أزعجنى خطاب الرئيس مرسى الى المجرم بيريز، كما أزعج كثيرا من الأحرار ان لم يكن ازعجهم جميعا، بل ازعج الخطاب كثيرا من أبناء الشعب المصرى وكذلك الأمة كلها، حتى العوام فى القرى والبادية. ولكننى أدرك أن هذا الخطاب المزعج أسعد الكنز الاستراتيجى البائد لاسرائيل فى مصر، وأسعد أحمد شفيق الذى لم يكن يستطيع أن يأتى بأقوى منه. فالرئيس مرسى - بالنسبة لمبارك- على نفس الدرب يسير أو عليه تفوق فى ميدان العلاقات المصرية الامريكية والمصرية الاسرائيلية للأسف الشديد. أزعجنى خطاب مرسى لبيريز لأنه فوق أو أكبر من التطبيع الذى رفضته كل القوى الوطنية وفى المقدمة الاخوان المسلمون، أيام المعارضة، وازعجنى خطاب مرسى لفقدان الشفافية حول الموضوع عندما أثير من قبل فى أوائل أيام تولى مرسى المسئولية والجلوس على كرسى الرئاسة. أزعجنى كلام كل من كان حول الرئيس وحاولوا نفى الخطاب او التخفيف من أثر الصدمة التى أحدثها أو التهوين من شأن هذه المصيبة، كل ذلك ازعجنى واثبت ان الرئيس لا عقل له، اذا كان قد وقع على الخطاب كما قيل دون ان يقرأه، وان كان قد قرأه فالمصيبة أكبر وأنكى. إن عباس فى فلسطين بل ودحلان- وما أدراك ما دحلان- لا يستطيع اى منهما ان يكتب مثل هذا الكلام وبهذه البجاحة الى مجرم مثل بيريز، و خصوصا بعد ثورات الربيع العربى وسط كثرة التحليلات و مئات التعليقات من شتى الاتجاهات بشأن الخطاب المزعج الى الرئيس المجرم. أشير إلى عدد من التعليقات، فى الإعلام المصرى وخصوصا بين السلفيين الجهاديين- أو التكفير او جماعة المسلمين سابقا، فمنهم من يكفر مرسى أصلا لأنه لايحكم بالشريعة كما يفهمها هؤلاء المكفراتية، ويرون أن ارسال خطاب بهذه الصيغة هو من موجبات الكفر أيضا ومن المعاصى التى يكفرون صاحبها بها. هناك تعليق جميل جداً فى عمود بجريدة «الحرية والعدالة» يوم السبت 20 -10-2012 بعنوان: الخطاب الذى ضل الطريق للكاتب محمد مصطفى، تصور فيه الكاتب ما يجيش فى صدور المصريين لو عبّر أحدهم عن مرسى اصدق تعبير فسيكتب: مجرم الحرب بيريز رئيس الكيان الصيهونى المغتصب: لا أخفى عليكم أننى شديد الرغبة فى قطع العلاقات مع أمثالكم، ولكن الظروف العالمية والمعاهدات الدولية تفرض على بلدنا ان نرسل اليكم السيد السفير عاطف محمد سالم سيد الاهل. ثم يحاول الكاتب أن يحدد مهمة السفير فيقول عن المهمة التى عهد إليه فيها وأنها تتلخص فى: إلحاق الضرر بهم ما استطاع، ودعم المقاومة ما تيسر له الى ذلك سبيلا، وتجنب ألاعيبكم الدنيئة وأساليبكم القذرة، وحماية بلادنا من مخططاتكم العدوانية الخبيثة». أما التعليق الثانى أيضا فى جريدة «الحرية والعدالة» يوم الأحد 21-10-2012 وهو يوم كتابة هذا المقال فكان بعنوان: بروتوكول الثورة، للاستاذ علاء النجار، الذى يبدى حيرته فى بداية العمود فيقول: لا أعرف كيف خرج علينا الدكتور ياسر على المتحدث باسم الرئاسة ليؤكد صحة خطاب الدكتور مرسى إلى الرئيس الاسرائيلى شيمون بيريز». وقال بكل بساطة: إن الخطاب بروتوكل حيث يوجه الى كل دول العالم بلا استثناء». ثم يتساءل الكاتب: وكأن ثورة لم تقم وكأن عزاء ودماء بيننا جفت، وكأننا استرددنا القدس، وحررنا فلسطين، وأخذنا بثأر أسرانا الذين سفكت اسرائيل دماءهم غدراً». ثم يقول الكاتب متسائلاً: فكيف تستمر بروتوكولات نظام المخلوع فى التعامل مع اسرائيل كما هى. ثم يقول الكاتب: وأريد هنا أن أوضح أن الرئيس مرسى نفسه قام بوضع استراتيجية جديدة فى التعامل مع القضية الفلسطينية». والحقيقة التى يجب أن يطلعنا عليها مرسى والإخوان بكل شفافية ما هى الاستراتيجية الجديدة للقضية الفلسطينية؟ وهل هى لتحرير فلسطين أم غير ذلك. يثير هذا الخطاب من الرئيس المحترم مرسى الى الرئيس المجرم بيريز الكثير من النقاط الجديرة بالدراسة والمناقشة. أولا: إن الرئيس مرسى بذلك الخطاب وهو فى السلطة أهدر مواصلة تاريخ الاخوان العظيم فى القضية الفلسطنية التى اهتم بها الامام البنا رحمه الله تعالى منذ 1935، فأرسل وفدا الى بلاد الشام مروراً بفلسطين والالتقاء بزعماء المسلمين وتأكيد عدالة قضيتهم، ودعم الإخوان المسلمين لهم. وقد شكل الامام البنا فى ذلك الحين لجانا فى مصر لدعم قضية فلسطين وإشراك الشعب المصرى وليس الإخوان فقط فى تحمل مسئوليتهم تجاه القضية. ولم يهمل الامام البنا إعداد القوة كما جاء فى القران الكريم» وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم». قام مؤسس الاخوان المسلمين بإعداد الآلاف من أبناء الشعب المصرى للدفاع عن فلسطين ضد الصهاينة المغتصبين ومنهم بيريز وشارون وجولدا مائير وبيجن. وخاض الاخوان المسلمون الحرب عام 1948 مع الجيوش العربية ضد الكيان الصهيونى وسجلوا بطولات نادرة. ولو كان البنا حيا اليوم فاننى أعتقد أنه سيواصل الإعداد القوى للوطن قبل السعى الى اعتلاء السلطة وخوض الانتخابات الرئاسية دون اعداد حقيقى للقوة. فمن هو المسئول عن تشويه سمعة الاخوان المسلمين اليوم وخصوصا هذا الخطاب السيئ الذى لو عرض على تلميذ بالمرحلة الاعدادية لرفضه. أما النقطة الثانية عندى فهى الخوف على المستقبل المصرى والعربى والاسلامى تحت حكم بعض الاسلاميين، وتجارب حكومة الانقاذ فى السودان وتقسيم السودان وهم فى الحكم كارثة كبيرة، ونتيجة الجهاد الاسلامى الطويل والمرير فى أفغانستان واضحة، وما حدث فى العراق وتؤاطو الاسلاميين فيها- سنة وشيعة- مع الأمريكان ضد صدام حسين، وما يحدث فى سوريا اليوم، ولجوء بعض الاسلاميين الى الفلول والغرب للتخلص من المجرم بشار، هو حلقة من حلقات الصراع التى لا يحسم الاسلاميون للأسف نتيجتها، وان حسموها فسيكون على غرار خطاب الرئيس المحترم مرسى الى المجرم بيريز، أو الحسم فى ليبيا بمساعدة الناتو. إن بعض أهم الثوابت تضيع أو تقل يوما بعد يوم، والتمسك بها يتهاوى مع الظروف الصعبة والضيقة، لذلك كان التوازن المطلوب هو ما ذكره الامام البنا فى رسالة المؤتمر الخامس سنة 1938 حينما قال: «وعلى هذا فالإخوان أعقل وأحزم من أن يتقدموا لمهمة الحكم ونفوس الأمة على هذا الحال، فلابد من فترة تنشر فيها مبادئ الإخوان وتسود، ويتعلم فيها الشعب كيف يؤثر المصلحة العامة على المصلحة الخاصة». ثالثا: انشغل قادة الاخوان بانتخابات حزب «الحرية والعدالة» والصراع الناعم أو المنافسة بين الكتاتنى والعريان، مما أسفر يوم الجمعه الماضى عن فوز الكتاتنى بأغلبية ساحقة تؤكد حقيقة قوة التنظيم، وقوة مبدأ السمع والطاعة، وقوة الثقة، أكثر من المبادئ الأخرى والأركان التى بايع عليها الاخوان المسلمون وهى الفهم والإخلاص والعمل والجهاد والتضحية والثبات والتجرد والأخوة. ولم يعبأ كثيراً، أى منهما بما صدر عن مؤسسة الرئاسة من أخطاء فادحة، منذ أن تولى مرسى الرئاسة. وكان اى من تلك الأخطاء كفيلا على الأقل لمليونية أو أكثر فى التحرير. ولكن يبدو ان المثل المصرى صحيح، عدوك يتمنى لك الغلط وحبيبك يمضغلك الزلط ، ينطبق على معظم من يعمل السياسة. رابعا: ما كتبه الرجلان محمد مصطفى وعلاء النجار، كان يجب ان يكون هو موقف الاخوان المسلمين وقادتهم من اللحظة الأولى للاعلان عن الخطاب المزعج إلى المجرم بيريز، وأن يعلنوا عنه ولو من مكةالمكرمة وقت الحج، وأن يكون هو موقف جريدة «الحرية والعدالة»، بل والاعلام المصرى كله بقيادة الأخ الكريم صلاح عبدالمقصود، الذى أحسن - قبل الوزارة- وهو يصدر من مركز الأبحاث مجلة القدس العظيمة لسنوات عديدة. وهو بعد الوزارة وخصوصا الاعلام فى مركز أقوى، ويستطيع أن ينجز أكثر، وأن يرفع شعارات الإخوان المسلمين وهم فى المعارضة، بشأن كل ما يتعلق بفلسطين وما يتعلق بالكيان الصهيونى المغتصب. خامسا: هل ننتظر ان نعرف اخبار الرئاسة من الصحف الاسرائيلية؟ لو لم تنشر اسرائيل رسالة الرئيس المحترم مرسى الى الرئيس المجرم بيريز، من أين كان سيقف الشعب المصرى على الحقيقة بعد أن نفاها مسبقاً أو قلل من أهميتها وخطورتها بعض المعلقين المحسوبين على مؤسسة الرئاسة؟ وقد هون من شأنها المتحدث الرسمى باسم الرئاسة. وبعد ان نفى جمال حشمت القيادى الاخوانى المحترم أخبار تلك الرسالة من قبل لأنها جاءت فى الصحف الاسرائيلية. وأخيرا وليس آخر هل ما يقوله المرشد العام للإخوان المسلمين عن الجهاد كما جاء فى الرسالة الأسبوعية او غيرها هو مجرد كلام مرسل؟ وهل يقرأ مرسى الرسالة الاسبوعية؟ وهل يستمرالاخوان فى موقفهم العظيم ايام المعارضة من الكيان الصهيونى المغتصب ومن اتفاقية كامب ديفيد، والذى أكده الأستاذ المرحوم المرشد عمر التلمسانى مراراً إثر الاتفاقية المشئومة، أم أن التقية اليوم لها نصيب فى أوقات الأزمات، وبذلك يكون مبدأ التقية عند الشيعة مقبولاً عند أهل السنة مع التسلف الاخوانى النافذ فى الجماعة حالياً. أسئلة كثيرة تحتاج الى تعليق واجابات واضحة للاعداد للمستقبل. تمنيت ألا يضع مرسى نفسه فى هذه الدوائر فيكون المجرم بيريز من أصدقائه. وأدعو الإخوان المسلمين والسلفيين والوطنيين وخصوصاً الشباب إلى الخروج من دوائر الحزبية الضيقة، ومن دوائر العصمة التى يضفيها بعضهم على الزعماء، فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، وعلى مرسى أن يتوب إلى الله تعالى توبة خالصة، وأن يحترم إرادة الشعب فيعتذر لهم وأن يسعى لامتلاك أسباب القوة والتفوق، وإلا فإنه يضيف إلى كراهية الاسلاميين سبباً جديداً وإلى النكسة والتخلف فى مصر بعداً آخر. وأقول للقيادى الكبير حشمت الذى أنكر الخطاب يوماً ما، إنها ليست فبركة، ولا بث فتنة فى مصر، ولا استغلال سيولة سياسية فى الشارع المصرى، إنها خيبة قوية لا تليق بمرسى ولا بأحد انتسب للإخوان يوما ما. وأن الاصلاح من الداخل انتهى أوانه، وينبغى التغيير الحقيقى بالعودة إلى أسس ومبادئ الدعوة العظيمة، التى يشرف الإخوان بالانتساب إليها. نشر بالعدد 620 تاريخ 29/10/2012