ما زالت قضية الضابط المصرى العقيد محمد غانم المعتقل سرا فى أحد السجون السويسرية للعام الثالث على التوالى تتفاعل بسبب رفض الحكومة المصرية كشف اللثام عن سبب رفضها التدخل فى القضية.وقد تقدم النائب الإخوانى عبد الفتاح عيد باسجواب برلمانى عاجل إلى كل من رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية، حول استمرار اعتقال الضابط المصرى 'العقيد محمد غانم' فى سجن 'تشامب دولون' بجنيف بسويسرا منذ 12 اذار (مارس) 2007، دون توجيه أية اتهامات إليه، مطالبا الخارجية المصرية بضرورة التدخل لمعرفة حقيقة ما حدث مع المواطن المصرى وما إذا كان مذنبا من عدمه. وطالب عيد بسرعة الإفراج عن الضابط إذا ما كان بريئا، خاصة أنه رجل قانون ويحمل شهادة الدكتوراة فى القانون من جامعة روما، وكان رئيسا للقسم القانونى فى وزارة الداخلية، وله العديد من المؤلفات القانونية، التى ساهمت فى دعم التشريع المصرى الحديث. وأشار النائب إلى أن اعتقال غانم جاء على خلفية تقرير يتهم فيه الحكومة السويسرية بأنها جزء من 'معاهدة الصليب الدولي'، وأنها كانت تلعب دورا فى اختراق المجتمع المسلم؛ لجمع معلومات استخباراتية، ودعمت الاحتلال الأمريكى للعراق ووقفت خلف الأنظمة العربية المستبدة، ومارست ضغوطا على تركيا لأن حكومتها أصبحت 'نصف إسلامية'. يذكر أن العقيد كان غاضبا من الحكومة المصرية وعلى خلاف دائما مع رؤسائه بسبب الفساد والمحسوبية والتهم المزورة ضد الصحافيين والتعذيب فى السجون وانتهاكات حقوق الإنسان، وكان يسعى إلى اللجوء السياسى أولا فى إيطاليا ثم تمكن من الحصول على حق اللجوء السياسى بسويسرا فى السادس من اب (أغسطس) من عام 2001. وأكد النائب أن ما حدث للضابط المصرى فى سويسرا يعد انتهاكا للمواثيق الدولية التى تحظر على الدول والحكومات اعتقال إنسان أو حجزه تعسفيا، مطالبا الأممالمتحدة والمنظمات الدولية والحقوقية بضرورة حث الحكومة السويسرية على رفع الظلم عن المواطن المصرى الذى اعتقل بسبب رأى نشره، دون أن يرتكب أى جريمة يعاقب عليها القانون، حتى لا يكون ذلك ذريعة للأنظمة والحكومات الغربية أو العربية لاعتقال الأفراد بسبب آرائهم المخالفة ومواقفهم المناهضة للتمييز والعنصرية. وحذر النائب من تخلى الدولة ممثلة فى وزارة الخارجية عن حماية رعاياها من المصريين فى الخارج ومتابعة قضاياهم وضمان محاكمتهم محاكمة عادلة وتوفير هيئة للدفاع عنهم. وفى تصريحات خاصة ل'القدس العربي' أكد الدكتور حمدى حسن الناطق بلسان نواب الإخوان ان تفريط الحكومة فى رعاياها بات داعيا لليأس والغضب، مشددا على أن المصريين سقطوا من ذاكرة النظام سواء كانوا فى الداخل او الخارج. من جانبه قال اللواء فاروق المقرحى مساعد وزير الداخلية السابق لمباحث الأموال العامة إن خبر اعتقال الضابط محمد غانم، الذى كان سرا كهنوتيا حيث لم يعلم به أحد، جاء بمثابة الصدمة لاعتقاده أن دول العالم الثالث هى فقط التى تمارس سياسة الاعتقال بلا مبرر أو توجيه اتهام. وأضاف، لم أتصور أبدا أن يصدر مثل ذلك الفعل من دولة من دول العالم الأول كسويسرا. وأكد المقرحى أن وزارة الداخلية لا صلة لها الآن بغانم لأنه ضابط سابق وانتهت علاقتها به منذ أن ترك الوظيفة سواء بالإحالة على المعاش أو بالاستقالة. وأضاف لن تتحرك الداخلية لإخراجه من معتقله وستكون الأمور متروكة بالكامل بالطرق والوسائل الدبلوماسية. وحول ما نشره الكاتب البريطانى روبرت فيسك الذى كان أول من كشف النقاب عن تفاصيل القضية عن أن الشرطة السويسرية السرية حاولت إجبار محمد غانم على التعاون معهم، وسعت لتجنيده من أجل اختراق تنظيم القاعدة والمجتمعات العربية والجالية الغربية فى سويسرا، قال المقرحى إن هذا الكلام عار عن الصحة لأن أعمال التجسس والتخابر والإرشاد لا يمكن إجبار أحد عليها لأنها تتطلب الرضاء والموافقة لأنها أعمال خطرة وقد تكلف الشخص حياته. وأضاف، لا يمكن الضغط على شخص ودفعه للتجسس، ولكنه أكد أنه لا يعلم ماهية مشاكل الضابط مع الداخلية لأنها مواضيع قديمة ولم يستدل عليها. ومن جانبه عبرالعميد محمود قطرى الضابط السابق بوزارة الداخلية عن دهشته فور علمه بخبر اعتقال العقيد الدكتور محمد غانم مدير إدارة البحوث القانونية السابق بوزارة الداخلية فى سويسرا، حيث أكد ان كل معلوماته أن الضابط محمد الغانم هرب إلى سويسرا. وقال محمود قطرى إن محمد غانم ترك البلاد لأن 'عنده ضميرا' الأمر الذى جعله مكروها بعد محاولاته المستمرة للإصلاح، واستبعد أن تتحرك جهات رسمية لفك أسره واعتقاله. يذكر أن العقيد دكتور محمد غنام مدير إدارة البحوث القانونية بوزارة الداخلية المصرية تم فصله من الوزارة لحدوث عدد من المشكلات تجاهه، بعد أن كان يترأس إدارة صندوق تأمين الشرطة وسبق له أيضا أن عمل بإدارة الشؤون القانونية بوزارة الداخليّة المصريّة، إلا أنه بعد أن تزايد أعداؤه لرأيه على حد قوله- وتوضيحه لمشاكل الدولة تعرض لعدد من المشاكل منها أنه عند محاولته الذهاب إلى مطار القاهرة للقيام برحلة دولية، قام الضباط بوضع ختم خروج على جواز سفره، ثم قيل له إنه غير مسموح له بالمغادرة، فسعى للحصول على حق اللجوء السياسى حيث اتجه أولا صوب إيطاليا، وذلك بعد أن حصل على دكتوراة فى القانون من جامعة روما، وقام هناك بنشر كتاب عن 'القانون والإرهاب' فى عام 1991 العمل الذي- على حد قوله- وقتها شكل أساس أغلب التشريع المصرى الحديث إلا أن الحظ لم يوفقه هناك فاتجه بعدها صوب سويسرا التى منحته حق اللجوء السياسى بشكل مؤقت. وفى عام 2003، فوجئ أثناء وجوده فى جنيف بسويسرا، أن الشرطة السويسرية السرية حاولت إجباره على التعاون معهم، وسعت لتجنيده حسب مزاعمه - من أجل اختراق تنظيم القاعدة والمجتمعات العربية والجالية الغربية فى سويسرا، إلا أنه رفض بشكلٍ قاطع وأصر على رفضه، بينما كانت تحاول الشرطة السرية السويسرية أن تضغط عليه وتحاول كسره من خلال تهديده بمختلف الأشكال والأنواع. إلا أن الغانم لم يسكت على ذلك وقام بنشر مقال فى عام 2005 ادعى فيه أنّ سويسرا كانت 'الأحقر من بين أعداء الإسلام'، ومؤكدا أنه لم يلتفت للتهديدات ولم يهتم بالعواقب الوخيمة التى قد تصاحب ذلك المقال، حيث أكد فى مقالة أن سويسرا تدعم الاحتلال الأمريكى للعراق، وتقف خلف نظام الرئيس مبارك المصري، وتمارس ضغوطا على تركيا لأن حكومتها أصبحت 'نصف إسلامية'. وأضاف فى مقاله أن سويسرا كانت جزءا من 'المعاهدة الدولية للصليب' وأنّها تحاول منذ مدة 'اختراق المجتمع الإسلامى لتجميع معلومات استخباراتية عنه'. وظهر بالفعل ذلك المقال على المواقع الإلكترونية الجهادية الأمر الذى لم يعجب السلطات السويسرية. وفى كانون الثانى (يناير) عام 2007، تعرض 'غانم' للاعتقال بسبب خطورته وزعم أنه معتقل فى أحد السجون السويسرية، دون أن تجرى أية اتصالات بأسرته أو أصدقائه إلا أن الأممالمتحدة تدخلت لحل الموضوع وعلمت من السلطات السويسرية المكان الذى يوجد فيه ليتبين أنه تم احتجازه فى سجن 'ذا تشامب دولون' فى جنيف على يد دائرة الاتهام لكانتون جنيف يوم 12 اذار (مارس) 2007، وأنه مازال محتجزا هناك إلى الآن، دون أن يوجه له أى اتهام. من جانبه كشف السفير ناجى الغطريفى مساعد وزير الخارجية السابق عن أنه بالرغم من أن الضابط محمد غانم قد تقدم بطلب للسلطات السويسرية للحصول على اللجوء السياسي، إلا أنه مازال مواطنا مصريا ومن حق مصر أن تطلب الاطلاع على الملف الخاص به ومن حق السفارة معرفة سبب اعتقاله، باعتباره مواطنا ما زال يحمل الجنسية المصرية، ولم يتنازل عنها، ولم يتم إسقاط الجنسية عنه، ولا يقلل من ذلك أنه خرج من مصر، وحصل على لجوء سياسى من دولة أخرى، لأن هذا اللجوء له أسباب تكون مرتبطة بعلاقة هذا الشخص بالنظام الداخلي. أماد.نبيل حلمى أستاذ القانون الدولى فأشار إلى أن اللجوء السياسى يخضع لتقدير الدولة التى يطلب منها اللجوء، وفى نفس الوقت تكون معه الجنسية المصرية ويجب أن يكون ملتزما بقوانين الدولة التى يلجأ إليها ويتم فحص حالته إلى حين الموافقة عليه أو لا. وأكد حلمى أنه فى حالة عدم سقوط الجنسية المصرية عنه فهو ما زال من رعايا دولته الأصلية وطبقا لقواعد القانون الدولي، الدولة تكون مسؤولة عنه، وإذا طلب منها التدخل فإن الدولة عليها واجب التدخل لحمايته، مشيرا إلى أن هناك جانبا سياسيا يختلف عن الجانب القانوني، وهو يختلف فى شكل تدخل الدولة من شخص لآخر، وهذا يتحدد على مدى انتمائه للدولة وعلى تقدير الدولة للعلاقة بين مواطنيها وبين الدولة، وهذا فى حالة عدم إسقاط جنسيته. وقال حلمى إنه توجد حالات تطلب إسقاط جنسيتها الأصلية للحصول على جنسية أخرى وهذا لأن بعض الدول ترفض إعطاء جنسيتها بوجود جنسية أخرى، وفى هذه الحالة يستطيع خلال سنة أن يسترد جنسيته الأصلية بعد حصوله على الجنسية الجديدة ودعا الدكتور يحيى الجمل رئيس حزب الجبهة السابق ووزير العدل الأسبق إلى ضرورة أن تدرك الحكومة المصرية أن عليها واجبا دستوريا تجاه مواطنيها أقله أن تدافع عنهم. وأعرب الجمل فى تصريحات ل'القدس العربي' عن إقتناعه التام بأن النظام الراهن ساهم فى إهدار كرامة المصريين فى الداخل والخارج.