غرقت شوارع مصر فى مياه الأمطار.. وتسببت الشوارع المعجونة فى الطين فى وقف حال الناس! لم يتمكن الكثير من الموظفين من الوصول إلى مقار عملهم.. وتأخر الطلبة عن تأدية الامتحانات الجامعية والمدرسية! وقد أثبت «الغرق» فى مياه الأمطار أن شيئا فى مصر المحروسة لم يتغير رغم مرور عامين على ثورة قام بها شعب كان ينشد أو يتصور أنه سيصل إلى الأفضل! ورغم كل ذلك.. ورغم كل الانتقادات التى يمكن أن نوجهها إلى الحكومة الحالية.. التى تجمدت أوصالها وتيبست أفكارها.. واثبتت أنها غير قادرة على الابتكار لإيجاد حلول غير تقليدية لمشاكل مزمنة وليست مستعصية على الحل! رغم كل ذلك لا يؤرقنى هذا «الغرق»! لماذا تقول هذا الكلام يا فالح؟ ربما يسألنى أحدكم السؤال السابق! أقول لك يا سيدى.. الغرق فى مياه الأمطار مقدور عليه.. وآثاره محدودة.. وربما تعودنا عليه بحكم العادة ومن تجاربنا السابقة مع الحكومات التى تعاقبت علينا.. وتمام علمنا بأن أى حكومة تغرق فى شبر «ميه» ولا تتعلم من أخطاء من سبقوها! وهذا قدرنا كشعب كتب عليه أن تتولى قيادته مجموعة من الافراد لا تعرف شيئا عن فى إدارة الأزمات حتى لو كانت واحدة منها بسيطة واسمها مياه الأمطار! فإذا كانت الحكومة بجلال قدرها غير قادرة على حل أبسط المشاكل! وتركت الناس يواجهون تلك المشكلة كل على طريقته! وإذا كانت الحكومة غير قادرة على تصريف مياه الأمطار التى أغرقت الشوارع وغير قادرة على فض الاشتباك المرورى الناتج عن ذلك.. فهل يمكن أن تعول عليها لحل المشكلات الأخطر من يومين أمطار! نعمل إيه.. قدر ومكتوب على جبين الشعب المصرى أن تفرض عليه حكومات لا تعرف أن فصل الشتاء معروف ميعاد قدومه واحتمال سقوط الأمطار متوقع وهيئة الأرصاد الجوية حذرت فى بياناتها من الطقس السيىء والأمطار العزيرة ولكن من يقرأ ومن يسمع ومن يهتم بتقارير الأرصاد! كل الأمور تسير فى بلدنا المنكوبة بالبركة.. لا تخطيط للمستقبل.. لا فرق بين مصر 2010 ومصر 2013! ولا أبالغ إذا قلت إن 2012 أسوأ من 2010 وربنا يستر علينا فى 2013! ورغم كل ذلك فإن غرق مياه الأمطار لا يؤرقنى بشكل كبير لأننا تعودنا كما قلت عليه! هناك غرق آخر يؤرقنى بل ويدخل الرعب إلى قلبى.. الغرق الآخر الذى أخاف منه هو الغرق فى ظلام الجهل.. ولا أكون مبالغا إذا قلت إن هذا الغرق بدأت ملامحه تظهر ويحاول أصحابه الذين لا يعرفون ويفتون فيما لا يعلمون التقدم لاحتلال الصفوف الأولى وتصدر المشهد! هؤلاء يتصورون أن مفهومهم السطحى للدين هو المفهوم الصحيح! وليتهم يقتنعون بمبدأ الموعظة الحسنة ويجادلون بالتى هى أحسن ولكن يريدون فرض آرائهم حتى لو كانت خاطئة ولا تتفق مع صحيح الدين بالقوة والقسوة والعنف «هذا النوع من التفكير الغبى يسعى لزعزعة الاستقرار الذى هو بالفعل فى وضع حرج ومتوتر.. ووجه علماء الدين فى مصر منذ فترة طويلة الناس إلى التصرف بطرق توافق مع التزاماتهم الدينية.. ولكنى لم أتوقع ولم أفكر يوما أن يتطلب الأمر أى نوع من الضبط الهجومى للحفاظ على النظام» الكلام السابق بين قوسى ليس كلامى ولكنه كلام فضيلة مفتى مصر الدكتور على جمعة.. وهو كلام يعبر بحق عما يدور فى نفوس معظم المصريين الذين يرون فى الإسلام الذى يريد أن يفرق بين أبناء الأمة الواحدة.. هذا التيار الذى يريد جرنا إلى الغرق فى بئر لا قرار لها.. كان لابد من مواجهته والتصدى له حتى لا يقضى على الأخضر واليابس فى هذا البلد الذى لم يعرف على مر تاريخه التطرف ولم يعرف أهله التناحر أو الفرقة بين أبنائه منذ أنعم الله على مصر بالفتح الإسلامى على يد عمرو بن العاص.. وقد ذكرت فى مقال الأسبوع الماضى كيف تعامل عمرو بن العاص مع أقباط مصر الذين كانوا يعانون من حكم الروم وكيف طلب قائد المسلمين من زعيم الأقباط ويدعى بنيامين والذى فر من قسوة الروم والعودة مرة أخرى وقيادة الأقباط.. وفى هذا الصدد لابد أن نعرف رأى فضيلة مفتى مصر الدكتور على جمعة حيث يقول: «يجب أن تتم معارضة أى محاولة لزرع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد بأشد العبارات الممكنة وليس لدى شك فى أن القوى التى تسعى لتفرقة المسلمين والمسيحيين عن بعضهم البعض سوف تفشل فى نهاية المطاف.. لقد كانت مصر رمزاً للتعايش لقرون وستظل كذلك بفضل من الله تعالى وستكون للإسلام مكانة فى الديمقراطية فى مصر كدعامة للتسامح والوئام لا كوسيلة للقمع»، صدقت يا فضيلة المفتى فيما قلته وأدليت به لجريدة التحرير.. وهنا أيضا لابد أن أحيى موقف الرجل العالم القدير الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الذى لم يلتفت إلى التفاهات وكلمات التعصب التى جاءت على ألسنة من يتصورون أنهم فقط من يعرفون الإسلام! ذهب فضيلة شيخ الأزهر إلى البابا تواضروس وهنأه بعيد الميلاد المجيد.. مصر بإذن الله ستبقى واحدة وستنجو من الغرق الذى لا يبقى ولا يذر أما غرق مياه الأمطار فمقدور عليه وقليل من أشعة الشمس المشرقة ستبدد آثاره وتجعله فى خبر كان!!