· كيف تعامل المواطن البسيط في الأحياء الشعبية مع هذه التكنولوجيا التي فرضت نفسها عليه بقوة، وما مدي تأثيرها الإيجابي أو السلبي في تطوير حياته؟ المخرج خالد يوسف - أردنا أو لم نرد - هو أحد ملامح وسمات السينما المصرية في الألفية الجديدة، بكل ما تحمله من صخب وتعلثم وادعاء وثرثرة وجدل، وهو غزير الانتاج، ودعايته لأفلامه أهم من الافلام نفسها. بدأ خالد يوسف مع بداية الألفية الجديدة بفيلم «العاصفة» عام 2001، وقدم علي مدي 10سنوات 5،9 فيلم «كان النصف فيلم بالمشاركة مع يوسف شاهين في «هي فوضي».. وتنوعت أفلامه بين ما يقترب من الواقعية والرومانسية والبوليسية والفانتازيا والكوميديا من حيث الشكل والمعالجة، ولكنها احتفظت بأسلوبه الخاص الذي يميل نحو المباشرة والاستفزاز.. وبشكل عام ليس هناك عيب سواء في تنوع أعماله أو في اسلوب تعامله مع الكاميرا، لكن تبقي المشكلة الأهم وهي «الرؤية»، أو ماهي المسألة - ولا أريد أن أقول الرسالة أو القضية أو الهاجس - التي تشغله كمخرج، وتجعله يصنع أفلاما.. ففي هذه النقطة الأخيرة تكمن أزمة هذا المخرج. في أحدث الأفلام خالد يوسف «كلمني .. شكرا» نحن أمام فيلم كوميدي، وتقوم الكوميديا علي صناعة المواقف التي تولد الإفيهات.. وتوحي الخطوط العريضة للفيلم بأنها تطرح ظواهر اجتماعية تسربت إلي حياتنا بسبب التطور العالمي المذهل للتكنولوجيا، والتي أصبحت جزءا من حياتنا اليومية، متمثلة في الموبايل الذي أصبح في يد الجميع، وحتي وسائل الإعلام المرئية التي أصبحت بدورها جزءا آخر له تأثيره وسيطرته، وجعل العالم قرية صغيرة، حيث نقل ومتابعة كل شئ بداية من القضايا السياسية والاجتماعية في مصر مثل جريمة قنا وسيول سيناء، وحتي ما يحدث في العراق وغزة وزلزال هايتي .. كل شئ!.. ويتوقف الفيلم بشكل خاص أمام «مباريات الكرة» بوصفها من المتع الرخيصة والمثيرة والمتاحة بعد أن خضعت لمفاهيم الاستثمار والتشفير.. وبالفيلم يتعامل بطلنا «إبراهيم توشكي» مع هذا المستجد، الذي أصبح غير متاح للفقراء سواء لارتفاع أسعار المكالمات علي الموبايل أو عدم القدرة المالية للاشتراك في القنوات المشفرة. ربما ترجع أهمية القضية وتقديمها في معالجة سينمائية إلي أمرين، الأول كيف تعامل المواطن البسيط في الاحياء الشعبية مع هذه التكنولوجيا التي فرضت نفسها عليه بقوة، وما مدي تأثيرها الايجابي أو السلبي في تطوير حياته، والأمر الثاني كيف تحايل علي استخدامها رغم عجزه المادي عن التعامل معها.. هنا تظهر الفهلوة أو يظهر «إبراهيم توشكي» الذي يسرق الخطوط ويجعلها في متناول الجميع بقروش قليلة، ثم يفعل نفس الشئ مع القنوات المشفرة عن طريق شراء عدة أجهزة وتقديمها للجميع بمبالغ زهيدة عن طريق «الوصلات»، وهذه الاشياء حدثت فعلا في مصر ودول أخري.. ولكن الفيلم اكتفي فقط برصدها دون أن يقترب من تأثيرها علي الاحياء الشعبية، بل وتعامل معها ببعض الفانتازيا التي تصل إلي درجة الخفة مثل ادعاء «توشكي» بأن أسعار المكالمات رخيصة لانه صديق «ساويرس»، أو أن فك الشفرات لعرض مباراة كرة للمنتخب القومي نوع من الوطنية.. رغم أننا أمام قضية في غاية الخطورة، فقد اعتاد المواطن المصري علي كثير من الخدمات المجانية في ظل اعلان مصر أنها دولة اشتراكية، ولكن بعد تحول النظام نحو الرأسمالية والخصخصة تغيرت أشياء كثيرة، ولكن ذلك لم يصل للمواطن العادي، ولعل تعذر الحكومات المصرية المتتابعة وتراجعها عن كثير من مشروعات الخصخصة يرجع لعدم وضوحها وفشلها في نقل فلسفة وثقافة تحولها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمواطن العادي. إذن فالفيلم يقترب من مناطق مهمة ولكن دون أن ينتبه أنه يفعل!.. والأكثر من ذلك أنه عرج - بالمرة - نحو الانترنت ، وكيف أصبح «الشات» يستخدم في الدعارة أو الابتزاز وهكذا!.. ونعود للفيلم فنجد «توشكي» الذي يتوهم أنه سوف يصبح نجما سينمائيا فيتحول إلي كومبارس وأحد المصفقين في البرامج الحوارية، أو توظفه برامج أخري لتمثيل ظواهر اجتماعية سلبية وضد سمعة مصر مثل الادعاء بالضرب في أقسام الشرطة أو عرس شعبي يحتفي فيه بعذرية الفتاة العروس، أو تقديم شاب علي أنه تم الاعتداء الجنسي عليه وهو طفل وهكذا!.. خالد يوسف هنا يدين هذه البرامج الملفقة دون أن ينتبه أنه فعل شيئا مشابها في «حين ميسرة» و«دكان شحاتة» ، ويتعامل مع كل مواقف الفيلم علي أنها مادة تمهيدية لإفيهات نجمه الجديد «عمرو عبد الجليل».. ويدافع عن بطله في تقديم هذه البرامج بأنه كان «مخدوعا»!! قد أوهمنا خالد يوسف أنه يقدم شيئا، فكانت المحصلة سخيفة وفقيرة وقليلة الضحك والأدب.. واعتقد أن الأمر كله، أو فكرة الفيلم كله تولدت مما حدث مع محمد سعد من قبل الذي قدم شخصية غريبة الاطوار في فيلم «الناظر» اسمها اللمبي، اضحكت الناس فقرر أن يجعلها أفلاما بعد ذلك.. ونفس الأمر عندما قدم عمرو عبد الجيل شخصية «حين ميسرة» ، فتم استدعاؤها وإعادة تقديمها في «كلمني شكرا».. المسألة كلها هزار في هزار وليست سينما، وتكشف أن خالد يوسف لا يعنيه سوي إثارة الجدل والثرثرة في أفلام تحمل شعارات لا معالجات فكرية وفنية، وأن استخدامه لجسد المرأة ولا أقول مشاكل الجنس أو العاري أصبح مبتذلا للغاية.. وبعد ، إذا أراد خالد يوسف أن يقول لأي أحد «كلمني شكرا»، فالرد الوحيد الذي يستحقه بعد هذا الفيلم «نأسف لقد نفد رصيدكم»!.