طبقا للأخبار والتقارير المتواترة فإن هناك انقساما داخل جماعة الإخوان بين فريقين رئيسيين الأول يمثله التيار القديم ويدعو إلى «السلمية»، والثانى يقوده الشباب ويدعو إلى العنف. البعض توهم أن هذا الانقسام يرجع لاتجاه الجماعة لاجراء مراجعات تتضمن الأفكار والمنطلقات والاعتراف بالأخطاء الفادحة التى وقعوا فيها. لكن المفارقة هى ان هناك إصرارا إعلاميا إخوانيا على هذا الانقسام خلافا للعادة والطبيعة الإخوانية الدائمة فى إخفاء أى خلاف أو على الأقل التخفيف منه، فما الذى يدفع الجماعة إلى التباهى أحيانا بهذا الخلاف أو الاختلاف؟!. هناك اعتقاد سيئ النية ان كل هذه الضجة، لم تكن بريئة بالكامل، بل تهدف لإعطاء رسالة إلى الغرب مفادها إن هناك تيارا يؤمن بالسلمية وينبذ العنف. يوم الجمعة الماضية نشرت «الشروق» خبرا فى إطار تغطيتها لرد الفعل الإخوانى على التقرير البريطانى بشأن تقييمه لأنشطة وأفكار جماعة الإخوان، منسوبا إلى أحد المصادر القريبة من الإخوان جاء فيه ان الجماعة علمت بفحوى التقرير البريطانى قبل صدوره بأيام. وبالتالى تحركت الجماعة فى الخارج وبادرت لاتخاذ إجراءات بفصل بعض من يبادر بالدعوة العلنية إلى العنف، حتى يتم إعطاء مبرر لدى بريطانيا لتقول فى تقريرها إن هناك سلميين بالجماعة مقابل تيار قليل يتبنى العنف. إذا صح هذا الكلام الذى اعرف القيادى الإخوانى الذى قاله ويقيم فى لندن الآن فنحن أمام عملية شديدة الانتهازية، مفادها أن كل ما يقال من كلام حول انقسام بشأن العنف ليس صحيحا وفى أحسن الأحوال ليس دقيقا. إذا الجماعة علمت بفحوى التقرير البريطانى مسبقا، فاتخذت إجراءات للتخفيف من شدة هذا التقرير حتى تعطى انطباعا، بأن هناك تيارا رئيسيا يؤمن بالسلمية مقابل فريق ضئيل يؤمن بالعنف. قبل أسابيع قليلة وعندما بدأ الحديث همسا عن وجود انقسام داخل الجماعة بشأن العنف، قال لى أحد المتابعين بدقة للجماعة إنه يتمنى أن يكون ذلك صحيحا، لكنه يعتقد انه تقسيم أدوار وليس انقساما واضحا. هذا الرجل يعتقد ان الجماعة هى المستفيد الأكبر من وجود هذا الانقسام الشكلى، لأنها ستتمكن من ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد. أولا : لا يمكن للدول والجهات الخارجية ان تستمر فى دعم ومساندة الجماعة وإعادتها للمشهد السياسى إلا اذا التزمت الاخيرة بالسلمية ولو شكلا، لأن بديل ذلك أن تدعم هذه البلدان جماعة تتبنى العنف رسميا، وبالتالى لم يكن ممكنا ان تستمر الجماعة فى رفع لواء العنف بالصورة الفجة وإلا خسرت ما تبقى لها من تأييد فى أوروبا وأمريكا. تركيا قبلت أن تعلن الجماعة من أراضيها بيان «نداء الكنانة» قبل شهور حيث تبنى التنظيم الدولى رسميا العنف والإرهاب فى مصر وهدد فيه المستثمرين والدبلوماسيين الأجانب وغازل الإرهابيين فى سيناء. لكن كان يصعب على أوروبا وأمريكا أن تدعو لدمج الجماعة فى العملية السياسية من دون حتى تخلى الأخيرة عن العنف ولو بصورة شكلية. العصفور الأهم أن هذه البيانات الداعية للسلمية لن تغير الواقع كثيرا على الأرض، لان مجموعة الشباب أو الإدارة الجديدة وهم الأغلبية الراهنة أعلنوا استمرارهم فى العنف أو «الحراك الثورى» وبالتالى ستضمن الجماعة ان يكون كبار قادتها يدعون إلى السلمية فى حين أن القاعدة العريضة تمارس العنف بالفعل. وثالثا: فإن المفارقة هى أن الكبار الذين دعوا إلى السلمية كانوا انصار العمل العنيف طوال الفترة الماضية، ويطلق عليهم «القطبيون» دلالة على تشددهم، وبالتالى فهناك معضلة فى استيعاب كيف صار الصقور حمائم فجأة، إلا إذا حصلت معجزة، ينبغى أن نعرف أولا ما هى؟!. فى كل الأحوال أتمنى أن تكون القراءة السابقة بأكملها خاطئة، وأن يكون هناك تيار حقيقى داخل الإخوان يدعو للسلمية، ويحسم أمره ويجرى عملية مراجعة حقيقية لكل تاريخ الجماعة.. والسؤال هل هذا الأمر محتمل الآن فعلا، أم أن كل ما يحدث مجرد توزيع أدوار؟!.