رغم ما قاموا به من بطولات واستعدادهم لتقديم أرواحهم فداء للوطن، فإن القائمين على إدارة الوطن لم يعطوا أبطال عملية إيلات وحربى الاستنزاف وأكتوبر ما يستحقون، إلى درجة أن عددا من هؤلاء مازال يعيش فى شقق بالايجار القديم، ولم يغيرها منذ تزوج فيها، وبعضهم لا يحمل كارنيها عسكريا يتيح له دخول الأندية والمستشفيات التابعة للقوات المسلحة، أما المعاش فهو بالنسبة لهم لا يكفى الاحتياجات الأساسية. «صوت الأمة» استمعت لذكريات هؤلاء الأبطال الممزوجة بالحسرة والأسى على ما هم فيه، وعلى ما يرون مصر فيه هذه الأيام، كلماتهم خرجت صادقة عفوية من قلوب مكلومة لم تعرف إلا التضحية والفداء وحب الوطن، رغم محاولاتهم اخفاء الحزن إلا أن عيونهم وشت بالكثير مما يحاولون اخفائه. صمت اللواء طيار « محمد زكى عكاشة» أحد أبطال حرب 1973م قليلا ثم بدأ حديثه بقوله: «الحرب تجربة ثرية عميقة جدا،بها المفرح والحزين، فمن أكثر المواقف التى أثرت فىّ حينما كنت أخرج فى مهمة وزميلى إلى جوارى وأعود دونه بعد استشهاده، ففى ذلك الوقت لم يكن لدينا وقت للحزن وكنا نكتفى بدمعة، ولكن الآن الحزن يملأ قلبى ووجدانى عليهم فهم الأبطال الحقيقيون الذين قدموا حياتهم فداء للوطن بحق، ومواقف أخرى كنت أطير فيها من السعادة ومنها عندما خرجت فى عملية وكنت قائدا للسرب ونفذت طلعة جوية مع 8 طيارين وأسقطنا طائرة «هوك» للعدو، وأسقط زملاؤنا طائرتين «ميج 21» وعدنا جميعا بسلام بعد نجاح العملية بنسبة 100% بدون خسائر، فقد كانت فرحة كبيرة «والواحد مش مصدق نفسه»، واستمرت هذه الروح طوال حرب الاستنزاف التى نعتبرها معهدا تعلمنا فيه القتال، وأكملنا بهذه الروح حتى انتصرنا فى 73». وبأسى بالغ أعلن «عكاشة» عن حزنه العميق على مصر معلقا: «أنا شايف مصر وحشة قوى.. نفسى أشوف مصر بتاعة 73 قبل ما أموت.. احنا فى وضع أسوأ من نكسة 67». وأكد أن السبب الرئيسى الذى جعلنا نستطيع إعادة مصر وأمجادها بعد نكسة 67 هو الإيمان العميق بمصر وشعار «من أجل مصر»، كنا نعمل كجيش شعب ومدنيين وعسكريين على قلب رجل واحد «كنا حلوين قوى»، أما الآن فالشعور المسيطر الآن « أنا وجماعتى، أنا وحزبى، أنا وفلوسى، أنا ونفوذى»، ونحن الآن دولة محتلة من جماعة الإخوان، فهم يعاملون مصر على أنها مغنم أخذوه ليمارسوا عليه سلطة الاحتلال ؛ وشعارهم هو «الجماعة أولاً وثانياً وثالثاً» وهو عكس شعارنا زمان «مصر أولاً وثانياً وثالثاً»، ولنبحث عن قرار واحد للرئيس «مرسى» لصالح المصريين والفئات المطحونة، هل حل مشكلة التعليم.. البطالة؟ أليس هو من صرح بأن لديه 2 مليون فدان سيبدأ فى إستصلاحها للزراعة! أين هم فليبدأ ولو ب10 آلاف فدان، أين تعمير سيناء والقضاء على البؤر الإجرامية والإرهابية بها، أين إعادة تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور؟ أين مشروع النهضة الذى عادوا ليردوا علينا بأنه مجرد أفكار الآن بعد أن تم انتخابهم؟.. أين هذا كله؟.. وقال: «كل ده أونطة، كلهم بيستغفلوا الشعب سواء كانوا مجلس أعلى للقوات المسلحة أو رئيساً أو مجلس وزراء، كله بيضحك على الشعب!. وأضاف: إنه يعتبر ثورة 25 يناير إنتهت منذ يوم 19 مارس 2011، حينما قاموا بعمل الاستفتاء المشئوم للمسلمين وغير المسلمين -على حد تعبيره- هذا الاستفتاء الذى شق الصف المصرى لنصبح مع وضد ونتهم بالإقصاء والاستقطاب. ودعا الحكام والمسئولين والسياسيين والشعب إلى الاستفادة من دروس التاريخ لأن درس المستقبل لمن يعى ويفهم، فقد كانوا شباباً صغارا وكانت مقدرات البلد بين أيديهم، مشيرا إلى أنه كان قائد سرب وعمره 26 عاما فقط ورئيسه 30 عاما فقط، فأولى بهؤلاء الكبار أن يبلغوا الحكمة والوعى بالتاريخ ويحسنوا استغلال مقدرات الوطن، لافتا إلى أن العدو أدرك أن هزيمة مصر تأتى بهزيمة الشخصية المصرية بمحاربتها من خلال الثقافة والإعلام والتعليم، ونجح عملاء لهم فى الداخل فى تنفيذ مخططهم بعد نصر 1973. ويكشف «عكاشة» أنه يعيش فى شقة إيجار قديم ب25 جنيها منذ أن تزوج فيها بمدينة القاهرة ولا يستطيع الخروج منها لأنه ليست لديه شقة تمليك، ويعيش بمعاش قدره 3500 جنيه بعد خدمة 30 عاما، لا يكفى حتى الاحتياجات الأساسية فى حين أن من يخرج على المعاش بالقوات المسلحة اليوم يحصل على معاش 9 آلاف جنيه، ويستقل سيارة ماركة « دايو « موديل 2005، مشيرا إلى أن لديه ولدين خرجا على المعاش المبكر، أحدهما كان عقيد شرطة والآخر عقيد مهندس بالقوات الجوية. «عكاشة» حصل على نوط الجمهورية من الطبقة الأولى مرتين فى عام 1969، و1973، لكونه قائد سرب قام ب 40% من المجهود الجوى فى ذلك الوقت، وحصل على ترقية استثنائية عام 1970، ونوط الواجب 1973، ونوط الشجاعة عام 1964، مشيرا إلى أن هذه الأنواط لا تصاحبها مكافآت، وأن أبطال مصر لم يكرموا التكريم اللائق بهم ولا يحصلون على معاشات مناسبة بدليل امتهان البعض منهم مهنا أخرى لا تليق بكرامتهم، لأنهم لابد وأن يظهروا بحد أدنى من المظهر اللائق. أما اللواء القبطان « وسام عباس حافظ « أحد أبطال إيلات وحرب 73 فقال إن معاشه لا يتعدى ألفى جنيه، وتمت إضافة 750 جنيهاً زيادة عليه منذ أقل من سنة، فى حين أنهم عندما أمسكوا بعسكرى إسرائيلى كأسير سنة 1973 اسمه «مائيير» وجدناه يأخذ الف دولار فى اليوم كى يحاربنا، ومؤمن على حياته بمليون جنيه! وأضاف: إنه لم ينتظر من الدولة شيئا ولم يعتمد على ما تقدمه له لأنه خرج على المعاش على رتبة رائد وسافر إلى السعودية 7 سنوات ثم جاء واستثمر أمواله فى مركز كمبيوتر، ولديه شقة تمليك يعيش فيها بالإسماعيلية، ويعمل الآن كمرشد بهيئة قناة السويس هو وزوجته المهندسة، ولديه ابن وابنة متزوجان و4 أحفاد. ومن العجائب المخزية أن بطل إيلات وحرب 73 لايملك الآن كارنيه نادى الضباط رغم أنه كان لديه لمدة 37 سنة ولكن تم رفض تجديده والأمر يحتاج إلى رفع قضايا، مؤكدا أن هناك بعضاً من أبطال إيلات خدموا وخرجوا من الخدمة وليس لديهم الكارنيه، وأنه ليس لديه إلى الآن نوط المحاربين القدامى على رغم من أنه قام ب 35 عملية وأصيب خلالها. البطل حافظ حاصل على النجمة العسكرية، ونوط الجمهورية، ونوطى شجاعة، وترقية استثنائية، وهى أوسمة لها شروط معينة هى القيام بعمليات داخل سيناء، ولكنها كلها أوسمة فقط بدون منح مالية. وعن أخونة الدولة أجاب بأن الإخوان المسلمين عددهم 4 ملايين من 90 مليون مصرى لكنهم يتميزون بالتنظيم. والثورة أساسا كانت مخططة من جانب قوى تخريبية إشترت لها عملاء خونة مصريين فى الداخل. بينما قال اللواء «نبيل محمد عبدالوهاب» أحد أبطال إيلات وحرب 73 إن معاشه بدأ ب 64 جنيها، لخروجه معاش مبكر فى عام 1976 وصل الآن إلى 1700 جنيه، وحصل على نوط الجمهورية من الطبقة الأولى، وعلى مكافأة قدرها 500 جنيه فى عهد الرئيس عبد الناصر، بالإضافة إلى نوط الجمهورية للمرة الثانية فى عهد الرئيس السادات، ونوط الشجاعة، وكلها أنواط بلا مكافآت عدا ال 500 جنيه المذكورة فقط، وهذه الأنواط لها شروط فلا يحصل عليها إلا من قام بعمل بطولات فائقة، مشيرا إلى أنه تخرج فى عام 1966 وشارك حربى الاستنزاف و 73، ويتذكر عملية كانت مهمة جدا لتطهير قناة السويس واستخراج ما بها من دبابات ومعدات بعد الحرب، وعقب بأنه رغم كون أخيه الأكبر طلعت عبد الوهاب» استشهد فى حرب 56 وكان فى ذلك الوقت ملازم أول فى عمر 21 عاما وكنت ابلغ من العمر 9 سنوات حينذاك، إلا أن أسرته لم تطلب شيئا لأنهم قدموه فداء للوطن، ولم يفكروا فى طلب تعويض مثلا وهو على عكس ما هو حادث الآن من كثرة إطلاق اسم الشهيد الآن. وقال «عبد الوهاب» إنه يعيش فى شقة إيجار قديم بالاسكندرية تزوج فيها سنة 1974م بعد انتصار أكتوبر، ولولا أنه عمل فى إحدى الشركات الملاحية لاستخراج البترول فى مجال الغطس بما أنه كان ضفدعا بشريا، لما استطاع أن يعيش حياة كريمة بمبلغ 1700 جنيه فقط قيمة معاشه من القوات المسلحة. ومن المواقف الصعبة التى يتذكرها «عبد الوهاب» حينما استشهد زميله الرقيب «محمد فوزى البرقوقى» تحت الماء أثناء تنفيذ عملية إيلات موضحا أن ما صوره الفيلم بأن الإسرائيليين قد ضربوا عليه الرصاص غير صحيح وأن حقيقة ما حدث هو أنه مات نتيجة تسمم الأكسجين وهى حادثة غرق قد تحدث أثناء التدريب وسبب حدوثها أنهم حينما وصلوا إلى الرصيف فوجئوا بكشافات إضاءة قوية جدا تكشفهم تحت الماء لدرجة أنهم كانوا يرون الجنود الإسرائيليين وهم يمشون فوق الرصيف مع نقاء المياه ما اضطرهم للغوص لمسافة أعمق وعندما شعر زميله بالتعب أصر على إكمال المهمة رغم تألمه الشديد وزرع القنبلة فى مؤخرة السفينة حيث توجد الماكينات، بينما زرعها «عبدالوهاب» فى منتصف السفينة حيث مخزنها، وقال « عبد الوهاب «: « لقد تأثرت جدا ببطولة وشجاعة ومقاومة زميلى الشهيد للألم، الأمر الذى جعلنى أصر على السباحة به مسافة 16 كيلو من ميناء إيلات حتى ميناء العقبة، لأننى لم أتحمل تركه رغم وجود أوامر تبيح ذلك فى تلك المواقف، وحرصا منى على عدم إعطاء العدو فرصة تشويه النصر بانتشال جثته وادعاء قتله». وقال اللواء « عمر عز الدين أحد أبطال «إيلات» إن كلا منهم كان يعمل دون أن ينتظر مقابلاً لأنهم جميعا توحدوا على تقديم حياتهم فداء لمصر، مشيرا إلى أنه حصل على نوط الجمهورية من الدرجة الأولى فى عهد جمال عبد الناصر، والنجمة العسكرية، وترقية استثنائية فى عهد أنور السادات، وتم عمل علاوة للحاصلين على أنواط ونياشين بقيمة 300، و 400 جنيه، بنسبة 15 % من المعاش. وأضاف «عز الدين»: «الوطن يستحق منه الكثير لأن الدولة علمتنى ووظفتنى كجندى أو ضابط، وصرفت علىّ كى أؤدى مهمة حماية الدولة، وحتى نطالب بزيادة فى المعاشات فلا بد أن يقابل ذلك زيادة فى الإنتاج ولا يوجد إنتاج الآن، فمن أين ستأتى الدولة بالمال، وهو لايريد مطالب فئوية، لأنه يعيب على هذه المطالب الفئوية، وعموما لا يوجد من يكفيه مرتبه الآن عموما، ومعاشه لا يتجاوز 3 آلاف جنيه ولأنها لاتكفى لتوفير حياة كريمة، قام بتأسيس شركة للأعمال البحرية والغطس تحت الماء للقيام بأعمال اللحام والتصوير مع شركات البترول تحت الماء، وذلك بما أنه كان واحدا من الضفادع البشرية. ويروى لنا ذكريات آخر عملية من عمليات إيلات التى قام بها مع زميله اللواء نبيل عبد الوهاب عندما كانت هناك إجراءات صارمة من قبل العدو من وضع شباك وقنابل يدوية فى الماء كل دقيقتين تقريبا وكشافات إضاءة قوية، وحينما اقتربنا من الرصيف القوا بلغم انفجر فينا واصيب زميلى بتهتك فى الأذن ونتيجة الانفجار تعطل نظام اللغم الذى يحافظ على بقائه فى القاع، فألهمنا الله أن استخدم حزام الرصاص الخاص بى الذى يساعدنى فى الغطس لأحافظ على اللغم فى القاع وهذا جعل عملية الغطس صعبة بالطبع، ونجحت العملية فى النهاية الحمد لله. تم نشره بالعدد رقم 618 بتاريخ 15/10/2012