تمتلك مصر تاريخا طويلا من اقتناص العسكريين لمقاعد تحت قبة البرلمان، فالعديد منهم يتجهون إلى ممارسة العمل السياسي عبر مجلس النواب، فأسماء لامعة لقادة وضباط سعوا لممارسة دور برلماني، بداية من أول رئيس لمجلس النواب إسماعيل باشا راغب، مرورا بأنور السادات وخالد محي الدين، وصولا إلى سعد الجمال وسامح سيف اليزل. مع بداية إرهاصات قيام حياة نيابية في مصر، تم اختيار إسماعيل راغب أول رئيس لمجلس النواب في العام 1866، وحصل على رتبة "ملازم أول" بترقية من محمد علي باشا قبل أن يحصل على رتبة بكباشي (مقدم)، ثم قائمقام (عقيد)، ثم أميرالاي (عميد). بعد ثورة 23 يوليو، دخل معظم الضباط الأحرار مجلس الأمة، فالضابط عبد اللطيف البغدادي، أحد أعضاء تنظيم الضباط الأحرار، انتخب كأول رئيس لأول مجلس نيابي بعد قيام الثورة، والرئيس الراحل أنور السادات ترشح للانتخابات عن دائرة تلا محافظة المنوفية في عام 1957، وفاز بالعضوية لثلاث دورات متالية، تولى خلالها رئاسة مجلس الأمة مرتين. ومن الضباط الأحرار أيضا، خالد محي الدين عن دائرة كفر شكر عام 1957، علوي حافظ عن دائرة «الدرب الأحمر والباطنية» في ستينات القرن العشرين، كمال الدين حسين عضو مجلس قيادة الثورة عن دائرة بنها، ومجدي حسنين عن دائرة قصر النيل. شهدت الانتخابات البرلمانية الحالية في العام 2015 "غزو" ملحوظ من قبل العسكريين لعديد من المقاعد على المستويين الفردي والقائمة، ورغم أن الأمر ليس بالظاهرة الجديدة وإنما الزيادة الهائلة في أعدادهم هذه المرة استرعت الانتباه ولفتت الأنظار وتباينت حولها الأراء، بين مؤيد يرى فيهم الالتزام والانضباط المطلوب، وآخر معارض يطالب بإبقائهم محايدين في تلك المرحلة من عمر الوطن. وسط 64 نائبًا فازوا بعضوية مجلس النواب من الجولة الأولى، توجد نسبة 7.8 % بينهم من العسكريين، وذلك في إطار المرحلة الأولى من الانتخابات فقط، حيث فاز بقائمة شمال ووسط وجنوب الصعيد اللواء سعد الجمال، مساعد وزير الداخلية، واللواء يحيى كدوانى، وكيل المخابرات العامة سابقا، والمقدم عبدالنبى محمد الشعينى. وفي الإسماعيلية، فاز ضابط الشرطة السابق هشام محمد أحمد محمد عمارة، بالإضافة إلى اللواء يحيى عيسوى عبدالفضيل عيسوى، فيما تمكن مساعد رئيس هيئة الرقابة الإدارية السابق اللواء محمد صلاح أبو هميلة من خوض جولة الإعادة بالعياط. في بيان ل"جبهة العسكريين المتقاعدين" ذكر مؤسسها اللواء مدحت الحداد، أن التناحر السياسي بين الأحزاب وتحركات التيار الديني، كانت أكبر الاسباب وراء ترشح العسكريين على العديد من المقاعد بالفردي والقائمة في تلك الانتخابات النيابية، وأضاف أن قرارات الترشح من جانب رجال الجيش والشرطة تأتي " لإنقاذ البلاد"، واختتم تصريحاته قائلا "نحن نقدم أنفسنا فداء للوطن وحماية أراضيه". أستاذ علم الإجتماع السياسي سعيد صادق أوضح، أن هناك أمران يتحكمان في ظهور العسكريين بالمؤسسات التي لايستثنى منها "البرلمان"، أولا طبيعة مصر كدولة صنعها في شكلها الحديث "محمد علي" وهو رجل عسكري، كما أن المتغيرات التي تعرضت لها مصر من حروب وإضطرابات فرضت الصبغة العسكرية علي العديد من المناحي. وأضاف صادق، الأمر الثاني الذي ساهم في وجود الجنرالات ضمن خريطة برلمان 2015، هو "السياق السياسي" الذي وفقا له تتحدد شكل النخب السياسية، ففي وقت ما طغي علي مصر"رجال القانون" اللذين كافحوا الاستعمار، و "قامات الاقتصاد" كطلعت حرب ورفاقه، وفي الوقت الذي تصدر فيه الدولة محاربتها للإرهاب فمن الطبيعي أن نري "ضباط وعسكريون" داخل المجلس النيابي. وكان عدد لا يستهان به ممن لم يحالفهم الحظ، من قيادات الجيش والشرطة، ممن أعلنوا ترشحهم للانتخابات البرلمانية، أبرزهم اللواء سفير نور، مساعد وزير الداخلية الأسبق، وفي أسيوط العقيد محمد عبد اللاه، نائب مأمور قسم ثان، وكل من حسام خيرالله، وكيل جهاز المخابرات السابق، و اللواء سمير سلام، محافظ الدقهلية السابق، واللواء سيف الإسلام عبدالبارى، نائب محافظ القاهرة السابق ضمن قائمة جنوب ووسط الدلتا. واللواء نجيب عبد السلام قائد الحرس الجمهوري السابق، قد أعلن ترشحه بالفيوم، وفي الزقازيق اللواء أركان حرب حسن محمد السيد، بينما خاض السباق اللواء مرسى محمدين خلف الله وكيل جهاز المخابرات السابق بمحافظة الوادى الجديد. وجاءت قائمة «في حب مصر » لتضم العدد الأكبر من أفراد الجيش والشرطة ب7 من المرشحين أبرزهم اللواء سامح سيف اليزل، إلى جانب اللواء كمال عامر، مدير المخابرات الحربية الأسبق، تلاها قائمة "تحالف الجبهة المصرية" و"تيار الاستقلال"، والتي ضمت اللواء عصام الدين محمد بدوي، والعميد يونس أبو جبير.