غاب عن دنيانا في مثل هذا اليوم، الفنان المصرى الذي ابدع في الكثير من ألوان الغناء المتنوعة، خاصة الأعمال الغنائية ذات الطابع الشعبى، والتي جعلته يحتل مكانة كبيرة في الحياة الموسيقية والعربية، وميزته عن العديد من مطربي جيله، إنه الفنان القدير الراحل محمد رشدى. محمد رشدى محمد الراجحي، ولد في 20 يوليو 1928 بمنزل متوسط الحال في مدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ، وأمام بيته مباشرة كان يقع مسجد القطب الدينى إبراهيم الدسوقى، الذي يقام له مولدا ضخما كل عام، فكان طبيعيا عندما تفتحت اذناه أن تتفتح على صوت القرآن والأذان الذين يترددان من مسجد سيدى إبراهيم الدسوقى، وعندما شب قليلا وعرف الطريق أخذ طريقه إلى المسجد يسمع ويقرأ حتى أقام الأذان ولفت الأنظار لصوته وهو ما يزال صبيا. وعندما التحق رشدى بالمدرسة الابتدائية كان هو من يقول نشيد الصباح، وبذلك بدأت مرحلته الأولى في الغناء، وعندما بدأ صيته يتردد بين أبناء المدينة، تبناه محمود الدفراوى عازف العود، وعلمه أصول الغناء. وكانت اللحظة الفاصلة في حياة رشدى الغنائى عندما أقيم احتفال في مدينة دسوق بمناسبة نجاح فريد باشا زغلول في الانتخابات ليصبح عضوا في مجلس النواب، واجتمع الناس في الاحتفال وطلبوا من رشدى الغناء، وكانت الفنانة الكبيرة أم كلثوم من بين المدعوين، وتسمع الصبى فأعجبت بصوته وقامت بتوصية فريد باشا للاهتمام بمحمد رشدى وبصوته، وكانت تلك التوصية هي الباب الذي دخل منه إلى عالم الغناء. وبالفعل ساعده فريد باشا في التقدم لمعهد الموسيقى عام 1950، واجتاز محمد رشدى لجنة الاستماع بالمعهد والتي كانت مكونة من الدكتور محمود الحنفى، ومصطفى رضا رئيس المعهد حينها. وفى المعهد عرف محمد رشدي، أصول الغناء عندما درس التواشيح على يد الشيخ على درويش الحريرى والعود على يد منصور عوض، ولم يمض عامان إلا وسمعه الإذاعى على فايق زغلول، فشجعه على الالتحاق بالإذاعة، وبالفعل تقدم لامتحان الإذاعة وأجاز صوته محمد حسن الشجاعى الذي كان مراقبا للموسيقى والغناء في تلك الفترة والملحلن الكبير محمد القصبجى. وتقرر أن يسجل أغنية تجيزها لجنة مكونة من أم كلثوم وعبدالوهاب والقصبجى، فقررت منحه ربع ساعة في الإذاعة كل نصف شهر، واعتمدته مطربا وملحنا عندما غنى أغنية "قولوا لمأذون البلد" التي كانت من ألحانه. وبدأ الملحنون الكبار يقدمون لرشدى الالحان، فغنى للملحن الكبير محمود الشريف الذي كان سيد هذه المرحلة، وغنى لأحمد صدقى، ثم لمحمد الموجى. وفى عام 1961 أسند إليه محمد حسن الشجاعى ملحمة "أدهم الشرقاوى" لحنا وغناء، وغنى رشدى 85 موالا من الحانه تروى حكاية ذلك البطل الشعبى فححق شهرة كبيرة. وعندما جاء الشاعر الكبير عبدالرحمن الابنودى من أقصى الصعيد إلى القاهرة باحثا عن مكان له، عمل مع محمد رشدى وكان أول عمل بينهما أغنية "تحت الشجر يا وهيبة" والتي انتشرت في كل ربوع مصر. وأعقب ذلك أن غنى محمد رشدى، كلمات الابنودى والحان بليغ حمدى، وكانت من أغنية "عدوية " من نتاج تعاونهم، والذي أكدت أسلوب رشدى في الغناء الشعبى. غنى محمد رشدى أكثر من 600 أغنية ما بين العاطفى والشعبي والدينى والوطنى منها "طاير يا هوا، عالرملة، عدوية، عرباوي، كعب الغزال، مغرم صبابة، ميتى أشوفك، وهيبة، يا عبدالله ياخويا سماح، يا ليلة ما جاني الغالي، مجاريح". كما غنى رشدى، عددا من الملاحم الشعبية في الإذاعة المصرية مثل "الميثاق- قصة فلاح- 6 أكتوبر"، وقد اشترك محمد رشدى في جميع الأعمال الغنائية الوطنية بعد انتصار أكتوبر المجيد عام 1973. وكان للسينما نصيب من أعمال محمد رشدى، فقد مثل عددا من الافلام السينمائية الغنائية التي لاقت فيها نجاحا متزايدا، حيث قدم في السيمنا ستة افلام كبطل مطلق إضافة للاشتراك في افلام أخرى منها " جدعان حارتنا، حارة السقايين، ست بنات وعريس، عدوية، ورد وشوك، فرقة المرح". وفى عام 1993 اصيب محمد رشدى بنزيف ونقل على اثره إلى مستشفى الانجلو ودخل على اثرها إلى العناية المركزة، حتى تحسنت حالته وخرج من المستشفى، ولكنه ظل في صراع مع المرض وتدهورت حالته الصحية إلى أن رحل عن عالمنا يوم 2 مايو عام 2005. جدير بالذكر، أن محمد رشدى قد نال العديد من الجوائز والأوسمة منها: عشر جوائز في الإذاعة ودرع القوات المسلحة أكثر من مرة وميدالية طلعت حرب، ونال وسام الثقافة من رئيس الجمهورية التونسية.