العبثية الأولي هي مهزلة هدم العلاقات التاريخية بين الدول و الشعوب العربيةو بين بلدين عربيين كبيرين هما مصر و الجزائر · العبثية الثانية هي تراخينا البالغ في مواجهة أهم خطر يواجه الأمة وهو السطو علي حصتنا في مياه النيل · العبثية الثالثة هي التجاهل التام لتصاعد ما تنفذه إسرائيل في الفترة الأخيرة من خطوات لتهويد القدس و هدم الأقصي قد نسلم جميعا يحدونا الأسف و يغمرنا الأسي بما لحق بسياستنا الداخلية - ان جاز ان نسميها سياسة - من سلبيات مذهلة تكاد تلتهم كل مقومات الدولة الحديثة في القرن ال21 بغياب سيادة القانون و انتهاك حرية و حقوق الانسان و تزوير ارادته و اهدار امواله و تحالف السلطة مع رجال الأعمال و اغماض العين عن انتشار الفساد و كذب الوزراء المنهجي الدائم بلا خجل كوسيلة لتغطية الفشل و القصور في أهم الخدمات الحيوية التي يتطلبها المواطن العربي كماء الشرب و سلامة الصرف الصحي و رغيف العيش و التعليم و الصحة و التأمين الاجتماعي و غيرها . و في هذا التدهور الداخلي الحاد قام في مصر حراك نشط و فاعل و معبر من مختلف الأوساط الشعبية تقوده و تستهدي به النخب رغم أوجاعها و قصورها ، و هناك شواهد علي انتشاره علي استحياء في بلدان عربية أخري ورغم كل سلبياتنا الداخلية ، ربما لم يصل تصور أي مراقب أن يصل بنا الحال الي اللهو بمصالحنا الحيوية و تبني أولويات عبثية في سياستنا الخارجية ، و صياغة علاقاتنا الخارجية علي أسس طفولية تطغي علي الأسس المعمول بها في العالم كله في إدارة السياسة الخارجية ، و أهمها استهداف حماية مصالح الشعب الحيوية و عدم المساس بمقوماته و ثقافته و هويته ، و تحطيم روابطه الاقليمية و الثقافية . و قد تبدي هذا العبث تباعا خلال الأسابيع الأخيرة في صورة واضحة و بائسة و محزنة في عدد من المسائل و القضايا نوجز الاشارة إلي البعض منها . العبثية الأولي هي مهزلة هدم العلاقات التاريخية القوية و الهامة بين الدول و الشعوب العربية بعامة و بين بلدين عربيين كبيرين هما مصر و الجزائر بخاصة ، من أجل لعبة كرة يلعبها 22 شابا يافعا ينقصهم الخبرة الحياتية و القومية و السياسية و لا يهتمون بشيء خارج لعبتهم في دنياهم و اسلوب حياتهم دون أي اعتبار آخر مهما بلغت أهميته . و في ذلك شهدنا العجب العجاب مما لا يصدقه عقل و لا يسانده منطق . فقد قام اعلام رياضي يتولاه لاعبون سابقون لكرة القدم لا يرون في الدنيا شيئا و لا يهتمون بأمر من أمور الحياة خارج لعبة كرة القدم ، قام هؤلاء الإعلاميون البسطاء بعملية شحن قوية و فاعلة و متواصلة في الأسابيع التي سبقت اللقاء الكروي بين مصر و الجزائر للتأهل لدخول مباريات كأس العالم لهذه اللعبة . و لأن هذه اللعبة استقطبت ملايين المواطنين في البلدين الذين حرموا من حقهم في الانتماء لأحزاب و جماعات سياسية يتصارعون من خلالها حول المباديء و المناهج التي تفيد الشعب فلربما أغمض المسئولون في البلدين العين عن هذا الشحن الإجرامي لجماهير ساذجة حتي تستقطبها دوائر الحكم و تجميعها حولها و تتسلق جموعها في مظهر يأخذ طابع الوطنية و الولاء للبلد و للحاكم وهو ما تفتقده الأنظمة في عالمنا العربي و في هذا الاتجاه لم تكلف الجهات الرياضية و السياسية المسئولة نفسها بحث ما بح صوت الكتاب و النخب في المطالبة بوقف هذا التدهور و قد شارك العبد الضعيف في ذلك بمقال صريح نشر بجريدة يومية مستقلة يوم 10 نوفمبر 2009 و في حديث تليفزيوني قبل مبارة ام درمان بيومين ، و كان حديثي من واقع خبرتي في عبور أزمة مماثلة بين البلدين اثر مباراة 1989 و نتيجة لهذا الشحن لأفراد بسطاء كان لا بد أن تقع بينهما مشاحنات و ملاسنات سرعان ما تم تصعيدها من مشاحنات أولاد سذج في إطار لعبة رياضية إلي تلاسن و أزمات بين الأوساط الصحفية و السياسية و الرسمية في البلدين في رعونة شديدة و مدمرة لا يقبلها عقل و لا تحقق أي مصالح للمواطن البسيط في مأكله و مشربه و بطالته و فقره و تعليمه وعلاجه . و لا مناص هنا من التساؤل عن أسباب هذه الأهمية المرعبة التي تحتلها اللعبة الرياضية ابتعادا عن أهم شروط و أهداف الرياضة و هي ترسيخ الروح الرياضية التي تتقبل النصر و الهزيمة بمشاعر تنحصر في مجال التنافس الرياضي دون ان تتعدي ذلك الي صدامات عنيفة و دموية ، و يكفينا الإشارة إلي حدث مماثل في اطار السباق علي التأهل لكأس العالم بين ايرلندا وفرنسا الذي تغلبت فيه فرنسا بهدف مشكوك فيه و لم يؤد ذلك إلي صدام و كره بين الشعبين أو الحكومتين . و العبثية الثانية: هي تراخينا البالغ في مواجهة أهم خطر يواجه الأمة وهو السطو علي حصتنا في مياه النيل الذي روي مصر آلاف السنين إلي درجة قال معها هيرودوت أن مصر هبة النيل ، و في شهر نوفمبر و في تاريخ معاصر لملهاة كرة القدم افتتحت اثيوبيا جهارا نهارا سد تيكيزي tk5 دون الرجوع الي مصر او اخطارها في عمل اعتبره الخبراء سابقة خطيرة ستؤثر سلبا علي حصة مصر ، بعد المهانة التي واجهتها مصر في مؤتمر الإسكندرية الأخير بين دول حوض النيل . بل وصل الأمر بإحدي الدول الإفريقية إلي تولي الزعامة بدعوة مصر للمساهمة في اجتماع تنظمه لبحث مصير حصة مصر , و ازاء هذا الخطر الداهم واجهته حكومتنا الرشيدة بتراخ ملحوظ و تناولته بحلول بيروقراطية متصورة أن زيارة رئيس وزراء مصر أو رئيسها كفيلة بتأديب الدول الافريقية المارقة ، وتناست أن علاج هذا التجاوز انما يتم بمدخل مزدوج يضم التفاوض و المنافع المشتركة إلي جانب اظهار الأنياب والإلماح إلي الردع باستخدام القوة كما فعل الخديو اسماعيل وعبد الناصر و السادات . العبثية الثالثة هي التجاهل التام لتصاعد ما تنفذه اسرائيل في الفترة الأخيرة من خطوات بذيئة و متواصلة لتهويد القدس و هدم المسجد الأقصي ، فلم يصدر تصريح قوي واحد و لم نصل بالأمور لمرحلة الأزمة نتيجة بناء مستوطنات جديدة بالقدس في الوقت الذي استهجن العالم كله بناء المستوطنات ، و سكتت مصر عندما أخرج نيتانياهو القدس بعد عودة اللاجئين من قضايا الحل النهائي، ناهيك عن عبثية حصار غزة لحساب اسرائيل ، و العجيب أنه في هذه الأجواء يترخص نيتانياهو و بيريز في زيارة القاهرة ومقابلة الرئيس . العبثية الرابعة : هي تلك الحركة الطليقة غير المقيدة بدستور ولا قانون و التي تتأبي عن الرقابة التشريعية و القضائية في إهدار ثروة مصر من الغاز افتئاتا علي حقوق جيل المستقبل و من يعيش علي أرض مصر حتي سنة 2020 . و مبعث العجب هنا هو أن وزارة البترول تطيح يمينا و يسارا بأي محاولة للحد من هذا الإهدار وتزعم أن الغاز ممتلكات خاصة للدولة و ليس للشعب و لا للبرلمان أي حق في مراقبتها أو الغاء تصرفاتها ، و مع استمرار نظر الدعوي أمام القضاء يترخص وزير البترول لعقد صفقات جديدة للصديقة و الحبيبة إسرائيل بأسعار فكاهية تنفيذا لتوصيات الحبيبة و الصديقة هيلاري كلينتون ، و كأن وزارة البترول تخرج لسانها استهانة و استهزاء بالدعوي المرفوعة أمام القضاء و تكرس السمسرة و التربح بلا مجهود من بيع هذه الصفقات علي حساب قوت الشعب و معاناته، و يكفي أن نشير إلي أن النقص الشديد في انابيب البوتاجاز في ايام العيد والتي بلغ ثمنها 15 جنيها أي خمسة أضعاف ثمنها ، و إلي شكوي محطات الكهرباء والمصانع من عدم تزويدها بالغاز الرخيص و الصديق للبيئة مما يضطرها لاستيراد المازوت بعشرة أضعاف سعر الغاز ، و كل ذلك يقتطع من لحم المواطن الغلبان. هل تريدون عبثيات أخري ؟ ما زال هناك الكثير