وجدت فى مكتبتى مجموعة ألبومات صور فوتوغرافية وشرائط فيديو لشخصيات عربية من عظماء العصر كانوا ضيوفى فى برنامجى «النادى الدولي» الذى استمر عرضه أسبوعيا لمدة 9 سنوات كاملة والذى مازال البعض يعتبره أول برنامج «توك شو» له شعبية وجماهيرية كبيرة فى مصر والوطن العربى ومن انجح البرامج التى قدمها التليفزيون المصرى منذ بدايته! وفى ألبوم منها وجدت صورة استوقفتنى طويلاً.. صورة لى مع رجل يرتدى عمامة سوداء فوق ملابسه السوداء وهو يجلس بجوارى يسجل حديثه معى فى شرفة فندق فلسطين المطل على البحر بالإسكندرية وعلى ظهر الصورة تاريخ 22/8/1978 يوم تسجيل الإمام موسى الصدر!! وتذكرت ذلك اليوم.. فقد كنت بالإسكندرية لتسجيل حلقات مع الفرق الموسيقية الشبابية المشهورة فى ذلك الوقت.. منها فرقة Black Coats التى كونها وقادها إسماعيل توفيق الحكيم نجل كابتنا الكبير والذى توفى وهو فى عز شبابه وقبل رحيل والده بسنوات وكانت صدمة قاسية اعتقد أنه لم يستطع التعايش معها! وكانت هناك فرقة شبابية أخرى Les Petits Chats والتى يقودها الفنان وجدى فرنسيس وكانت هذه الفرقة تقدم حفلات ماتينيه بعد الظهر فى حديقة قصر المنتزه الملكى قبل أن تحيطه رئاسة الجمهورية بسور من حديد لمنع دخول عامة الشعب من دخول متحف القصر (فى عهد الرئيس السابق طبعاً)! وبعد انتهائى من التسجيلات كنت فى الفندق التقى طاقم الفنيين بعد تجميع الأجهزة والكاميرات استعداداً للرحيل إلى القاهرة.. وفجأة وجدت أمامى الصحفى اللبنانى الكبير محمد بديع سربيه صاحب مجلة الموعد وصديق كل الفنانين وكان رحمه الله من أشد المعجبين ببرنامج «النادى الدولى» وكان دائماً يقدم لى كبار الشخصيات اللبنانية التى كانت تعيش فى القاهرة منذ بداية الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 ومنهم الرئيس صائب سلام والرئيس تقى الدين الصلح والكاتب الكبير سعيد فريحه الذى كان ينشر قصص الاستاذ مصطفى أمين أثناء فترة سجنه مثل «مدام أكس» و«صاحب الجلالة الحب» وتحت اسم القصة كان يكتب بقلم الكاتب المصرى الكبير دون ذكر اسم مصطفى أمين!! قال لى الأستاذ بديع سربيه: ابن حلال.. انت محظوظ جداً.. فيه فى الفندق هنا شخصية مهمة جداً.. ياريت تلحق تسجل معاه وتعمل خبطة جديدة من خبطاتك! سألته: مين الشخصية دى؟ الكاميرا معايا هنا! قال: عال.. ده الإمام موسى الصدر.. جهز الكاميرا فى الشرفة على البحر.. ونص ساعة حايكون قدامك وحاكتبلك كل المعلومات عنه! وفى أقل من نص ساعة كانت الكاميرا جاهزة للتسجيل وحضر الأستاذ بديع ومعه الضيف الكبير وقدمه لى «الإمام موسى الصدر.. من مواليد 1928 من مدينة «قم» بإيران وفيها درس العلوم الدينية بعد حصوله على شهادات كثيرة فى علم الشريعة وهو واعظ دينى ويدعو دائما إلى نبذ العنصرية!!». وجلس ضيفى أمامى لمدة ساعة.. شخصية فى غاية البساطة والتواضع.. دائم الابتسام سعيد جدا بزيارته لمصر.. وتحدثنا فى كل شىء.. الحرب الأهلية فى لبنان.. الإرهاب.. العنصرية فى العالم.. عشقه للشعر العربى القديم وغناء عبدالوهاب وقصائد أم كلثوم الدينية.. وفى نهاية الحديث صافحنى الإمام وهو يقول: - «اتمنى أن أراك مرة أخرى بعد عودتى من ليبيا.. فأنا مدعو هناك.. ثم سأسافر إلى إيطاليا ومنها لبيروت ثم أعود مرة أخرى للقاهرة!». وأخذنا صورة تذكارية وتم إذاعة الحلقة فى 25/8/1978 نفس يوم سفر الإمام إلى ليبيا!! وبعدها بعدة أيام كلمنى الأستاذ بديع وطلب نسخة من التسجيل واحضرتها له ووجدته حزينًا ومهمومًا. قال: الإمام موسى الصدر سافر ليبيا ثم اختفى.. الحكومة الليبية تقول إنه غادر البلاد إلى إيطاليا على طائرة Alitalia هو ومرافقوه ال18!! والحكومة الإيطالية نفت وصول أى ركاب من ليبيا فى تلك الفترة.. إذن.. ما الذى حدث؟ أين ذهب الإمام؟ وهو ليس وحده.. ده معاه 18 شخصًا؟ لغز كبير بلا حل إلى الآن.. تماماً مثل لغز رحيل سعاد حسنى وأشرف مروان..! والحكومة اللبنانية اتهمت القذافى أنه وراء اللغز.. طب ليه؟ ونظرت طويلاً إلى الصورة وقلت لروحي: السر لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى وأنا بالنسبة لى.. كفاية إنى شاهدت وتحدثت مع الرجل قبل رحيله بأيام.. إنها شخصيات التقيت بها جعلتنى أشعر أننى عشت زمنًا جميلاً ثريًا بشخصياته فى كل شىء.. فى السياسة.. فى الدين.. فى العلوم.. فى الفن.. فى الأدب.. شخصيات باقية فى ذكرياتى ولن أنساها أبداً!! نشر بتاريخ 21/1/2013 العدد 632