«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجاسوس عزام يعترف بأنه خلع «بنطلونه» ومزقه وصنع منه حبلا ليشنق نفسه به ويؤكد أن له دوراً في صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل
نشر في صوت الأمة يوم 13 - 02 - 2010

· عزام يعتبر تأخر بدء جلسة النطق بالحكم عن موعدها بساعتين ونصف دليلا علي "فبركة" المحاكمة
· الجاسوس الإسرائيلي يتهم جهات سيادية بالتدخل في محاكمته ويعتبرها مسرحية شارك فيها فريد الديب
· عزام يصف الرئيس مبارك ب"أبو الهول المصري" لرفضه الاستجابة لمطالبات إسرائيل بالإفراج عنه
· سجينان ينتميان إلي جماعة "الإخوان" اختطفا عزام وحاولا قتله داخل زنزانته تضامنا مع انتفاضة الأقصي
· عزام ينتمي إلي طائفة الدروز التي تؤمن بتناسخ الأرواح وأن الجسد يموت.. أما الروح فتنتقل إلي جسم طفل وليد
كشفت "صوت الأمة" في الحلقة السابقة عن شروط مرتضي منصور للدفاع عن الجاسوس الإسرائيلي ودور أسامة الباز، مستشار الرئيس مبارك، في الوساطة بين السفارة الإسرائيلية وفريد الديب، وكيف بحثت "الخارجية الإسرائيلية" عن محام مصري في بريطانيا للدفاع عن عزام، وكيف رفضت مصر ذلك المحامي لانه لا يجوز الكشف عن معلومات تمس الامن القومي امام شخص لا يعيش في مصر! كما عرضنا كيف طلب فريد الديب من الإسرائيليين 77 ألف دولار اتعابا للدفاع عن عزام، منها 40 الف دولار مقدما فوريا! واشادت السفارة الإسرائيلية بالديب، مؤكدة ان له خبرة طويلة في المحاماة وصاحب علاقات متشعبة مع النظام الحاكم وعلاقاته وطيدة بعائلة السادات. وقال الديب بعد الاطلاع علي ملف القضية: اذا كان الكلام ده يخلوهم يتهموا عزام بالتجسس يبقي يقدروا يتهموا أمي كمان بالتجسس! كما اشرنا إلي ان محاميا بلجيكيا حضر المحاكمة كمراقب دولي، وطمأن اسرة عزام علي براءته! وكيف قاد رئيس نادي الزمالك الاسبق مظاهرة من 3000 محام للمطالبة باعدام عزام عزام امام المحكمة في العباسية! وخلال المحاكمة صرخ عماد اسماعيل: "انا برئ.. عذبوني عشان اعترف.. اجبروني علي التوقيع بالقوة.. انا برئ!".. ووبخه شقيقه: "اقفل بقك! انت اتجننت؟! انت عاوزهم يقتلوك؟!.. وفي النهاية صدر الحكم بادانة عزام وعماد بينما كان الديب يستجم في فرنسا يوم النطق بالحكم وطلب من شقيق عزام حجز تذاكر السفر إلي تل ابيب!
لم يصدق عزام عزام ما سمعته اذناه من ان المحكمة حكمت عليه بالسجن 15 سنة مع الاشغال الشاقة، وبعد ان كان واقفا، جلس في استماتة علي كرسي حديدي داخل القفص بقاعة المحكمة، وارتعدت ساقاه. ثم حاول ان يبدو غير منهار امام افراد اسرته، فرسم ابتسامة بلهاء علي وجهه، بينما كان يجد صعوبة في التقاط انفاسه.
وبينما كان القضاة يغادرون القاعة، سادت ضجة كبيرة لان من حضروا المحاكمة لم يعجبهم هذا الحكم المخفف، فقد كانوا بانتظار احكام بالاعدام علي "الجواسيس الخونة". وتعالت الهتافات: "الموت للجواسيس".. الموت للخونة.. الموت لإسرائيل. بينما جلس عزام متجمدا في مكانه. ومع سخونة الاجواء سارع ضباط الشرطة المصرية إلي تهريب عزام من المحكمة حتي لا يفتك به المتظاهرون المطالبون باعدامه، هو وعماد اسماعيل.
ما ان ركب عزام سيارة الترحيلات عائدا إلي السجن، حتي بدأ عزام يسترجع لحظات النطق بالحكم عليه، ويشعر باعياء شديد ينتاب كل اطرافه، واخذ يشعر ان قدميه لا تقويان علي حمله، فسقط في ارضية السيارة، وبدأت الدموع تنساب من عينيه. عندها حاول السجان المصري المربوط معه في القيود تهدئته واخذ يربت علي كتفيه، ولكن عزام لم يسمع كلمة مما قالها، فقد اخذ يفكر: كم سيكون عمره عندما يخرج من السجن بعد 15 سنة؟! وكم سيكون عمر شقيقه وزوجته وابنائه وهل بالامكان ان يتم العفو بعد انقضاء ثلثي المدة؟..ويقول عزام في مذكراته التي تحمل عنوان "هل كنت عميلا للموساد؟" ان محاكمته كانت عبارة عن مسرحية كبيرة شارك فيها الجميع، وهو لا يستبعد ان تكون المخابرات المصرية، بل وربما جهات سيادية اعلي منها تدخلت في مسار المحاكمة حتي تنتهي بصدور هذا الحكم عليه، بل انه يكاد يوقن الان ان فريد الديب المحامي كان جزءا من هذه المسرحية! ويستدل عزام علي صحة ادعاءاته تلك بتأخر بدء جلسة النطق بالحكم عن موعدها المحدد مسبقا بنحو ساعتين ونصف، بل وينقل عزام عن شخص مجهول، لم يكشف عن هويته في مذكراته، ووصفه بأنه كان مطلعا علي مجريات الامور خلف الكواليس في محكمة امن الدولة في ذلك اليوم، ان رئيس المحكمة المستشار محرم درويش اجري مكالمات هاتفية طويلة وعصبية من مكتبه، وكانت عصبيته زائدة عن الحد في ذلك اليوم.
وينقل عزام عن شخص مجهول آخر، لم يكشف هويته ايضا، ان المستشار كان استدعي سكرتيرته عدة مرات لكتابة وثيقة ما، او تصوير وثيقة اخري، ونقل عن اشخاص مجهولين آخرين ان الجو كان متوترا في المحكمة في ذلك اليوم علي غير المعتاد، وكانت صرخات محرم درويش الغاضبة مسموعة بقوة خارج هذا المكتب، وان 3 اشخاص مهمين كانوا يرتدون ملابس مدنية دخلوا إلي مكتب درويش قبل بدء المحاكمة بساعة واحدة فقط. «الا يمكن اعتبار كل هذه المعلومات التي يذكرها عزام في مذكراته دليلا علي ان عناصر تابعة للمخابرات الإسرائيلية كانت تراقب هيئة المحكمة المصرية لحظة بلحظة؟! ام ان الهدف من ذكر ذلك كله هو التشكيك في نزاهة المحاكمة التي حظي بها عزام؟!
وينقل عزام عن ضابط امن دولة في سجن المزرعة يدعي محسن رمضان، استقبله بعد دقائق من نزوله من سيارة الترحيلات عند بوابة سجن المزرعة. يقول عزام ان محسن رمضان استقبله بابتسامة كبيرة قائلا: "شيل التكشيرة اللي علي وجهك، واحمد ربنا انك ما رجعتش هنا بالبدلة الحمراء بتاعة الاعدام.. ده اللي كانوا مجهزينه لك!". وتابع محسن رمضان وهو يهدئ عزام: "صدقني يا عزام انت لازم تفرح النهاردة.. انت صدقت انهم هيفرجوا عنك بعد كل الهيصة اللي حصلت علي القضية دي؟!.. فكر بس.. انت مش صغير.. انت متخيل الفضيحة اللي كانت هتحصل لاجهزة الامن المصرية لو المحكمة طلعتك براءة؟.. تأكد انهم مش هيسمحوا بحاجة ز ي دي ابدا.. صدقني اللي اتحكم عليك بيه ده هو اقل من اقل القليل من اللي كانوا موضبينه لك!".
وتأتي كلمات محسن رمضان هنا، لتشير إلي انه ربما كان الحكم الصادر بحق عزام هو الاعدام، وربما كانت الاتصالات السيادية التي يتحدث عنها عزام، ربما تمت فعلا لتخفيف الحكم عن عزام والابقاء عليه حيا حتي تستخدمه القيادة السياسية في عملية الضغط والتفاوض مع إسرائيل.
الانتحار
ما ان عاد عزام إلي السجن مرة اخري حتي سيطرت عليه مشاعر الصدمة مجددا، ومع مرور الايام علي عزام داخل السجن دون ان يلوح أي امل في الافق، راودته فكرة الانتحار ، بل كانت تتعاظم داخل راسه، خاصة مع تدهور حالته الصحية حيث تناقص وزنه بشكل كبير واصبح اكثر نحافة مما ينبغي، وغطت ملامح وجهه ذقن كثيفة كثة، واصبح يتنازل عن فترة فسحته في ساحة السجن، فلم يعد يغادر زنزانته، التي كان يبقي فيها ممددا علي ظهرا مغمض العين علي الارض.
ويتذكر عزام المرة الاولي التي حاول فيها الانتحار، وكان ذلك بعد عدة دقائق من زيارة شقيقه سامي له في السجن، فقد فشلت كل محاولات سامي في بث الامل ورفع الروح المعنوية لعزام. وبعد ان تركا بعضهما وانتهت الزيارة، عاد عزام إلي زنزانته محطما تماما، وعندما اغلق باب الزنزانة، كان قد اتخذ قرارا بينه وبين نفسه بوضع حد لحياته، والواقع انه لم يضع خطة محكمة لذلك، ولكن الامور كانت تسير علي طبيعتها، فقد اراد فقط ان يتخلص من حياته، وان يضع نهاية لكل ما هو فيه. فقد سارع إلي خلع بنطلونه الازرق، ومزقه إلي جزئين، وربطهما معا ليصنع حبلا من القماش، قرر ان يشنق نفسه به، ليتخذ طريقه السريع إلي الجحيم.
ظل عزام واقفا في وسط زنزانته ماسكا حبل المشنقة الذي صنعه من بنطلونه، يفكر في كيفية تنفيذ الحكم الذي حكم به علي نفسه. وظل يبحث عن الشيء الذي يمكن ربط الحبل به لتنفيذ الشنق، وكان الحل المثالي لذلك هو ربط هذا الحبل بالقضبان الحديدية الموضوعة علي نافذة الزنزانة، ولكن هذه النافذة الصغيرة كانت في مكان اعلي مما يمكن لعزام ان يصل اليه، حيث كانت علي ارتفاع 4 امتار، وبدا ربط الحبل في باب الزنزانة حلا غير فعال لتنفيذ الشنق، لان الباب لم يكن عاليا بما يكفي لذلك. وبعد ان ظل عزام حائرا لبضع دقائق في زنزانته يبحث في كل اركان الزنزانة عن حل، لكنه للاسف لم يجد، وفشلت خطة انتحاره شنقا!
بالاقراص
يقول عزام انه بعد القبض عليه، ظلت فكرة الانتحار ترافقه طوال السنوات التي قضاها في السجن، واصبحت فقرة ثابتة في برنامج اليومي بسجن ليمان طرة. خاصة ان عزام ينتمي إلي طائفة الدروز التي تؤمن بتناسخ الارواح، حيث تقول عقيدتهم ان الانسان عندما يموت، يموت جسمه فقط، اما روحه فتخرج من جسده البالي لتدخل في جسم طفل وليد. وكان عزام في لحظات يأسه سرعان ما يتذكر صوت والده الذي يتردد في اذنيه عندما كان يقول له: ان ذلك السر يا ولدي هو سبب شجاعة الدروز لانهم في الحقيقة لا يموتون.. انظر إلي اخوتك الذين يبدون بسالة في خدمتهم بالجيش الإسرائيلي".
لذلك كان عزام يري في الموت نهاية لالامه، خاصة انه يؤمن بانه عندما ينتحر لن يموت، وانما ستعود روحه إلي الحياة في جسد جديد، هو جسد طفل وليد، وكأن الجسم كالثوب، والموت مجرد تغيير ملابس.
في ظل هذه الحالة النفسية السيئة، لم يكن غريبا ان يطرد عزام افراد اسرته واشقائه الذين جاءوا لزيارته في السجن، متهما اياهم بخداعه والكذب عليه، طالبا منهم الا يأتوا لزيارته مرة ثانية الا اذا كان معهم قرار بالافراج عنه. وكان انفصاله عن اسرته يزيد من عذابه النفسي في السجن، فتوقف عن حلاقة ذقنه وشعره، ولم يعد يتناول سوي المياه والسجائر. ولم يكن ذلك سوي محاولة من محاولات الانتحار التي كان يسعي اليها بطرق مختلفة.
وكان من بين هذه المحاولات ما حدث مساء الخميس 15 مايو 2003، بعد ساعة تقريبا من اغلاق الزنزانة علي عزام، فقد عادت افكار الانتحار تراوده بشدة، بعد ان شعر انه خاوي النفس، يتملكه الياس حتي بات يجري في عروقه، واصبح لا يثق في احد، وامتنع عن الطعام، ولم يعد يتناول سوي الماء وتدخين السجائر. ويقول عزام: "ادركت انه لا امل في الافراج عني، فقد شبعت إلي درجة الملل من وعود المسئولين الإسرائيليين بقرب الافراج عني، كرهت الوعود التي عشت اتجرعها طوال ست سنوات ونصف، وكانت النتيجة ان شيئا لم يتغير".
وقبل ذلك باسبوعين طرد عزام كل افراد اسرته الذين جاءوا لزيارته، وكان من بينهم زوجته آمال، وابنه الصغير متعب الذي كان في الثامنة من عمره آنذاك. عندها اخذ عزام يصرخ حتي دوي صوته في حجرة نائب مدير السجن ايهاب فرج، الذي كانت الزيارة تتم في مكتبه. فقد عزام اعصابه تماماً ومر بحالة انهيار عصبي تام، فظل يصرخ في وجه اقاربه: "كفاااااية.. انا زهقت... زهقت من كل حاجة.. زهقت منكم كلكم.. سيبوني لوحدي.. امشوا من هنا.. امشوا... بررررررة.. مش عاوز اشوف حد منكم تاني... كلكم كذاااابين!".
منذ ذلك الحين سيطرت فكرة الانتحار علي عزام، حتي جاء ذلك اليوم الذي كان ملقي فيه علي مرتبته في الزنزانة، خائر القوي، فتذكر عشرات الاقراص من الدواء الذي كتبه له طبيب السجن لتسكين آلام المعدة التي اصابته قبل عدة اسابيع. فقد استمر صرف الدواء له رغم شفائه، وحرص عزام علي تخزين اقراص الدواء التي تصرف له، فكان يلفها في كيس نايلون، ويدسها في ركن من اركان ارضية الزنزانة المبنية من الحجر الجيري الذي اصابته الرطوبة تحت المرتبة. عندها نهض عزام وتأكد من ان ايا من السجانين لا يتلصص عليه، ثم مد يده إلي اسفل مرتبته، واخذ يتحسس موضع الكيس الذي يحتوي اقراص الدواء التي كان يخفيها، حتي عثر عليها واخرجها من مخبأها. ثم قام بفتح الكيس وملأ يده بحفنة من تلك الاقراص وبلعها جميعا مرة واحدة مستعينا بزجاجة مياه كانت إلي جواره في الزنزانة. ونام علي المرتبة من جديد منتظرا بدء مفعول هذه الاقراص.
مرت ربع ساعة ولم يحدث شيء، فتح عزام عينيه ونظر في جميع الزوايا الممكنة عبر فتحة باب زنزانته، واخرج كيس اقراص الدواء مرة ثانية واغترف حفنة اكبر من الاولي من الاقراص وبلعها دفعة واحدة ايضا.
لم تكد تمر عشرون دقيقة حتي بدأ عزام في الشعور بمفعول الاقراص التي ابتلعها. فقد انتشر احساس باعياء كبير في كافة انحاء جسده، وفشل في الحفاظ علي عينيه مفتوحة فاغمضهما، ووجد نفسه يعود بالذاكرة إلي طفولته، عندما كان عمره ست سنوات في قرية لمغار بالجليل التي تبعد عن القدس حوالي 160 كيلو متراً، كان عزام وقتها يلعب الاستغماية مع بعض الاطفال من اصدقائه في القرية، بعد الظهر، بالقرب من بيت اسرته. فقد لاحظ عزام وجود ثلاجة قديمة وصغيرة مهملة في فناء احد البيوت، وقرر الاختباء بداخلها، فحشر نفسه فيها واغلق خلفه الباب. وبعد مرور عدة دقائق، حاول الخروج من الثلاجة فاكتشف ان الباب قد اغلق وانه لا بد ان يفتحه احد من الخارج! مرت 10 دقائق علي الطفل عزام وهو محبوس داخل الثلاجة القديمة الضيقة، ولكنها مرت عليه كالدهر، ولم يكن بوسعه سوي الصراخ دون توقف، لعله يلفت انتباه احد إلي وجوده في الثلاجة، ولكن صرخاته ضاعت سدي. وكلما مر الوقت كان عزام يشعر بقواه وهي تخور، وبلغ منه الخوف اقصي درجاته حتي ضاقت انفاسه وانفجر في بكاء مرير.
وبعد 10 دقائق تم انقاذ عزام علي يد اخيه الكبير حمزة، بعد ان كان عزام علي وشك الموت، وكان يتنفس بالكاد. وظلت الاسرة بعدها تعيد تذكير عزام بهذا الموقف، قائلة له: "كان ليك رجل في الدنيا ورجل في الآخرة يا عزام!".
والان، في مكان مختلف، وزمان مختلف، تذكر عزام تلك المشاعر والالام التي كانت تراوده حين كان صغيرا داخل الثلاجة القديمة، ولكنه كان يعلم وهو داخل الزنزانة في سجن مصري، انه لن يكون بوسع احد انقاذه، فاغمض عينيه منتظرا قدوم الموت.
وظل عزام علي هذه الحالة لمدة ساعة، شاعرا بالاعياء الشديد، والعجز عن فتح عينيه. وفي النهاية فتح عينيه ليجد نفسه راقدا علي فراش في عيادة السجن، وكان احد السجانين قد انقذه، عندما جاء إلي زنزانة عزام ليدخل اليه طعام العشاء، ففتح السجان في البداية الفتحة المربعة الموجودة في باب الزنزانة لادخال الطعام، ونادي علي عزام كي يحضر الوعاء الذي يتسلم فيها الطعام. لكن عزام لم يرد، ولم يقترب من الباب، فعاد السجان لمناداته مجددا دون أي فائدة ايضا. وسارع السجان إلي قادته لابلاغهم بان عزام لا يرد علي نداءاته المتكررة. وخلال عدة دقائق تجمع ضباط، السجن عند بوابة الزنزانة، وعلي رأسهم نائب مدير السجن، الذي امر احد السجانين بفتح باب الزنزانة، وبسرعة ادرك الجميع ان عزام يحاول الانتحار، فسارعوا بنقله إلي عيادة السجن، حيث تم استدعاء طبيب من خارج السجن اجري له عملية غسيل معدة.
وعندما افاق عزام وادر ك ان محاولة انتحاره فشلت وانه ما زال علي قيد الحياة، انتابه شعور بالسعادة لم يجربه منذ زمن طويل، واعتبر فشل محاولة انتحاره دليلا علي صدور قرار علوي بان يظل علي قيد الحياة فانهمرت من عينيه دموع ممزوجة بالفرحة.
محاولة الاخوان
لم تكن تلك هي المرات الوحيدة التي يري فيها عزام الموت بعينيه داخل السجن، ففي يوم من ايام شهر اكتوبر عام 2000، حظي عزام بزيارة من جانب عدد من افراد اسرته. وتمت الزيارة في احدي الغرف الموجودة في المبني الاداري. وفي نهاية الزيارة ودع عزام اقاربه وحمل الاكياس التي اتوا بها من اجله، وسار باتجاه زنزانته، بينما كان يسير خلفه احد السجانين الذي ساعده في حمل بعض الاكياس. وفجأة، بعد ثوان قليلة من فتح السجان لباب الزنزانة، انقض علي عزام سجينان، ودفعاه إلي داخل الزنزانة واغلقا الباب بقفل من الداخل. كان الاثنان يرتديان ملابس السجناء، وكان كل منهما يحمل سكينا، ودب الرعب في كل انحاء جسم عزام الذي رأي الموت بعينيه. وانطلقت اصوات السجناء خارج الزنزانة معلنة الطوارئ لطلب المساعدة، محاولين فتح باب الزنزانة، دون ان يتمكنا من ذلك. وباءت كل محاولات عزام في الدفاع عن نفسه بالفشل. ويقول عزام في مذكراته ان هذين السجينين كانا من اعضاء جماعة الاخوان المسلمين، وانقضا عليه في غضب شديد، بينما كانا يسبانه ويلعنانه هو ودولة إسرائيل. وفي التحقيق الذي اجرته ادارة السجن مع السجينين بعد ذلك، اعترف السجينان - بحسب عزام - انهما كانا يريدان المشاركة في انتفاضة الاقصي الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وانهما ارادا قتل الجاسوس الإسرائيلي.
ويقول عزام انه في تلك اللحظات رأي الموت بعينيه، فقد ضرباه السجينان بلا رحمة، في كل انحاء جسمه، واخذ احدهما علبة المبيد الحشري التي كان يحتفظ بها عزام في زنزانته، وسكبا محتوياتها في ارضية وارجاء الزنزانة، واشعلوا فيها بالكبريت. وفي لحظة واحدة اشتعلت النيران في الزنزانة، وملأ الدخان كل اركانها. ولم ير عزام اي شيء وسط الدخان، وبدأ يشعر بالاختناق، حتي تلقي ضربة قوية علي رأسه افقدته الوعي. وعندما افاق من غيبوبته بعد عدة ثوان، وجد حوله عددا من ضباط السجن. فلحسن حظه نجح هؤلاء الضباط في اقتحام الزنزانة وانقاذه واطفاء النيران. بداية الاتصالات
كان شعور عزام بخيبة الامل والاحباط كبيرا، خاصة في ظل تطمينات المسئولين الإسرائيليين له بانه سيتم الافراج عنه، وقبل بدء المحاكمة قيل له انه سيتم الافراج عنه دون محاكمة، وعندما بدأت المحاكمة قيل له انه سيتم الافراج عنه في نهاية المحاكمة، وعندما انتهت المحاكمة بادانته والحكم عليه بالسجن 15 عاما مع الاشغال الشاقة، لم يتوقف الإسرائيليون عن اجراء كافة الاتصالات والضغوط، بكافة اشكالها وانواعها، علي مصر، لاجبارها علي الافراج عن الجاسوس عزام.
وينقل عزام عن شقيقه سامي قوله ان إسرائيل لجأت إلي الجميع كي يضغطوا علي مصر، بداية بكل رؤساء الولايات المتحدة الامريكية، وبابا الفاتيكان، ورجال الاعمال ايضا. ويشيد عزام برئيس الوزراء الإسرائيلي الاسبق اريل شارون، الذي يرقد اليوم بين الحياة والموت منذ عدة سنوات. ويروي في ذلك السياق انه في ظهر يوم 15 يونيو 2003، ذهب عضو الكنيست الإسرائيلي الدرزي ايوب قرة إلي مكتب شارون، وروي له كيف ان عددا من اعضاء تنظيم حركة فتح اتصلوا به هاتفيا بالامس، ومن بينهم زعيم التنظيم السابق مقبل البرغوثي. وقال ايوب ان المسئولين الفلسطينيين طلبوا منه التوسط لابرام صفقة تبادل اسري، يتم خلالها الافراج عن قائد فتح مروان البرغوثي من السجون الإسرائيلية، مقابل الافراج عن الجاسوس عزام عزام من السجون المصرية، وقال قرة لشارون محاولا اقناعه: "لقد اوضحوا لي انهم تحدثوا في الموضوع مع عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية، وانه وافق علي التوسط". واعتبر ايوب قرة ان الفكرة جديرة بالفحص، فقد كان يعلم حقيقة الجهود والمساعي الكبيرة التي كانت اسرة مروان البرغوثي تبذلها من اجل الافراج عنه، وكان يعتبر ذلك العرض فرصة ممتازة للافراج عن عزام.
ويضيف عزام ان شارون لم ينفعل كثيرا لسماع العرض الفلسطيني، ولا حتي علمه بموافقة عمر سليمان، الذي يقول عزام انه كان يحظي بتقدير شديد في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بسبب مساعيه ومحاولاته للتوسط بين السلطة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية للتوصل إلي هدنة، ويقصد اقناع الفصائل بالتوقف عن اطلاق الصواريخ علي المستوطنات الإسرائيلية، فقد شكك شارون في موافقة عمر سليمان علي الصفقة المقترحة، وادرك انه اذا ابدي سليمان استعداده للوساطة في صفقة لتبادل الاسري، فانه سيبذل قصاري جهده لنجاحها. وقرر شارون ان ينقل الامر إلي الرئيس حسني مبارك، بصفته صاحب الكلمة الاولي والاخيرة في ملف عزام.
ومنذ تم القاء القبض علي عزام، حاولت كل حكومات إسرائيل اقناع الرئيس مبارك بالافراج عنه، بداية من بنيامين نتنياهو، وايهود باراك، وحتي اريل شارون، ولكن دون جدوي، لان الرئيس كان يرد علي كل هذه المحاولات بالتأكيد علي ان القضية امام القضاء المصري المستقل ولا يمكن لاحد ان يتدخل فيها. ويقول عزام متهكما في وقاحة: "فشلت كل محاولات شارون التي استعان فيها بالمبعوثين الإسرائيليين والاجانب لتغيير موقف ابو الهول المصري".
ويشيد عزام بعقلية شارون التي يصفها بحكمة الفلاحين، التي جعلته يدرك العقلية التجارية المسيطرة علي العالم العربي، عقلية "هات وخذ"، وانتظر حتي يكون لديه ما يبيعه للرئيس مبارك. وقال شارون حينها لاسرة عزام انه لا ينبغي ان يتم بحث مثل هذه الامور علانية، وانما يجب معالجتها خلف الستار، وطالبهم بكثير من الصبر.
وانتظر شارون حتي لاحت الفرصة خلال محادثات له مع الوزير عمر سليمان، الذي ذهب إلي شارون طالبا الافراج عن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، الذي كان شارون يحاصره في مقره بالمقاطعة في رام الله، وقال سليمان لشارون: "سوف يكون ذلك لفتة طيبة منك تجاه الرئيس مبارك". فرسم شارون ابتسامة صغيرة علي جانب فمه وقال: "يمكنك ان تبلغ الرئيس مبارك انه سيسعدني السماح لعرفات بالخروج من المقاطعة، في نفس اللحظة التي سيسمح فيها لعزام بالخروج من السجن في القاهرة.. ها؟ ما رأيك؟ هل توافق علي الصفقة؟".
مرت ايام بعد ذلك والتقي شارون مع عمر سليمان عدة مرات، دون ان يحمل اي رد من الرئيس مبارك.
بعد ذلك لاحت فرصة كبيرة اخري امام شارون اثناء المفاوضات التي جرت بين مصر وإسرائيل حول صفقة الغاز، فقد طلبت شركة الكهرباء الإسرائيلية من شركة "اي ام جي" EMG ، التي تشارك فيها كل من شركة ميرحاف التي يملكها رجل الاعمال الإسرائيلي يوسي ميمان، والحكومة المصرية وشركة قطاع خاص مصرية، ولم يخف مسئولو شركة
EMG طموحهم وسعيهم إلي ابرام الصفقة، التي
كانت ستؤدي إلي ضخ عدة ملايين من الدولارات في الخزانة المصرية كل عام، ويقول عزام ان رجل الاعمال الإسرائيلي يوسي ميمان قام باستغلال كل علاقاته المتشعبة في القيادة السياسية والاقتصادية في إسرائيل، كما نجح في اقناع وزير البنية التحتية الإسرائيلي يوسف باريتسكي كي يختار EMG وليس شركة "بريتيش جاز" وهي الشركة البريطانية التي كانت تنافس المصرية الإسرائيلية.
وقال مسئولون بمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي انذاك ان شارون كان يفضل الشركة المصرية علي الشركة البريطانية، لان الشركة البريطانية كانت تقترح نقل الغاز من امام شواطئ غزة الفلسطينية إلي إسرائيل، بما يحمله ذلك من مخاطرة امنية، فضلا عن ايمان شارون بان ابرام الصفقة مع مصر سوف يساهم في توطيد علاقاتها بإسرائيل.
وما زال مسئولو شركة الكهرباء الإسرائيلية يتحدثون عن ان الاتفاق مع شركة EMG كان مكتملا وبانتظار موافقة الحكومة الإسرائيلية للاعلان عن ابرام صفقة الغاز بشكل رسمي، وكان وزير البنية التحتية الإسرائيلي متحمسا للصفقة بشدة، لكن ايا من مسئولي الحكومة الإسرائيلية استطاع ان يبرر تأخير التصديق علي الصفقة، ويقول احدهم: "في مرحلة متأخرة جدا تبين لنا ان شارون يحاول جني كل المكاسب الممكنة من مصر مقابل التوقيع علي صفقة الغاز". وكان من بين هذه المكاسب التي يسعي اليها شارون هو الافراج عن الجاسوس عزام، وتوجه مسئولون إسرائيليون إلي قصر الرئاسة المصري في محاولة لاقناع حسني مبارك بالموافقة علي الصفقة، الافراج عن عزام مقابل شراء إسرائيل للغاز من مصر!، ولكن مبارك بدا كما لو انه لم يسمع شيئا!
محمد البحيري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.