تلقي الجنيه مجموعة ضربات سريعة ومتلاحقة علي مدي الأسبوع الماضي, وحقق رقما قياسيا جديدا في الانخفاض أمام الدولار, إذ خسر خلال الأسبوع الماضي فقط%3 من قيمته امام الدولار في السوق الرسمية, و8.25% في السوق الموازية, ونحو21% منذ25 يناير2011. ويأتي هذا الانخفاض انعكاسا للأوضاع الاقتصادية التي تمر بها مصر منذ أربع سنوات حيث تراجع رصيد احتياطيات مصر الدولية من النقد الأجنبي من35 مليار دولار إلي15.3 مليار دولار وخروج العديد من المليارات, والتراجع الحاد في إيرادات السياحة, وانحسارتدفقات الاستثمار المباشر, وعجز ميزان المدفوعات, وغيرها من المشكلات التي تزيد الضغط علي قيمة الجنيه. المركزي قرر فجأة خفض قيمة الجنيه أمام الدولار, رغم تعهد هشام رامز محافظ البنك المركزي بالقضاء علي السوق الموازية, لكن ماحدث الأسبوع الماضي في سوق الصرف, يطرح العديد من التساؤلات حول اسباب عدم وفاء رامز بتعهده وارتفاع سعر صرف الدولار أمام الجنيه, وما الهدف من ورائه, وهل هذا نتيجة طبيعية لآليات السوق أم عملية مقصودة من المركزي, وما السعر الذي يستهدفه, وهل تستمر هذه الموجة من الارتفاعات؟.. وما أثر ذلك علي التضخم؟. الأهرام المسائي استطلع رأي خبراء اقتصاد ومحللين مصرفيين, وتجار, للتعرف علي رؤيتهم ومقترحاتهم لما يحدث في سوق النقد الاجنبي, فماذا قالوا.. توقع خبراء ومحللون مصرفيون أن يواصل سعر صرف الدولار ارتفاعه في السوق الرسمية خلال الأشهر المقبلة ليصل الي مستوي يتراوح بين12 و15 جنيها لتشجيع الاستثمار. وأرجعوا ارتفاع الدولار إلي الطلب المتزايد عليه من قبل مستوردي السلع الغذائية ومستلزمات الانتاج, مؤكدين ان المركزي كان يستهدف خفض الفجوة بين سعري الدولار بالسوقين الرسمية والموازية. أكدت الدكتورة سلوي العنتري الخبيرة الاقتصادية ورئيس مركز البحوث بالبنك الاهلي سابقا, ان اداء الاقتصاد الحقيقي وتعافيه مرتبط بزيادة التدفقات النقدية, من أجل تغطية وارداته الاساسية من مستلزمات انتاج وسلع وخدمات, لكن الوضع الحالي ينم عن هشاشة شديدة نتيجة لانخفاض معدلات السياحة وايراداتها, وانحسار تدفقات الاستثمار الاجنبي, وزيادة الواردات, ونقص الانتاج المحلي, وضعف الصادرات التي لا تغطي إلا40% فقط من الواردات, مشيرة الي ان ما يحدث في سوق النقد الاجنبي ماهو إلا مجرد سباق علي سعر الدولار في السوقين الرسمية والموازية. وقالت إن خفض قيمة الجنيه امام الدولار امر حتمي في ظل انخفاض الموارد من النقد الاجنبي وللحفاظ علي الرصيد المتبقي من الاحتياطي النقدي, لكنها استبعدت ان يصل سعر الدولار في السوق الرسمية الي السعر المتداول في السوق الموازية, مؤكدة أن الأسعار الاخيرة كمؤشر لا تعكس الطلب علي الاحتياجات الحقيقية للاقتصاد المصري. وأوضحت سلوي العنتري ان حدة المضاربات ارتفعت مع بداية يناير حيث بدأ سعر الدولار في التحرك صعودا وبوتيرة اسرع عما كان عليه في شهري نوفمبر وديسمبر, وقد لجأ المضاربون لتعطيش السوق طمعا في تحقيق الربح السريع مستغلين حاجة مستوردي السلع الكمالية للدولار, وتزامنا مع موعد سداد اقساط نادي باريس. ونفت د. سلوي ان تكون عطاءات البنك المركزي قد فشلت في ضبط سوق الصرف, مؤكدة انها أسهمت في تغطية عدد كبير من طلبات واحتياجات عملاء البنوك خاصة من مستوردي السلع الغذائية والتموينية والادوية ومستلزمات الانتاج. وعن السعر المستهدف الوصول إليه, قالت إن البنك المركزي شرع في اجراء تخفيض قيمة الجنيه, وعلي ما يبدو أنه يستهدف سعرا معينا قبل المؤتمر الاقتصادي. وأكدت أن تخفيض قيمة الجنيه له اثر ايجابي واخر سلبي, فبينما يتعلق بالأثر الاول فإنه قد يؤدي إلي رخص أسعار المنتجات والخدمات أمام العالم الخارجي وبالتالي زيادة الصادرات وتنشيط السياحة, وتشجيع تدفق رؤوس الأموال الأجنبية, وفيما يتعلق بالاثر الآخر فإنه سوف يؤدي الي ارتفاع أسعار الواردات من الغذاء والسلع المختلفة, وارتفاع تكلفة الوقود والانتاج الصناعي المحلي, لتكون النتيجة اشتعال معدلات التضخم. وأكدت أن المساعدات الضخمة الواردة من الدول العربية أسهمت بشكل كبير في استقرار سعر صرف الدولار, وتغطية احتياجات مصر الداخلية والخارجية, ورغم ذلك مازال الاقتصاد هشا ويحتاج الي التعافي. ومن جانبها اعتبرت الخبيرة المصرفية بسنت فهمي, قرار المركزي بخفض قيمة الجنيه امام الدولارخطوة جيدة, ولكنها تأخرت كثيرا, وكان ينبغي تخفيضه بمقدار20% علي الاقل عقب ثورة30 يوينو, مؤكدة ان هذا التخفيض في مصلحة المؤتمر الاقتصادي, وضد مصلحة المستفيدين الذين يستوردون القطن, والسمك من فيتنام بأسعار رخيصة ويتحكمون في قوت90 مليون مصري, مشيرة الي ضرورة تغيير السياسات الاقتصادية التي كانت تنتهج في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك, واعتماد المصريين علي العالم الخارجي في توفير احتياجاتهم الاساسية من غذاء ومنتجات صناعية وسلع رأسمالية, وأغلقت العديد من المصانع بسبب رخص اسعار المستورد. وتساءلت عن إصرار البنك المركزي المصري علي دعم الجنيه وانتهاج سياسة مخالفة للسياسة التي تتبعها الصين التي تحافظ علي انخفاض قيمة عملتها لزيادة الصادرات, رغم الضغوط العنيفة التي تمارسها عليها الولاياتالمتحدةالامريكية لإجبارها علي رفع قيمة اليوان, موضحة ان من مصلحة مصر خفض قيمة الجنيه لتشجيع التصدير بدلا من دعم المصدرين, وجذب المستثمرين, لانه كلما انخفضت قيمة العملة اصبح دخول الاستثمار ارخص. وقالت بسنت فهمي ان درسات الجدوي التي يجري إعدادها حاليا من جانب بعض الشركات التي تعتزم الاستثمار في مصر في الفترة القادمة قد عملت حساباتها علي اساس ان سعر الدولار مقابل الجنيه سوف يرتفع الي ما بين12 و15 جنيها, لتدبير احتياجات المشروع من استيراد معدات ومستلزمات انتاج وبما يضمن تحقيق الارباح وتحويلها. وأضافت أن العطاءات التي يطرحها البنك المركزي ليست حلا, لان الاحتياطي من النقد الاجنبي سوف يستنزف, وينبغي ان يغطي الالتزامات الخارجية من اقساط الديون والفوائد, ويغطي استيراد السلع الاساسية والغذائية والتموينية والادوية واحتياجات المصانع من المواد الخام لمدة سنة قادمة في ظل الظروف الحالية, مؤكدا ان الاحتياطي الحالي لايكفي ربع هذه السلع. وطالبت بتطبيق نظام التعويم الكامل, اي ترك سعر الصرف يتحدد وفقا للعرض والطلب بشرط عدم تخلي الدولة عن دورها في دعم السلع الاساسية وقيام هيئة السلع التموينية بالاستيراد لمدة عام ونصف, حتي تتمكن الدولة من تنفيذ المشروعات القومية التي اعلن عنها الرئيس عبد الفتاح السيسي وأبرزها زراعة المليون فدان, بغرض توفير الاحتياجات محليا, وطالبت بعودة القرار الذي ألغاه فاروق العقدة المحافظ السابق للبنك المركزي, والذي ينص علي: اي سلعة يتم استيرادها بغرض الاتجار يغطيها العميل من ماله الخاص بنسبة100%, كما طالبت بمنع استيراد السلع الترفيهية لمدة6 أشهر, مؤكدة انه من الاهمية لتحقيق زيادة كفاءة النقد الاجنبي في ظل الظروف الحالية لابد من تحديد أولويات الاستيراد. واكدت بسنت فهمي اهمية توجيه الاستثمارات الي مشروعات تسهم في زيادة حركة التصنيع من أجل التصدير, والمشروعات التي تؤدي الي زيادة الموارد من النقد الاجنبي. وقالت إن الاقتصاد المصري امامه مستقبل مبهر في ظل التباطؤ والانكماش الذي تعانيه منطقة اليورو وكذلك الصين, وان المنطقة الوحيدة المرشحة لتحقيق معدلات نمو اقتصادي هي منطقة الشرق الاوسط. وقال احمد قورة خبير مصرفي ورئيس البنك الوطني الاسبق: إن ارتفاع الدولار بمقدار خمسة قروش يوميا, اسلوب غير صحيح, ويعطي انطباعا بعدم وجود ارصدة نقدية كافية, مما يشعل اسعار الصرف في السوق الموازية, وكان ينبغي ان تكون الزيادة بمقدار قرش او قرشين ثم يتوقف. وأكد أن الارتفاع الذي شهده الدولار يعود في الاساس الي زيادة حجم الطلب علي شراء الدولار بالبنوك من قبل المستوردين, وان البنوك تلبي الطلبات الاساسية مثل السلع الغذائية والمواد الخام, في حين يتجه مستوردو السلع الكمالية للسوق الموازية مما أدي الي صعود سعر صرف الدولار, مؤكدا ضرورة ان يتراجع المستوردون عن استيراد السلع الكمالية, خاصة ان هذه السلع لايستفيد منها السوق وتمثل ضغطا علي النقد الاجنبي, حرصا علي الاقتصاد, وحظر استيراد السلع التي لها مثيل محلي لتخفيف الضغط علي الدولار. وأرجع قورة هذه الارتفاعات الي وجود تخطيط من جانب المركزي لترك الجنيه يقترب من قيمته الحقيقية في السوق السوداء دون أي تدخلات, وتوقع ان يتجه سعر الدولار للارتفاع بالبنوك ليصل الي عشرة جنيهات, لافتا الي انه لا توجد لدي الجهاز المصرفي موارد مؤكدة تعيد سعر الصرف الي ما كان عليه. وقال إن عطاءات البنك المركزي التي طرحها لبيع الدولار للبنوك كان هدفها ضبط سعر الدولار, ولكن تمت إداراتها باسلوب خاطئ, وكان من الافضل طرحها بسعر فائدة.