ربما يكون محمد لطفي منصور هو أول الوزراء «المحترمين» الذي تحلي بالشجاعة الكافية لأن يتقدم باستقالته في سابقة هي الأولي في عصر الرئيس مبارك ستسجل باسم «منصور» فهذا الرجل لم ينتظر أن يتم تقديمه «كبش فداء» وأن تنهال عليه سكاكين «الاذكياء» من أركان النظام لتسجل نقاطا لصالحها علها تحسن من صورتها السوداء في أذهان الناس. ولم ينتظر كذلك تلك المكالمة التي سيتلقاها تأمره.. تنصحه بأن يتقدم باستقالته، وهي في الحقيقة «إقالة». تحلي الرجل بالشجاعة وقرر أن يتبع قاعدة «بيدي لا بيد عمرو» وما أكثر «عمرو» هذا في نظام الرئيس مبارك. غير أن الحزب الوطني الحاكم دفع نوابه في مجلس الشعب ليصبوا جام غضبهم علي الرجل ويتهمونه بالتقصير والإهمال الجسيم، بدرجة فاجأت نواب المعارضة أنفسهم وأدهشتهم لكنها لم تخدعهم، فهم علي يقين من أن هؤلاء النواب يؤدون «أدوارهم» المرسومة بدقة وبراعة. تخيل جهابذة الحزب الحاكم أن «نصب» محاكمة لمنصور عقب كارثة القطار الأخيرة سوف يمتص غضب المواطنين ويطفئ نيران مشتعلة في صدورهم، وفي نفس الوقت يقدم الحزب نفسه وكأنه الحريص علي حياة المواطنين ومصالحهم، والذي لن يتهاون أبدا مع أي مقصر في حقهم. بدليل أن الهجوم جاء من نيران صديقة في حزب الحكومة وليست من نواب الاخوان والمعارضة والمستقلين. حبوب الشجاعة استمدها نواب «الوطني» من زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية بعد أن طالب باستقالة محمد منصور وزير النقل حيث كرر النواب نفس المطلب من بعده وبدأ من كواليس العاصفة نهاية منصور الذي أكد تمسكه بمنصبه. فتح عزمي مكتب سرور الغائب في هذا اليوم عن المجلس للراحة بعد عودته من جنيف، جلس عزمي علي المكتب واتصل بجهات مختلفة وأثناء انعقاد الجلسة استأذن حمدي الطحان من رئاسة الجلسة بعد تلقيه طلبا بالرد علي تليفون الريس ولم يعلم أحد إن كان المقصود بالريس هو مبارك أم فتحي سرور، عاد الطحان من جديد وحاول تهدئة حرارة المواجهات مع منصور بمنح الكلمة لنواب الحزب الوطني كي يخففوا من وطأة نيران نواب المعارضة وعلي رأسهم علاء عبد المنعم الذي اتهم منصور بعدم المسئولية وطالب شهاب بحذف «عدم المسئولية» من المضبطة، إضافة إلي محمد مجاهد وحسين شوره. نواب الوطني لم ينفذوا المأمورية، حيث هاجم نائبا العياط «دائرة الحادث» تأخر الأوناش في رفع القطارين لمدة 5 ساعات رغم قدوم ونش من مدينة الواسطي علي بعد 20 كيلو مترا فقط من الحادث وآخر من رمسيس وهو ما دعا إلي معاودة الهجوم علي «كبش الفداء من جديد. علي جانب آخر فوجئ حسن يونس وزير النقل مؤقتا بمكالمة من زكريا عزمي يخبره فيها باقالة محمود سامي رئيس هيئة السكة الحديد بأمر مباشر من الرئيس مبارك الذي استفزته التصريحات التي أدلي بها محمود سامي عقب الحادث واستقالة محمد منصور. بعد المكالمة لجأ يونس إلي جهات سيادية من أجل ترشيح رئيس جديد للهيئة فتلقي اتصالا منها باختيار مصطفي قناوي نائب رئيس الهيئة للهيئة الأساسية رغم أنه المسئول عن كفاءة نظام الاشارة التي لم تعمل في الحادث وقام مدير مكتب يونس بابلاغ قناوي بأن الوزير يريد مقابلته في السادسة والنصف مساء وبعدها بأقل من 15 دقيقة تم تكليفه برئاسة الهيئة.