· روايته انتقدت توريث الحكم لابن الرئيس بعبارة : « هي كانت عزبة أبوك» · لايوجد في قانون الشرطة ما يمنع الضابط عن حرية التعبير لعلها المرة الأول التي يظهر فيها من بين صفوف المعارضين في مصر ضابط شرطة مازال بالخدمة.. ولعلها أيضا المرة الأولي التي يصرح فيها ضابط شرطة بأنه يعارض النظام السياسي الحاكم. ولعل درجة الدكتوراة التي حصل عليها هذا الضابط.. قد تكون هي التي أضفت علي فكره وقناعته أمورا مختلفة غير تلك التي يعتنقها زملاؤه من الضباط. تستدعي الذاكرة العميد شرطة محمود قطري الذي صار من أكثر معارضي النظام الحاكم لكنه للحق لم يقدم علي هذه الخطوة سوي بعد خروجه للمعاش. لذا سيسجل التاريخ- بأي حال من الأحوال- للمقدم دكتور محمد محفوظ رئيس قسم العلاقات العامة بمديرية أمن الاسكندرية- حاليا- بأنه أول من ألقي بحجر في المياه الراكدة لحركة المعارضة داخل جهازالشرطة منذ سنوات بعيدة. وأثناء محاولة «صوت الأمة» البحث عن أكبر قدر من المعلومات حول المقدم دكتور محمد محفوظ وقعت في أيدينا رواية من تأليفه لم يتم طرحها بالأسواق. ولقد فوجئنا بأن الرواية تثير الكثير من الجدل، ويسطر بها محفوظ لنفسه سجلا بارزا ضمن صفوف معارضي النظام. حيث تناولت الرواية اسقاطا سياسيا علي نظام الحكم في مصر.. والتوريث.. وتنتهي هذه الرواية باندلاع حرب أهلية بين النظام الحاكم والشعب. وقد تردد اسم محفوظ في الإعلام في الآونة الأخيرة عندما أقدم علي خطوة فاجأت وزارة الداخلية حيث قام برفع دعوي أمام محكمة القضاء الإداري بالاسكندرية ضد رئيس الجمهورية ووزيرالداخلية يدفع فيها بعدم دستورية إحدي مواد القانون التي تمنع ضباط الشرطة من الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات العامة. وهي الدعوي التي أثارت حولها الكثير من الجدل ما بين مؤيد ومعارض.. صوت الأمة التقت الضابط محفوظ.. وكان هذا الحوار: هل أنت معارض للنظام رغم حساسية وظيفتك كضابط شرطة؟ - المقدم محمد محفوظ: حقوقي الدستورية كمواطن تتيح لي حق التعبير والاعتقاد والتفكير ولايوجد في قانون الشرطة وبالذات في المادة رقم 42 بكل محظوراتها ما يمنع الضابط من حرية التعبير عن آرائه وأفكاره حتي لو اختلفت مع النظام، طالما لاتمثل خروجا عن الدستور والقانون ولا تتعلق بوقائع خاصة بأعمال وظيفته. وبالفعل فإن أفكاري تختلف مع الكثير من ممارسات النظام. إذن أنت ضابط معارض للسلطة التي تمثلها؟ -محفوظ: يقسم الضابط يوم التخرج علي احترام الدستور والقانون وعلي الحفاظ علي النظام الجمهوري وبالتالي أنا لا أمثل السلطة وإنما أمثل الدستور والقانون ومن يخرج عن الدستور والقانون يخلع بذلك الشرعية من فوق اكتاف السلطة التي يمثلها. وماذا عن روايتك: العزبة.. وما تحويه من إسقاط سياسي وهجوم حاد علي النظام؟ - محفوظ: الرواية تحكي قصة شاب ارتبط بعلاقة مع فتاة من عالم الجان ويذهب معها في رحلة إلي عالمها ويفاجأ بحاكم طاغية ومجتمع تم تقسيمه إلي الفئات الآتية: الشياطين وهم المستبدون الفاسدون- الصالحون وهم: دعاة الإصلاح والعدل والمساواة- الجائرون وهم: المتطرفون فكريا وعمليا- السناكيح وهم الأغلبية المقهورة الصامتة من الجماهير وتعرض الرواية للعلاقات المتشابكة بين هذه الفئات وما ستؤدي إليه من ثورة شعبية يتم مواجهتها بقمع دموي وتنتهي الرواية بنهاية مفتوحة لكل الاحتمالات. والرواية تعرض بين فصولها لعدد من النظريات المتخيلة مثل: نظرية النهب المنظم- نظرية ثنائية الوعي والإرادة- نظرية الإطاحة بالسلطة مابين الثورة الشعبية أو المؤامرة الانقلابية وأدعو كل المصريين لقراءة الرواية لأني أعلم مدي حبهم لكل ما يتعلق بعالم الجان. هل يمكن أن تشرح لنا لماذا أطلقت في روايتك علي وزير داخلية الحاكم الطاغية مسمي (مستشار الخوف)، وعلي وزير ثقافة هذا الحاكم مسمي (المستشار الفاجر) وأظهرته شاذا جنسيا؟ - محفوظ: لا يمكنني تفسير روايتي، وإنما أترك هذا للنقاد والقراء، وإنما أقدم لك التفسير من صلب الرواية ذاتها حيث يقول مستشار الخوف بأنه: أيقن منذ البداية أن الأمن الذي ينشده الحاكم ليس إلا أمنه هو ليس أمن الشعب. لذا وطد عزمه تماما علي امتلاك ناصية ذلك الجبار من خلال هاجس الأمن. فتحت مسمي الأمن يمكنه أن يصول ويجول في هذا البلد طولا وعرضا فيتحكم في العباد، ويمتلك الرقاب، وينشر الخوف أو يمنح الأمان. كما أسوق لك من الرواية ما قاله المستشار الفاجر عن سبب اختيار الحاكم له:(حيث قرر له الحاكم يوم تعيينه، بأنه اختاره لشذوذه، لأنه يخشي جدا أولئك المثقفين والمفكرين والمبدعين فهم يأسرون العباد بصفاء وجرأة أفكارهم وسحر فنونهم لذا ولاه عليهم لينجذب إليه ويتحلق حوله الشواذ منهم فتسود أفكارهم وتزدهر فنونهم بينما ينأي عنه الأسوياء منهم فتزوي أفكارهم وتأفل فنونهم وبذلك يأمن شرورهم لأن الشواذ منهم سيصبحون لقمة سائغة يمكن بسهولة التعريض بانحلالهم أمام العباد، لوسولت لهم أنفسهم معارضة نظام حكمه وإدارته للبلاد، أما الأسوياء منهم فإن انزواءهم سيسحبهم إلي دائرة النسيان، فتسهل ملاحقة الناشطين منهم دون إثارة تذمر العباد). وكيف تناولت التوريث في روايتك العزبة؟ - محفوظ: الحدث المحوري في الرواية يتمثل في انطلاق صوت مجهول في أرجاء البلد الذي تدور فيه الرواية، وهذا الصوت الذي يتكرر انطلاقه بعد ذلك طوال أحدث الرواية يردد عبارة واحدة من 4 كلمات هي:( هي كانت عزبة أبوك) وبسبب هذا الصوت لن يتم توريث الحكم لابن الحاكم. وماذاعن الواقع هل أنت ضد التوريث؟ - محفوظ: النظام الجمهوري الذي أقسمت علي الحفاظ عليه يوم تخرجي بكلية الشرطة لايعترف بالتوريث، إنما فقط الأنظمة الملكية هي التي تقر التوريث وتجعله مشروعا. وبالتالي أنا أدافع عن النظام الجمهوري. بشكل مباشر.. ما رأيك كضابط شرطة في النظام السياسي الذي يحكم مصر؟ - محفوظ: لن يتقدم هذا البلد إلا من خلال الحكم الليبرالي بجانبه السياسي المتمثل في الديمقراطية وجانبه الاقتصادي المتمثل في اقتصاد السوق وجانبه الاجتماعي المتمثل في الإيمان بحرية الإنسان. والحكم الليبرالي لاينجح إلا إذا تم تطبيق هذه الجوانب مجتمعة فاقتصاد السوق مع حكم غير ديمقراطي يؤدي إلي اقتصاد (السوء) والإيمان بحرية الإنسان مع حكم غير ديمقراطي يؤدي إلي شيوع ثقافة التعصب والكراهية وليس ثقافة التسامح والسلام. وللأسف مازلنا بعيدين حتي الآن عن الحكم الليبرالي بمعناه الحقيقي. إذن ما الحل من وجهة نظرك؟ - محفوظ: الحل يكمن في التداول السلمي للسلطة من خلال وضع سقف زمني محدد (فترة واحدة أو اثنتين علي الأكثر) لمن يتولي أي منصب حكومي فالتداول للسلطة هو الذي يفرز التغيير والتطور وهذه سنة الله في الأرض حيث قال تعالي: «وتلك الأيام نداولها بين الناس» كما قال تعالي «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض». وإلا فإن فكرة الديمقراطية تكون قد تم تفريغها من مضمونها كما هو حادث الآن في معظم الدول العربية. لو جلست مع وزير الداخلية ماذا ستقول له؟ - محفوظ: بكل احترام سأقول لسيادته بأنه قد آن الأوان لكي ينال ضباط وأفراد الشرطة حقهم في التصويت الانتخابي الذي تم حرمانهم من ممارسته طوال 24 عاما، رغم أن ممارستهم لهذا الحق لن تنال بأي حال من حمايتهم للنظام والشرعية والدستور والقانون، بل علي العكس، فإنها ستدفع في اتجاه التطور الديمقراطي المنشود الذي نتطلع إليه جميعا لدفع عجلة التنمية والاستثمار والتقدم والازدهار. ويتابع محفوظ: وقد قمت مع شقيقي حسام محفوظ المحامي بالنقض برفع دعوي رقم10215 / 63ق بمحكمة القضاء الإداري طالبنا بإحالتها للمحكمة الدستورية العليا للطعن بعدم دستوريةالمادة رقم 1 من قانون مباشرة الحقوق السياسية التي تمنع الضباط من التصويت بالانتخابات. كيف تطالب بتصويت ضباط الشرطة في الانتخابات وهم اصلا من يسيطرون علي الصناديق ويقودون عمليات التزوير وهم ليسوا مخولين بذلك، فما بالنا لو أتيحت لهم ذات الفرصة وبالقانون؟ - محفوظ:الطعن في نزاهة ضباط الشرطة هو أمر ينال من وظيفة جهاز الأمن في المجتمع ككل. وفي تقديري أن السبب المسئول عن إهدار أجهزة الأمن الدستور والقانون في الدول غير الديمقراطية في مقابل التزامها بالأوامر والتعليمات يتمثل في حرمان ضباط هذه الاجهزة من التصويت الانتخابي بما يؤدي إلي عزلتهم وتهميشهم وينال من قدرتهم علي الاختيار والتأثير في حاضر ومستقبل المجتمع الذي يعيشون فيه وبالتالي تصبح هذه الأجهزة في معية السلطة وتنعزل بعيدا عن صفوف الشعب. وأنا عن نفسي لن أضع في بطاقة الانتخاب إلا ما يميله علي ضميري الوطني وأعرف الكثير والكثير من الضباط الذين إذا اتيحت لهم فرصة التصويت فلن يستجيبوا إلا لصوت ضمائرهم. هل تري ما تطالب به أمرا واقعيا؟ -محفوظ: مشاركة ضباط الشرطة في التصويت الانتخابي قد باتت منذ زمن من المسلمات في الدول الديمقراطية بل إن الانتخابات الأخيرة التي أجريت في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة والعراق، وهي دول عربية مجاورة قد كفلت لضباط الشرطة حق التصويت كما يكفل حق التصويت للضباط في البحرين وفي الانتخابات المحلية في الأردن. كيف؟ - محفوظ: لأن توسيع قاعدة المشاركة السياسية بحيث تضم كل الفئات يمثل حصن الأمان لاستقرار أي مجتمع وأغلب الدراسات السيكولوجية والسلوكية تثبت بأن العزلة والتهميش لأية فئة في أي مجتمع من المجتمعات يؤدي بهذه الفئة إما إلي الانقلاب علي السلطة من خلال معاداتها سرا أو علنا، وأو التواطؤ مع السلطة للحصول علي أكبر قدر من النفوذ المسلوب وبالتالي فأن القدرة علي توجيه اجهزة الأمن لخدمة مصالح السلطة وليس الدستور والقانون ينبع في الأساس من سلب ضباط وأفراد هذا الجهاز لحقهم في التصويت الأمر الذي يجعلهم أطوع للتواطؤ مع السلطة طالما لايمكنهم من خلال الصندوق الانتخابي تغييرها. ويتابع محفوظ والتاريخ المصري المعاصر يقدم العبرة والمعني ففي ظل المرسوم بقانون رقم 148 لسنة 1935 الخاص بالانتخاب والذي كان يمنع ضباط وأفراد الجيش والشرطة من التصويت الانتخابي حدثت ثورة يوليو وهي بالمصطلح الدستوري والقانوني بمثابة انقلاب عسكري علي نظام الحكم آنذاك وفي ظل القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية والذي استمر في منع ضباط وأفراد الشرطة من التصويت الانتخابي تقدم المئات من المرشحين للانتخابات بمئات الطعون الانتخابية أمام محكمة النقض وتوصلت المحكمة إلي صحة وقائع التزوير التي تضرر منها أولئك المرشحون وبالتالي فمن الافضل والأصلح للديمقراطية، أن تضطلع كافة الفئات في المجتمع بحقها في التصويت الانتخابي لأنه حيثما يتم كفالة حق التصويت الانتخابي لضباط وأفراد الشرطة وكافة الأجهزة ذات الصفة النظامية العسكرية اينما ستكون السيادة للدستور والقانون وليس للأوامر والتعليمات وأينما ستكون الحماية للنظام من حيث الدستور والقانون وليس من حيث هو السلطة بأجهزتها ورجالها وبأسها.