عندما تحل الابصار فوق هذه السطور يصعد طفل صغير معصوب العينين الى داخل الهيكل بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية.. ليسحب ورقة ضمن ثلاث ورقات تحمل اسم البطريرك ال118.. و ايا كان الاسم فمن يختاره الله هو الذى سيحمل على عاتقه ملفات طالما اشقت الكثيرين.. على رأسها ملف الاحوال الشخصية.. الشائك جدا.. لتلامسه مع لب العقيدة المسيحية فى امور التطليق، يحتاج الى نظرة حنونة اذ توجد أسر تنتحر فيها الحياة.. وأخرى تعصف بها الخيانات.. وما من اثبات.. وعلى جانب من المشهد طرف كاد يقتل الآخر بعدما استحالت بينهما الحياة. هؤلاء ليسوا ملائكة ولا مظلومين..ولا هم قتلة محترفون.. انهم بشر عاديون.. فقدوا القدرة على التواصل سويا.. استحالت العشرة بينهم.. وكانت لائحة 38 للتطليق منفذا صغيرا لهم، اذ تضم تسعة اسباب للتفريق بين الزوجين.. لكن قانون الاحوال الشخصية للمسيحيين لسنة 2008.. الغى العمل بلائحة 38 وترك سببا واحدا للتطليق وهو الزنى او تغيير الديانة الذى يبطل الزيجة دون تطليق.. فلم يعد امام تلك الاسر الا الخروج من حظيرة المسيحية والدخول الى الاسلام. او ان تنطر الكنيسة فى امرهم بشكل اجرائى بات طبقا لمعايير انسانية لا تخل بمضمون العقيدة. متضررو الاحوال الشخصية عدة قطاعات فمنهم من لا يستطيع أن يحصل على التطليق بسبب عدم قدرته على اثبات الزنى على الطرف الآخر.. أو بسبب العار فمن يعلن ان زوجته خائنة يلحق به العار ويعتبر ذلك حكما باتا فى مصير رجولته امام المجتمع.. كما ان العار سيلحق بالابناء.. خاصة لو كان ضمنهم فتيات.. والجميع يعلم ان الفتاة تنتسب الى والدتها دائما من الناحية الاخلاقية.. فهل يقبل رجل بالزواج من فتاة اعترف المجتمع و القانون والكنيسة بان والدتها خائنة زانية؟!! وكيف ترفع رأسها امام عائلة زوجها ان ارتضى؟ ولا احد يحدثنا هنا عن السرية فجميعنا يعلم اننا لم نعد فى عهد يخفى فيه شىء. قطاع آخر من المتضررين لاسباب غير الزنى مثل الادمان الذى يمثل خطرا على الاسرة كلها.. او بسبب مرض نفسى جد على احد الطرفين ويمثل خطرا ايضا.. وغيرها من الاسباب التى تتوقف عندها لجان التطليق ولاتبيح.. فيفرون طالبين النجاة فى الحياة غير عابئين بابديتهم. هناك ايضا قطاع آخر و هو المتضررون من الغاء لائحة 38 وكانت لديهم تصاريح زواج.. اى انهم حصلوا على تطليق كنسى بعد اثبات الزنى.. بل وحصلوا على تصاريح زواج من الكنيسة.. لكن لم يتمكنوا من الزواج بسبب عدم حصولهم على الطلاق المدنى من المحكمة لان قانون سنة 2008 يمنع العمل بلائحة 38 فصاروا معلقين.. لا هم احرار ولا هم مطلقون! كل هؤلاء و غيرهم من المتعبين اليوم بين يديك مشكلاتهم.. هؤلاء لا يريدون مخالفة الكتاب المقدس.. ولا يريدون الخروج من المسيحية فقط يريدون حياة طبيعية.. انسانية.. فلنسأل انفسنا لماذا يطالب اقباط 38 – المطالبين بالعودة للعمل بلائحة 38 فى التطليق – بالاحتكام للمادة الثانية من الدستور فى مسألة الطلاق. عندما التقيت برفيق فاروق الامين العام لرابطة اقباط 38 قال لى: «ابحث عن الطلاق المدنى لانى وآلاف غيرى معذبون فاذا تم وضع مادة فى الدستور تقول ان الطلاق والزواج المسيحى للكنيسة و هى المادة المستقر عليها رقم 3 فى مسودة الدستور فقد اصبح كل الامر فى يد الكنيسة التى منحتنى تصريحا للزواج، بينما لم اتمكن من التطليق فى المحكمة – و الحديث لفاروق – لماذا تم السماح للفنانةهالة صدقى بالخلع منذ سنوات.. و حالة اخرى لابنة كاهن مشهور غيرت ملتها منذ عامين وتم تطليقها.. لماذا هؤلاء وغيرهما يستطيعون ونحن لا نستطيع؟؟ فنحن لا نطالب الكنيسة باى شىء لكننا نطالب الدولة بطلاق مدنى.. وعلى الكنيسة مساندتنا فى تسهيل اجراءات الطلاق المدنى. وهنا لابد ان نعود للتاريخ اذ بدأ تقنين الأحوال الشخصية للمسيحيين على يد « صفى أبى الفضائل بن العسال» عام 1238.. بوضعه عدة قوانين تضمنت أسباب أخرى للطلاق بجانب سبب الزنى، وطبقت هذه القوانين حتى عام 1938 (أى سبعة قرون).. ثم جاءت لائحة 1938 التى وضعها المجلس الملى للأقباط الأرثوذكس والتى استمدت أسباب الطلاق من قوانين ابن العسال وأضافت بعض الأسباب بما يتماشى مع المجتمع. يراودنى تساؤل دون ارادتى اجدنى اكرره.. الم تكن العقيدة الصحيحة فى ضمائر وخواطر كل الباباوات السابقين ففرطوا فيها كل هذه القرون ؟!!!.. لا اعتقد. بسبب تشدد الكنيسة فى مسألة الطلاق وإعطاء تصريح الزواج مرة أخرى ظل الأقباط يلجأون إلى أبواب تتسق مع ما تقر به المحاكم و المرفوض «فى نفس الوقت من الكنيسة»، وأيسر هذه الطرق تغيير الملة حتى يتم تطبيق الشريعة الإسلامية وفقا لنص قانونى يفيد بأنه فى حالة اختلاف الملة بين الطرفين تطبق الشريعة الإسلامية، وهو ما لجأت إليه الفنانة المصرية هالة صدقى حينما استخدمت مادة الخلع فى قانون تبسيط إجراءات التقاضى فى الأحوال الشخصية لعام 2000.. لكن ليس كل المسيحيين هالة صدقى فهناك كثيرون لم يتمكنوا من الحصول على تصاريح و خلع الا بالتحايل و الخداع و لنا فيما ذكرته الكاتبة كريمة كمال فى كتابها طلاق الاقباط خير مثال اذ سردت عددا من القصص المؤسفة الناجمة عن عدم التطليق منها سيدة اتهمت نفسها بالزنى كذبا لكى تتخلص من علاقة زواج تحولت إلى عذاب يومى، وقصة أخرى لزوج لم يجد سبيلا إلى طلاق زوجته والحصول على تصريح بالزواج مرة أخرى من الكنيسة إلا باتهام زوجته زورا بالزنى، وأتى بأربعة شهود أمام المحكمة شهدوا على زوجته بأنها زانية وحصل على حكم بطلاقها وبعده وافقت الكنيسة وأعطته تصريحا بالزواج مرة ثانية لأن حكم الطلاق كان بسبب الزنى !! و قصة ثالثة لزوجين اشتد بينهما الخلاف وفشلا فى الحصول على الطلاق فنصح المحامى الزوج بأن يعترف بأنه على علاقة بامرأة أخرى، وبالفعل حكم بطلاقهما وبعد مرور أكثر من عشر سنوات أراد الزوج الزواج وذهب إلى الكنيسة يطلب تصريحا بذلك رفضت الكنيسة على أساس أنه هو الذى ارتكب فعل الزنى وعندما حاول أن يشرح حقيقة ما حدث قالوا إنهم ملتزمون بما هو مقيد فى الأوراق القانونية للقضية ونصحوه وهو عالم فى أحد المعاهد العلمية الكبرى بالولايات المتحدة أن يتفرغ لعلمه!! فالتحايل موجود و من يخدعون ايضا ليسوا بفاحصى قلوب وضمائر حتى وإن فحصوا الحالات فالحيل متعددة والنتيجة ظلم البعض مقابل خديعة البعض الآخر. والسؤال هنا : لمن يخضع القبطى؟ الكنيسة تجرى المراسم الدينية والدولة ممثلة فى وزارة العدل تمنح دفتر التوثيق الذى يرتب كل التبعات المادية من استخراج بطاقة الى تقسيم الإرث و عند التطليق لا يسمح للمحكمة ان تحل ما وثقته الدولة عن طريق وكلاء الشرعية – موثقو عقود الزيجة من الكهنة – الا من خلال امر كنسى.. فهل نترك الازواج يتقاتلون؟ والى من يذهب المتعبون يا قداسة البابا؟؟ نشر بالعدد 621 بتاريخ 5/11/2012