كنا نحتفل بعيد ميلاد عميد المسرح العربى فنان الشعب الأستاذ يوسف وهبى فى منزله بالهرم مع قلة ضئيلة من الأصدقاء والتلاميذ الأوفياء.. وعند إطفاء شموع تورتة عيد الميلاد نظر إلينا وابتسم ثم قال: على فكرة أنا بعتبر عيد ميلادى الحقيقى يوم انشاء مسرح رمسيس فى 10 مارس سنة 1923. ولم انس أبداً تلك العبارة الخالدة التى قالها هرم التمثيل الكبير ودائماً أتذكرها كلما تذكرت الليلة التاريخية التى كان لها أكبر أثر فى تغيير حياتى والتى اعتبرها أيضا هى ليلة ميلادى الحقيقى!! فى منتصف الستينيات كنت طالبًا فى كلية الآداب - قسم اللغة الإنجليزية - جامعة الإسكندرية.. وكنت أنزل أسبوعياًً بالديزل المجرى إلى القاهرة لأسجل برنامجى الإذاعى اليومى فى إذاعة الشرق الأوسط (باقة من الموسيقى والأغنيات الأجنبية) إلى جانب اشتراكى فى برنامج «ركن الطفل» مع النجمة لبنى عبدالعزيز والذى بدأته معها منذ كنت صغيراً فى كلية فيكتوريا بعد أن قدمنى لها جارى العندليب عبدالحليم حافظ!! وفى أحد الأيام وأثناء تسجيل برنامج «ركن الطفل» حضرت إلى الأستوديو نجمة التليفزيون اللامعة ليلى رستم (زميلة لبنى فى الجامعة الأمريكية) وطلبت من لبى ترشيح من يجيد اللغة الإنجليزية للمشاركة كمرافقين للضيوف الاجانب الذين سيشاركون فى مهرجان التليفزيون الدولى الذى سيقام بالإسكندرية فى الأسبوع الأول من شهر سبتمبر.. ورشحتنى لبنى على الفور وجلست أمام ليلى رستم تمتحن قدرتى على التحدث باللغة الإنجليزية والفرنسية وبعد قليل ابتسمت وقالت لى «مبروك».. ستكون معنا فى المهرجان لمرافقة الضيوف الأجانب والإقامة ستكون فى فندق سان ستفانو العريق!! وفى يوم الافتتاح الكبير ذهبت الى مسرح محمد عبدالوهاب حسب الاتفاق وقابلت ليلى رستم التى اخبرتنى بأننى سأكون المرافق الخاص للنجم الكبير Roger Moore بطل حلقات «الرجل الخفى» وذلك قبل قيامه بدور جيمس بوند فى السينما فى عدة أفلام!! وجلست فى كواليس المسرح أتابع لباقة ليلى رستم وهى تقوم بتقديم النجوم الأجانب على المسرح وتحاورهم بأستاذية بارعة.. وأسدل الستار بعد نزول الضيوف من على المسرح وانصرفت ليلى رستم، وفجأة وجدت مجموعة عرفت فيما بعد أنهم من قيادات التليفزيون يبحثون عنها وهم فى حالة من التوتر وفهمت منهم ومن كلامهم أن نجوم مصر الحاضرين فى الصالة فى حالة شديدة من الغضب لأن ليلى رستم لم تقم بتحيتهم ولم تقدمهم على المسرح كما فعلت مع النجوم الأجانب!! طيب كيف يمكن تقديم نجوم مصر على المسرح وليلى قد اختفت؟ وسلوى حجازى فى ركن ما من الصالة تقوم بربط الأحداث وتجرى حوارات مع الجمهور على الهواء؟! وفجأة رأتنى جالسًا فى الكواليس الإعلامية الكبيرة تماضر توفيق والتى كانت تعرفنى خلال عملى تحت رئاستها فى البرنامج الأوروبى.. واقتربت منى وقالت لى: - أسمع يا سمير.. سوف نعطيك ورقة بها أسماء نجوم مصر الموجودين فى الصالة وهم أيضاً ضيوف المهرجان.. عليك دعوتهم للصعود على المسرح.. ثم تشكرهم على الحضور وحايرجعوا أماكنهم وتنزل الستارة.. بسيطة مش كده؟ وخلى بالك.. كل ده على الهواء.. ياللا يا سمير أنا عندى ثقة كبيرة انك حاتعرف تعمل ده! وأخدت منها الورقة ووقفت أمام الستارة المغلقة وأنا فى منتهى السعادة.. فبعد قليل سأكون أنا على الهواء.. يعنى زملائى فى الكلية هايشوفونى.. وأمى وأخواتى والجيران.. وإسكندرية كلها.. وفجأة فتحت الستارة أمامى وأنوار شديدة تعمينى.. وتشجعت.. وابتسمت وبدأت أرسل تحية لأسماء النجوم الأجانب ضيوف المهرجان (جاردنر ماكاى- دافيد هديسون - سوأن لانجدن-أن ميلر - جورج نادر..) وإذا بهم يصعدون على المسرح مرة أخرى وأنا لا أصدق أن كل هؤلاء النجوم بجانبى ثم ألقيت تحية خاصة إلى الحضور من كبار نجوم مصر (سعاد حسنى - سهير البابلى - أحمد مظهر - صلاح ذوالفقار - فؤاد المهندس - شريفة فاضل - رشدى أباظة..) وإذا بكل هؤلاء النجوم على المسرح أيضاًِ بجوارى وأنا لا أصدق نفسى!! ولا أدرى ما الذى جعلنى اتذكر البرنامج الإذاعى الشهير فى ذلك الوقت (مطبات على الهوا) والذى يفجر موقفًا أو مطبًا وعلى الضيف أن يخرج نفسه بذكاء من هذا الموقف!! ووجدت نفسى أطلب من النجم «جاردنر ماكاى» بطل المسلسل الشهير «مغامرات فى البحار» ومن النجمة سعاد حسنى الخروج من مطب ولا أدرى كيف اخترعت مطبًا معينًا لهما وعليهما الخروج منه!! ونظر «جاردنر ماكاى» إلى سعاد حسنى وقال لها I Love You ونظرت هى إليه وقالت له: I Love You Too وإذا بجارندر ماكاى يحملها ويقبلها وسط تصفيق الجماهير وضحكاته.. وشجعنى ضحك الناس على الاستمرار واختراع مطبات جديدة لباقى النجوم الموجودين بجوارى على المسرح وكان المطب الثانى من نصيب فارس السينما المصرية النجم الكبير أحمد مظهر والنجمة الأمريكية «سو أن لانجدن» بطلة حلقات «القديس» التى كان تعرض بنجاح كبير فى مصر فى التليفزيون المصرى فى ذلك الوقت.. وهكذا وعلى مدى ساعة كاملة.. اخترعت عدة مواقف ألهمنى بها ربنا تجمع بين النجوم الأجانب ونجوم مصر وسط ضحكات وتصفيق شديد من الجمهور.. ثم نزل جميع النجوم وأسدلت الستارة!! واقترب منى الأستاذ الكبير السيد بدير والذى كان يرأس كل فرق التليفزيون المسرحية العشر وقال لى: «برافو يا واد».. بس ياريتك كنت خليت الممثل الخواجة يبوس شريفة فاضل (زوجته فى ذلك الوقت) بدل سعاد حسنى!! واستقبلتنى الإعلامية الكبيرة تماضر توفيق التى كانت تقف فى الكواليس تتابع ما يحدث قائلة: برافو يا سمير عملت شغل هايل دا حتى وزير الإعلام د.عبدالقادر حاتم سعيد جدا باللى حصل وحايبعتلك سيارة بكره الصبح علشان تروح تقابله لأنه عايز يشوفك!! وعندما ذهبت صباح اليوم التالى لمقابلة الوزير اندهش جداً عندما علم أننى قمت بهذا العمل بدون إعداد سابق وطلب منى أن أكرر تقديم النجوم على المسرح كل ليلة من ليالى المهرجان العشر على أن أجمع ما بين نجوم مصر وضيوف المهرجان من نجوم العالم فى حوارات ومطبات مثلما حدث ليلة الافتتاح! وقال لى الوزير أيضاً أنت مسئول عن تلك الفقرة اليومية كل ليلة وأعطانى رقم تليفونه الخاص للاتصال به فى حالة وجود أى صعوبات تعرقل تنفيذ طلبه بالإذاعة فى البرنامج الأوروبى منذ كنت فى العاشرة من عمرى.. ووعدنى بالالتحاق بمكتبه الخاص عند تخرجى من الكلية!! وفى صباح اليوم التالى.. كانت صورى على كل الصفحات الأولى من الجرائد اليومية وكتب عنى كل العمالقة أصحاب الأعمدة الشهيرة فى الصحف فى ذلك الوقت (أحمد الصاوى محمد - فكرى أباظة - أحمد بهاء الدين - موسى صبرى - محمد التابعى - محمد زكى عبدالقادر - على أمين...إلخ). وهكذا «ولدت» فى تلك الليلة التى لا أنساها.. وابتدى.. وابتدى المشوار الطويل، كما قال عبدالحليم.. المشوار الجميل المليئ بالأحداث والشخصيات.. والبرامج والأفلام والمتعة الفنية.. ابتدى المشوار الذى تعلمت منه الحياة والذى أحمد ربنا ألف مرة وأشكره أننى عشته وفى هذا العصر الجميل وهذا الزمن الرائع فعلاً الذى قابلت فيه معظم عمالقة هذا الجيل الذى لايعوض.. ولى معهم ألف حكاية وحكاية.. جعلتنى أشعر بأننى من خلالها عشت ألف سنة. نشر بتاريخ 28/1/2013 العدد 633