كامل الوزير يرد على منتقدي المونوريل: ليس في الصحراء.. وتذكرته 50% من تكلفة بنزين سيارتك    طفاطف جديدة وخطوط سير في رأس البرّ خلال عيد الأضحى بدمياط    "تنمية المشروعات" يواصل دعم الإسكندرية: تفقد مشروعات بنية أساسية وتوقيع عقد تمويل ب30 مليون جنيه    أبو حطب يشهد استلام ممشى «عصفور الجنة» وميدان الخالدين بعد الانتهاء من أعمال التطوير    منال عوض: التصدي بقوة لمحاولات التعدي بالبناء المخالف خلال عطلة عيد الأضحى    رئيس جامعة أسيوط: الطبيب على سيد كان مخلصا فى خدمة المرضى ومحبوبا بين زملائه    الأمم المتحدة ترد على هجمات إيلون ماسك    2443 حاجًا من 100 دولة يصلون إلى مكة ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للحج    مصطفى بكري: مسؤول كبير سيخلف أبو الغيط في قيادة الجامعة العربية قريبا    الجيش الإسرائيلي يحذر من التوجه إلى مراكز توزيع المساعدات في غزة ويصفها ب"مناطق قتال"    مجلس إدارة الزمالك في جلسة مع اللاعبين قبل نهائي الكأس    الزمالك: رفع إيقاف القيد بعد سداد مستحقات ياسر حمد    ريبيرو: ثقافة الأهلي الفوز دائما.. وهذا ما تعلمته مع أورلاندو بايرتس    رغم الظروف الصحية.. حسين لبيب يقدم العزاء في والدة «الجنايني»    حملة مسائية.. إزالة 1200 حالة إشغال للمقاهي والكافيهات في الجيزة    خبر في الجول - المصري يستفسر عن طلبات الشعباني وموكوينا وبوميل    تقرير: الهلال يسعى لضم كانتي على سبيل الإعارة    إصابة عامل كشري بجرح ذبحي في مشاجرة داخل المحل بالفيوم    حريق محدود بشقة سكنية بطهطا دون إصابات    نتيجة الصف السادس الابتدائي 2025 بالمنوفية    اقتداءً بسنة النبي.. انطلاق تفويج حجاج دول العالم الإسلامي إلى منى لقضاء يوم التروية    بعد العيد... بدء التشغيل الليلي ل«مطعم خوفو» داخل منطقة أهرامات الجيزة    رشوان توفيق ينعى سميحة أيوب: موهبتها خارقة.. وكانت ملكة المسرح العربي    أبرزهم شغل عيال وعالم تانى.. أفلام ينتظر أحمد حاتم عرضها    مي فاروق توجه رسالة نارية وتكشف عن معاناتها: "اتقوا الله.. مش كل ست مطلقة تبقى وحشة!"    مسلم يطرح أحدث أغانيه "سوء اختيار" على "يوتيوب"    شريف عامر: سميحة أيوب قيمة فنية يَصُعب تعويضها.. خسارة كبيرة لمصر والعالم العربي    فيديو.. أحمد السقا يوضح موقفه من مها الصغير عبر بسمة وهبة: مش هرجع بس هفضل سندها    "چبتو فارما" تستقبل وزير خارجية بنين لتعزيز التعاون الدوائي الإفريقي    "صحة المنوفية": استعدادات مكثفة لعيد الأضحى.. ومرور مفاجئ على مستشفى زاوية الناعورة المركزي    إنفوجراف.. كواليس جديدة فى قضية التنقيب عن الآثار أسفل قصر ثقافة الطفل بمدينة الأقصر    محافظ الإسكندرية يشدد على إزالة الإشغالات الحاجبة لرؤية البحر وتجهيز الشواطئ لعيد الأضحى    ماهر فرغلي: تنظيم الإخوان في مصر انهار بشكل كبير والدولة قضت على مكاتبهم    عيار 21 الآن بعد آخر ارتفاع.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 4 يونيو في الصاغة    لأول مرة.. الاحتلال يكشف أماكن انتشار فرقه فى قطاع غزة..صورة    كندا تخطط لإزالة الرسوم الجمركية الصينية على منتجاتها الزراعية    أوربان: انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي «صفقة خاسرة» ستستنزف اقتصاد أوروبا    «قبل ساعات من العيد».. الضأني والماعز يتصدران أسواق الأضاحي بالمنيا عام 2025    وفاة 3 أشخاص إثر حادث تصادم توكتوك وسيارة ربع نقل بكفر الشيخ    ريبيرو يكشف أفكاره لأسلوب لعب الأهلي في كأس العالم للأندية    عيد الأضحى 2025.. خطوات شواء اللحوم بطريقة صحية    قبل عيد الأضحى 2025.. هل يمكن ذبح الأضحية خلال خطبة العيد؟    لتقديم التهنئة والمشاركة في صكوك الأضاحي: وزير الأوقاف يستقبل رئيس الطائفة الإنجيلية والوفد المرافق له.. صور    وزيرة البيئة: ما حدث في الإسكندرية نتيجة لتغير المناخ.. الاستعداد المبكر جنبنا كارثة    هل تكبيرات العيد واجبة أم سنة؟.. أمين الفتوى يُجيب    محافظ الدقهلية: 1161 مواطن استفادوا من القافلة الطبية المجانية    الرعاية الصحية بأسوان تتابع سير الخدمات الطبية بمستشفى المسلة    فرص عمل للمصريين بالأردن براتب يصل إلى 350 دينار.. اعرف التفاصيل    «القاصد» يرأس لجنة اختيار عميد كلية التربية الرياضية بجامعة المنوفية    حزب المؤتمر يقدم ورقة عمل لمجلس حقوق الانسان المصري حول تضمين المبادئ في برنامجه    الشيخ خالد الجندي: من يأكل أموال الناس بالباطل لا حج له    الأزهر للفتوى: الأضحية من الشاة تجزئ عن الشخص الواحد وعن أهل بيته مهما كثروا    وزير العمل يلتقي مسؤولة ب"العمل الدولية" ويؤكد التزام مصر بمعاييرها    تشغيل عيادات التأمين الصحي بالدقهلية خلال عيد الأضحى المبارك.. تعرف على الأماكن والمواعيد    «الأرصاد» تحذر من موجة حارة خلال عيد الأضحى    تطهير وتعقيم ونظافة الأماكن المعدة لصلاة عيد الأضحي المبارك بالقاهرة    رئيس أساقفة الكنيسة الأسقفية يهنئ رئيس الجمهورية وشيخ الأزهر بحلول عيد الأضحى    مهرجان إيزيس الدولي ينعى سيدة المسرح العربي سميحة أيوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منطق الأشياء
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 03 - 2016

فى روايته البديعة «1ق84» (1Q84، نشرت عام 2009)، يقدم الأديب اليابانى هاروكى موراكامى وصفا لتعطل «منطق الأشياء» فى حياتنا البشرية ولاختفاء الحدود الفاصلة بين اللامعقول والعبثى وبين العقلانى والرشيد. على لسان الشخصية النسائية المحورية (أومامه)، يورد موراكامى فى خواتيم روايته عبارات مثل «لم يعد لشىء منطقه منذ ظهرين القمرين، هما سرقا المنطق من كل شىء» (صفحة 1102 من النسخة الإنجليزية)، و«يصعب جدا أن نفسر منطقيا غير المنطقى» (صفحة 1104)، «نحن نشير إلى هذا العالم بمسميات مختلفة. أسميه أنا 1ق84، بينما يسميه هو مدينة القطط. غير أن كل هذا يعنى شيئا واحدا فقط» (صفحة 1135 و1136)، «لا أعتقد إننى أستطيع أن أشرح لك كل شىء قبل أن نصل إلى هناك. ليس لدينا متسع من الوقت. ربما لن يسعفنى كل وقت هذه الدنيا لكى أشرح لك»، (صفحة 1137)، وغيرها من العبارات المشابهة الدالة على تعطل منطق الأشياء التى يأتى بها الرجل المحورى فى الرواية (تينجو كاوانا).
بالأمس انتهيت من قراءة «1ق84»، وما أن ابتعدت عن قراءة النص البديع حتى أدركت سبب جمع هذه الرواية الطويلة (1157 من القطع المتوسط) ذات اللغة والرمزية المركبتين بين تحقيق مبيعات عالمية هائلة (أكثر من مليون نسخة فى اليابان بعد مضى شهر واحد على النشر، ومئات الآلاف من النسخ باللغات الإنجليزية والإسبانية والفرنسية) وبين الحصول على العديد من الجوائز الأدبية المرموقة. إنه الجنون الذى يحاصر الإنسانية، إنه اللامعقول الذى أحاط بكل جوانب حياتنا اليومية وأعجزنا عن إنقاذ المعانى والقيم الجوهرية، أنه تعطل «منطق الأشياء» الذى يصفه مواكامى وينطبق على واقع العالم فى القرن الحادى والعشرين؛ هذا هو سبب نجاح الرواية.
موراكامى هو فرانتس كافكا معاصر. ولا معقول روايته يماثل لا معقول روايات كافكا «التحول» و«الحكم» و«فى مستعمرة العقاب»، ويكتسب قيمته الإنسانية والأدبية من تقاطعه مع الجنون الذى يحاصرنا. كان جنون القرن العشرين، بحربيه العالميتين وبجرائم الإبادة التى ارتكبها الحكم النازى وبالقنبلتين الذريتين اللتين ألقيتا على اليابان وبالتسابق إلى أسلحة الدمار الشامل وبحروب الإبادة فى فيتنام ومواقع أخرى، هو دافع العديد من النخب الفكرية والأدبية لاكتشاف كافكا بعد وفاته (1924) وحافز الكثير من دور النشر العالمية لترجمة أعماله من اللغة الألمانية إلى لغات أخرى. واليوم، يدفع جنون القرن الحادى والعشرين إلى اكتشاف موراكامى وقراءة أعماله.
***
البعض منا يحاول إنقاذ المعانى والقيم الجوهرية للإنسانية ويوظفها لمقاومة الجنون واللامعقول والعبث فى عالم يتعطل به منطق الأشياء. عالم تتراكم به ثروات الأغنياء، ويتعمق به فقر الفقراء. عالم يتواصل إخفاقه فى القضاء على أوبئة وأمراض قاتلة وفى وضع نهاية لوفاة الأطفال وفى التخلص من المجاعات، على الرغم من التقدم العلمى والتكنولوجى المذهل وفائض الموارد فى بلاد الأغنياء. عالم يدمر سكانه النظام الإيكولوجى الذى يمكنهم من الحياة، بينما تتجادل حكوماتهم ببدائية بشأن نسب التلوث المقبولة وحصص التلويث المقننة. عالم تعلن قواه الكبرى منذ 2001 عن حرب على الإرهاب لا هوادة بها، وفى 2016 تستمر عصابات الإرهاب فى ارتكاب جرائمها التى لا هوادة بها ولا حدود لها.
عالم يتنصل من مناهضة التمييز على أساس الدين والمذهب والعرق والرأى ويحتفى بحكام وحكومات وبسياسيين وأحزاب يستندون إلى رؤى تمييزية ويروجون لكراهية الآخر، من حاكم الطائفة العلوية إلى الحكومات السنية التى تواجه الدولة الشيعية وأعوانها ومن رجل الأعمال الذى يريد منع المسلمين من قدوم الولايات المتحدة وبناء جدار للفصل العنصرى بين أغنياء الشمال وفقراء الجنوب إلى أحزاب رجال الأعمال فى بلاد العرب التى تمعن فى تأييد مظالم وانتهاكات الحكومات السلطوية وتتماهى مع تمييزها ضد أصحاب الرأى الآخر.
البعض منا يحاول إنقاذ المعانى والقيم الجوهرية للإنسانية إزاء كل صنوف الجنون واللامعقول والعبث هذه. غير أن «منطق الأشياء» الذى يبحث عنه سرعان ما ينقلب على أعقابه خاسئا وهو حسير.
فقد أوشكت الأفكار الكبرى على الانهيار التام. تنهار الفكرة الديمقراطية على وقع سيطرة من «معهم» على العمليات الانتخابية، ونزوع الحكومات المنتخبة إلى انتهاك الحقوق والحريات وإخضاع مواطنيها للتنصت الشامل باستدعاء الخوف من العنف وخطر الإرهاب، وصعود النازيين الجدد والعنصريين الجدد والمجانين الجدد من دونالد ترامب إلى فراوكه بترى (المسئولة الأولى فى الحركة اليمينية المتطرفة «البديل لألمانيا» التى طالبت الشرطة الألمانية بإطلاق النار على اللاجئين الذين يحاولون اختراق الحدود). تنهار أفكار المساواة والعدالة ذات الخلفية اليسارية إما على وقع انحسار الحكومات التى تطبقها، أو بسبب فشلها التنموى الذريع، أو بسبب تورط نخبها فى فضائح فساد واستغلال منصب كارثية. تنهار جاذبية الالتزام العالمى بحق الشعوب فى تقرير مصائرها إن لتحايل الأقوياء على حق الضعفاء فى تقرير المصير من الشعب الفلسطينى إلى الشعب الكردى، أو لتنصل الأقوياء من حق الشعوب المغلوبة على أمرها فى طلب الحرية كما فى سوريا واليمن وغيرهما. تنهار الإيديولوجيات الدينية التى استغلتها حكومات مستبدة وسلطوية لتمرير ظلمها وجرائمها، وتشبثت المؤسسات التى تمثلها برفض الاعتراف بالحقوق المتساوية للناس بغض النظر عن النوع أو بمعزل عن التفضيلات الجنسية (حقوق المثليين). تنهار، أخيرا، الفكرة الوطنية التى سعت شعوبنا فى بلاد العرب خلال السنوات الماضية إلى إنقاذها بطلب الحرية وبالبحث عن عقد اجتماعى جديد يتجاوز حكم الفرد واستبداد الأجهزة الأمنية ويؤسس لدولة وطنية عادلة وديمقراطية، وانتهى بنا الحال إلى الاعتذار عن المحاولة الديمقراطية أو الانزلاق إلى غياهب حروب العنف والإرهاب وحروب الكل ضد الكل.
***
ولأن «منطق الأشياء» سرعان ما يرتد خاسئا وهو حسير، ليس بمستغرب أن يكتشف الكثير منا وعبر الحدود الفاصلة بين اللغات والثقافات موراكامى ورواياته. وليس بمستغرب أيضا أن يدرك نفر يتزايد يوميا من المهتمين بشئون مجتمعاتهم وشئون الإنسانية خطأ «أن نفسر منطقيا غير المنطقى» أو أن نقاوم أن «القمرين فى عالم 1ق84 سرقا المنطق» من كل ما يحيط بنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.