سعر العملة ليس وحده وراء تراجع الصادارات.. وما يحدث فى اليونان سينعكس على الأسواق فى الوقت الذى تعرف فيها اسعار السلع فى كل دول العالم الصعود والهبوط، فإن الحال مختلف فى مصر فلا تعرف السلع الا حالة واحدة وهى الصعود، بزعم ارتفاع العملة «الدولار» المربوط بعملتنا المحلية «الجنيه» الا ان الواقع والارقام تؤكد ان اعتماد مصر على العملة الامريكية يقل عن 30% من حجم التجارة، حيث النصيب الاكبر للعملة الاوربية «اليورو» التى انخفضت بشكل كبير فى الاشهر الماضية دون أن ينعكس ذلك على الاسعار. فاسعار السلع فى مصر يجب ألا تتأثر فى الأسواق لأن الجهات (الدول) التى نستورد منها عملتها ضعفت وأصبحت رخيصة بالنسبة لنا، ومع ذلك مازالت الاسواق تشهدت ارتفاعات كبيرة. فالشريك الاساسى لمصر هو أوروبا والجنيه قوى جدا «أمام» اليورو فى الفترة الأخيرة، حيث نزلت العملة أوروبا إلى 8.70 جنيه من 9.75 جنيه، «يعنى لازم الاسعار تنزل». وما ينطبق على اوروبا ينطبق على عدة اسواق انخفضت فيها العملة فاسعار اللحوم المستورة من البرزايل مثلا، مازالت مرتفعة مقارنة بالحالة خفض العملة البرازيلية والحال كذلك فى تركيا والعديد من الاسواق خاصة المرتبطة باوروبا، وتفسير ذلك بحسب متابعين للسوق شجع التجارة والمستوردين وترك السوق لهم فترات طويلة دون ادارك لطبيعة الحالة الاقتصادية المصرية الحالية، وان الربحية التى كانت تصل إلى اكثر من 50% قبل ثورة يناير لا تناسب الظرف الحالى. ويطرح ارتفاع الاسعار الاخيرة وما حدث من ارتفاع للدولار الاسبوع الماضى بنحو 20 قرشا ضرورة اتخاذ قرار، بالاعتماد على سلة عملات وليس عملة واحد وهى الدولار، ونسف موروث ثقافى لا سند له اقتصادى. فالتعامل التجارى والسياحى مع الدول التى لا تعامل بالدولار هو الاكبر. والاستمرار فى الربط يعنى اغتيال الجنيه. وحسب متعاملين داخل السوق فإن قرار المركزى بالتحرك قد يكون متأخرا فى المرة الاخيرة، ولكن هناك معلومات يمتلكها الرقيب وحده تجعله يختار التوقيت، فليس صحيحا ان تراجع الصادرات يتحمله فقط قرار العملة، خاصة اذا وضعنا فى الاعتبار ان المنتج المصدر من مصر غير منافس بالشكل الذى نتحدث عنه، والاساس فيه حاصلات زراعية مرتبطة بموسم معين دون انكار ان سعر العملة يلعب دورا كبيرا فى العملية. كانت هناك انباء تفيد ان عددا من المصدرين بحثوا عن اسواق يتم التصدير من خلالها إلى الاسواق التى يتعامل معه للحفاظ على العملاء والوكلاء فى تلك الاسواق، وكانت بيروت وبنجلاديش وغيرها محطات لتحقيق ذلك للاستفادة من تراجع العملة فى تلك الاسواق. وانخفضت صادرات مصر غير البترولية فى الفترة بين يناير ومايو من العام الحالى 20.1 % لتسجل 59.954 مليار جنيه، وفشل الصادارت فى تحقيق المستهدفات المقررة، واخفق نحو 12 مجلسا تصديريا عن تحقيق المستهدف الخاص بهم خلال الخمسة شهور الاولى من العام الحالى 2015، حيث كشفت التقارير الصادرة عن الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات تراجعهم للشهر الخامس على التوالى لتخسر تلك المجالس نحو 3.6 مليار دولار من اجمالى المستهدف وهو 11.6 مليار دولار. واعتبر المركزى الحركة الاخيرة للعملة عادية ولم تزيد عن 2.5 % وهذا يحصل كثيرا فى الأسواق دون استهداف سعر محدد (للدولار). وقال مصرفى مسئول ل«مال واعمال» ان مجتمع الاعمال فى مصر يرفض أى قرار بالعملة سواء كان يستهدف الخفض أو الزيادة، فقد تم التحرك بنحو 10% امام الدولار فى الشهور الخمسة الماضية وهو رقم كبير جدا، فاشتكى الجميع، وعدم كونه لا يتم التحرك لفترة طويلة قبل الثورة وحتى خلال العام والنصف الاول من بعدها وتم تدعيم الجنيه على حساب الاحتياطى والشكوى موجودة ايضا، وفى رأيه البحث عن ايجابيات القرارات المتعلقة بضبط السوق هو الاهم فقد تم القضاء على السوق غير الرسمية، بوجود سعر واحد للعملة، وتوفير كل الاشياء الهامة دون نقص. «ما تم توفيره للمحطات الكهرباء من وقود وسداد التزامات الاجانب وشركات البترول وشراء السلع ساعد فى تنفيذه الاجراءات الاصلاحية التى تمت فى سعر الصرف، مع الاشارة إلى قلة الموارد مقارنة بفترات سابقة» اضاف المصدر، مؤكدا ان القرار الاخير كان ينظر إلى الاستثمار الذى بدونه لن تعيش مصر. والهدف الكامن وراء الخفض يرجع إلى وصول سعر العملة المحلية إلى السعر العادل لها، لجذب المستثمر الأجنبى الذى يبحث عن أسواق تحقق له الاستثمار الآمن لأمواله، والخروج من السوق بدون خسائر، مؤكدا أن القرارات التى اتخذت قبل مؤتمر شرم الشيخ كانت تراعى كل تلك الظروف دون تجاهل هدف آخر يستهدف دعم الصادرات المصرية إلى العالم، خاصة إلى الاتحاد الأوروبى أكبر شريك تجارى لمصر. واتخذ البنك المركزى المصرى يوم 4 فبراير 2015، عدة إجراءات فنية لضبط سوق الصرف أهمها وضع حد أقصى للإيداع النقدى «كاش» بالدولار الأمريكى، بحد أقصى 10 آلاف دولار يوميا من الأفراد والشركات، وإجمالى إيداعات شهرية بحد أقصى 50 ألف دولار «كاش» بالبنوك العاملة بالسوق المصرية، وأتاحت تلك القرارات القضاء نهائيا على تعاملات السوق السوداء فى اليوم التالى لتنفيذ هذا القرار، مع إتاحة البنك المركزى المصرى لشركات الصرافة بارتفاع لهامش الربح بنحو 5 قروش كاملة فوق السعر الرسمى، حركها بعد ذلك إلى 10 قروش، الذى استقر على مدى أكثر من 6 أشهر عند 763 قرشا، قبل أن يحركه البنك المركزى المصرى بنحو 20 قرشا على جلستين لعطاءات العملة الصعبة.. ويساعد قرار تخفيض الجنيه المصرى أمام الدولار على جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة أو غير المباشرة، ويشجع أكثر على التصدير مقابل الاستيراد، إلا أنه فى نفس الوقت قد يساعد على ارتفاع أكثر فى أسعار السلع اذا لم تكن هناك رقابة جيدة. ولا يستبعد المصدر زيادة فى المشكلات والازمات العالمية فى ظل تعقد المشكلة الاقتصادية اليونانية بنتيجة الاستفتاء الذى أجرى يوم الأحد الماضى هناك، والذى جاءت نتيجته برفض الشروط الدولية لحزمة المساعدات الدولية للدولة الأوروبية التى تقع فى جنوب شرق القارة العجوز، واهتمام العالم بها، نظرا لخطر العدوى المالية والاقتصادية التى من الممكن أن تطول دولا أخرى مثل إسبانيا والبرتغال وإيطاليا وغيرها، مؤكدا ان التوقيت مناسب من البنك المركزى المصرى لخفض سعر الجنيه أمام الدولار واليورو، كحركة استباقية وتصحيحية فى سوق الصرف تحسبا للأحداث المتوقعة للأزمة العالمية التى تلوح فى الأفق، والتى سوف يكون اثرها كبيرا جدا وربما يقترب من آثار الازمة المالية فى 2008.. وعلى خلفية تلك الاحداق قد يعجل المركزى عودة الإنتربنك الدولارى للعمل بكامل طاقته بعد التدفقات الاستثمارية التى تستهدفها الحكومة المصرية، والتى تصل إلى عدة مليارات من الدولارات، وهو ما يؤكد أن المؤشرات الاقتصادية فى طريقها للتحسن الكبير خلال الفترة القادمة، فى ظل إجراءات إصلاحية وتشريعية، دفعت مؤسسات التصنيف الائتمانى إلى رفع تصنيف مصر مرة أخرى بعد سلسلة تخفيضات متتالية، ورؤية متفائلة من قبل تلك المؤسسات، كان آخرها من قبل صندوق النقد يوم الخميس الماضى، أبقى صندوق النقد الدولى، فى تقريره حول مستجدات آفاق الاقتصاد العالمى على توقعاته لنمو الاقتصاد المصرى بمعدل 4% خلال العام الحالى. وتستهدف الحكومة المصرية تحقيق معدل نمو 5% خلال العام المالى 2015/2016 الحالى وفقا لمشورع الموزانة العامة.