الحالة الأفغانية كانت أكثر من مثالية لإستراتيجية الولاياتالمتحدةالأمريكية في منطقة غرب آسيا، إذ أنها أعطت لواشنطن فرصه النفاذ والتأثير المباشر بورقه ضغط قادرة على وضع كل اطراف الإقليم في حالة صراع وتناحر مباشر ومستمر، وطبيعة التفكير الأمريكي لا تتورع أن تضع اصدقائها فى نفس حالة الإرباك الذى تصنعه للأطراف المقاومة لها. ويقوم المنطق الأمريكي على ضرورة صناعة منطقة رخوة يتم من خلالها إدارة حالة الصراع في أي إقليم مستهدف، كانت لبنان على سبيل المثال هي منطقة التقاء كل الاستراتيجيات المتنافسة في إقليم الشرق الأوسط فتجد حاضراً في جنبات بيروت كل ممثلي القوى الفاعلة في الإقليم، لكن لبنان أشبه بالمنتدى الدولي لإدارة الشرق الأوسط، لكن ليبيا حالة مختلفة تماماً. ليبيا حالة خطر لن يتوقف فقط عند مجرد نشوء الصراع المسلح على حدودك الغربية، وأنما لأن ليبيا ستتحول إلى منطقة جاذبه لكل التنظيمات المسلحة في الأقليم، ومع وصول هذه التنظيمات إلى حالة التمكن من كافة عناصر المجتمع قبلى في ليبيا فستتحول مع الوقت إلى عمل موجه في نطاق زعزعة الاستقرار في منطقة شمال أفريقيا وفى مقدمتها مصر، وموقع الاحداث في الشرق الليبى يحسم الجدل حول أولوية الإستهداف، لكن أليس غريباً أن أول المشاركين الفاعلين في عملية تحويل ليبيا إلى أفغانستان اقليمياً ، هم انفسهم من كانوا يساهمون صناعة حالة الصراع في أفغانستان، وأقصد إيرانوتركيا. ولأن ايران خبيرة في شئون الصراعات القبلية، ولأنها بخبرتها في أفغانستان واليمن، أدركت أهمية الموقع الجيواستراتيجى لها في ليبيا، ولأن الميليشيات هي جوهر الاستراتيجية الإيرانية، فإنها دخلت الصراع على منطقة شرق ليبيا منذ اللحظة الأولى لتفكك نظام القذافى، وربما كانت سابقة حتى على سقوطه فهناك دلائل واضحة على وجود نفوذ إيرانى في ليبيا وتحديداً في شرق ليبيا. وقد حدث فعلاً أن أكبر قبيلتين ( الحرابى و الجبارنة) في الشرق الليبى قد ذهبوا الى العاصمة الإيرانيةطهران لعقد مؤتمر لم يتم معرفة أجندته وبنوده، وعندما أثير الموضوع إعلامياً نفى رئيس جبهة الإنقاذ السابق الدكتور محمد المقريف صحة ما تردد حول أي علاقة له بدعوة إيرانية للقبائل الليبية في المنطقة الشرقية، والواقع أنه نفى علاقته بالدعوة لكنه لم ينفى أن القبائل ذهبت إلى هناك، والحقيقة أن مسيرة المقريف الذى استقال من منصبه كسفير لليبيا في الهند "بالتحديد" وخروجة عن نظام القذافى شيئ يدعو للتأمل. تركيا التي كانت تمارس لعبتها في أفغانستان عبر عبد الرشيد دستم الشيوعي السابق، تمارس لعبتها الأقليمية من منطلق استخدام الإيديلوجيا في ممارسة دورها في تحريك حالة الصراع، فالواقع أن التنظيمات المسلحة التابعة للقاعدة تعمل وفق أفكار إيديولوجية ويتم توظيفها في أطار أهداف استراتيجية لحلف الناتو والذى تعتبر تركيا مقدمته في المنطقة. الحقيقة أن أسطنبول تدرك جيداً أن الحالة المسلحة في سوريا، ستكون أقرب للإنفجار في قلب تركيا، لذلك كان الشاغل التركي ليس نصرة الشعب السورى، وانما محاولة إطالة أمد الحرب بقدر الإمكان حتى يتم تأمين دائرة صراع أخرى لتلك التنظيمات المسلحة، ويتم إعادة توجيه دورها لممارسة لعبة التفكيك والإرباك، والأن تتجه القاعدة لنقل مركز عملياتها إلى ليبيا، وهذا يعنى عملية هجره عكسية لكل التنظيمات المسلحة إلى ليبيا، ومعها كل أشكال الإمداد من السلاح، والسؤال الذى يفرض نفسه، ما الذى سيحدث إذا سيطر السلاح المنفلت على الحدود مع مصر، هل سنعطى الشرق الأوسط الكبير أملاً جديداً ينطلق من ليبيا، الأن يتم أنشاء بيئة معادية في ليبيا وفى السودان وبالطبع من جهة إسرائيل من الشرق، والسؤال هل سنسمح للطوق أن يكتمل، علينا ان ندرك بعمق أن ما يحدث غرباً في شرق ليبيا، يكون هو منصة الهجوم الرئيسية وباقى الجبهات ستتفرغ للتموية والمناورة وتوفير الإمداد. اللعبة الدولية تتشكل في ليبيا تدفعها دول إقليمية تسعى لبناء دورها الاقليمى على حساب مصر، وتؤدى في النهاية إلى إزاحة العوائق أمام أسرائيل التي تحقق لها تدمير البنية التحتية السورية وتسعى إلى اضعاف مصر، وهذا هو التفسير العملى لنظرية بن جوريون التي مفادها " هو مد جسور المصالح مع الدول المحيطة بالمنطقة العربية ( تركياوايران واثيوبيا ) لأن العرب لنا معهم معركة وجود، وللأسف لم تعطينا ايران الفرصة ولا تركيا لتفويت الفرصة على الإستراتيجية الأمريكية، فقط لأن الكل بنى حساباته على حساب العرب، ذلك لأنهم ممارسين للعبة الدولية. أخيراً ... جزء من ممارسة اللعبة الدولية ... هى أن تحافظ على استمرارها ... وفى اللعبة ليس كل شيئ منطقى ... ومصالح العدو والصديق متغيره ... و الحسابات مع تعدد الأطراف تتداخل بشكل غريب ... فلا يمكنك مع الوقت ممارسة القرار دون حسابات تربطك بأطراف على حساب أطراف ... والحسابات للأسف إن زادت عن الحد باتت مربكة وقاتله ... لذلك فإنك تضطر إلى اتخاذ قراراتك بناء على ما تراه صحيحاً ... ومصر على موعد مع قرار استراتيجى في ليبيا لابد أن نبنى معه رؤيا متكاملة تحقق المصالح العليا المصرية بأقصى حد ممكن .