام التقيت عبدالناصر وقلت له ما حدث وذكرت اسم الضابط ورتبته، فقال لى عبدالناصر إنهم يجهزون أيضا خطة العبور المضاد لمنع الإسرائيليين من غلق الجسور، فقال لى احضر لى هذا الضابط، وكان عبدالناصر حريصا على مقابلة الناس من خارج المحيط، وقد سجلت هذه المقابلة ومعى محضر الجلسة بخط سامى شرف والمحضر مكتوب فيه اجتماع بين عبدالناصر وضابط كبير. والرئيس قال: أهلا وسهلا. هيكل قال لى إنك قابلته مقابلة طويلة ووجدت فرصة أسمع منك مباشرة، وقال الضابط إنه يشكرنى على إتاحة فرصة لمقابلتك وأن هناك حقائق لا أعرف إذا كانت وصلت لحضرتك أم لا، وبدا هذا الضابط يتحدث وكأنه يتحدث عن الثغرة، وقال إنه يعرف استعداد القوات المسلحة لاحتمال عبور إسرائيلى مضاد لكننى أخشى أن الإسرائيليين أمامهم فرصة للقيام بما هو أكثر وأرجو يا سيادة الرئيس التنبه لها، لأن الإسرائيليين من الممكن أن يعبروا بدبابات لا يكون هدفها منع القوات من التدفق على الكبارى ولكن لتكون ثغرة دخول وتطويق مواقع الصواريخ وتدميرها وهو الغطاء الذى يحمى القوات للتقدم، ويحكى الضابط مخاوفه وعبدالناصر يسمعه، وقال الضابط إنهم من الممكن أن يفكروا فى «تقشير» حائط الصواريخ لحرمان القوات حتى إذا تمكنت وتمركزت هناك من حائط الصواريخ التى وراءها، وقد تم وضع الخطة 200 لمواجهة هذا الاحتمال والذى قد تحقق فى حرب أكتوبر، فالتاريخ مرات والوقائع مرات عندما تضيع الذاكرة تضيع معها أشياء كثيرة جدا، وخطة 200 هى الطريق الثامن لصد العبور المضاد وحماية الصواريخ من تدميرها. حوارات هيكل (الجزء الأول) حوارات هيكل (الجزء الثاني) حوارات هيكل (الجزء الثالث) حوارات هيكل (الجزء الرابع) حوارات هيكل (الجزء الخامس) حوارات هيكل (الجزء السادس) حوارات هيكل (الجزء السابع) حوارات هيكل (الجزء الثامن) حوارات هيكل (الجزء التاسع) حوارات هيكل (الجزء العاشر) حوارات هيكل (الجزء الحادي عشر) حوارات هيكل ( الجزء الثاني عشر) حوارات هيكل (الجزء الثالث عشر) حوارات هيكل (الجزء الرابع عشر) حوارات هيكل (الجزء الخامس عشر) حوارات هيكل (الجزء السادس عشر) حوارات هيكل ( الجزء السابع عشر) حوارات هيكل (الجزء الثامن عشر) حوارات هيكل( الجزءالتاسع عشر) حوارات هيكل (الجزء العشرون) حوارات هيكل (الجزء الواحد والعشرون) حوارات هيكل الجزء(22) حوارات هيكل الجزء الثالث والعشرون حوارات هيكل الجزء الرابع والعشرون حوارات هيكل الجزء الخامس والعشرون حوارات هيكل الجزء السادس والعشرون حوارات هيكل الجزء السابع والعشرون حوارات هيكل الجزء الثامن والعشرون