• درس التسويق فى جامعة نيويورك ويدير مصانع والده بالقاهرة.. وانضم إلى جبهة النصرة قاصدا الشهادة ونصرة الشعب السورى • أبوعبادة بعد عودته إلى مصر: جلست فى أسرة إخوانية وترددت على حلقات درس سلفية • أعضاء "النصرة" يفطرون رمضان بحجة المشقة والجهاد.. ويجيزون قتل الأطفال والنساء من العلويين والشيعة والدروز • تمويل الجبهة يعتمد التبرعات من الجمعيات الخيرية الإسلامية.. والغارات على مخازن نظام الأسد • معظم السوريين المنضمين ل"النصرة" أميون لا يجيدون القراءة والكتابة.. وعناصر تركية تسهل تهريب المقاتلين عبر أنطاكية مع ظهور «إسلام يكن» الشاب المصرى المنتمى لتنظيم «داعش» الإرهابى، انتبه كثيرون إلى أن الجماعات الإرهابية حطمت ثلاثية «الجهل والفقر والتهميش»، وأصبحت تلقى بشباكها على أبناء الأغنياء، الذين تخرجوا من جامعات خاصة أو أجنبية، ويعملون فى وظائف مرموقة، وبدأت أنظار الباحثين تتجه نحو الفكر التفكيرى وقدرته على جذب هؤلاء. «الشروق» تكشف النقاب عن تجربة جديدة لأحد هؤلاء الشباب الأثرياء، الذين انضموا إلى الجماعات الإرهابية، تحت زعم «الجهاد»، وإن كانت تجربته لم تستغرق وقتا طويلا. «انضممت لجبهة النصرة قاصدا الشهادة ونصرة السوريين، لكنى اكتشفت أفكارهم التكفيرية بسرعة وتركتهم».. هذه العبارة تلخص تجربة شاب مصرى من أسرة غنية إلى حد كبير مع «جبهة النصرة» فرع تنظيم القاعدة فى سوريا، التى انضم إليها للقتال ضد نظام الرئيس السورى بشار الأسد. «الشروق» التقت «أبوعبادة» فى فيلته فى إحدى ضواحى القاهرة الجديدة، والذى يبلغ من العمر 32 عاما، درس التسويق فى فرع جامعة نيويوركبالقاهرة، ثم بدأ فى إدارة أحد مصانع والده، ويتقن اللغتين الإنجليزية والفرنسية، ويمارس رياضة الكرة الطائرة، ويجيد الرماية. انضم «أ.خ» إلى جبهة النصرة فى أغسطس 2012، بعد شهرين فقط من إعلان تشكيلها فى سوريا، حيث كانت وقتها امتدادا لتنظيم الدولة الإسلامية فى العراق، قبل إعلان أبى محمد الجولانى قائد «جبهة النصرة» انفصاله عن أبوبكر البغدادى ومبايعته لزعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهرى، لكنه لم يستطع البقاء بين صفوف الجبهة أكثر من شهر فقط. «ذهبت قاصدا الشهادة ونصرة السوريين من طاغية، وتحرير المساجد التى أغلقها الأسد، حتى يتاح بعدها دعوة المواطنين للحكم فى ظل الخلافة الإسلامية».. هكذا قال «أبوعبادة» عن أسباب سفره للقتال فى سوريا. وأضاف: كانت القاهرة وقتها تحت حكم جماعة الإخوان، بينما تتصدع الجبهة الداخلية السورية إثر معارك مستمرة بين قوات النظام والعناصر المسلحة فى الثورة، فزاد نشر صور الضحايا والقتلى من الأطفال والنساء والنازحين على الحدود، فضلا عن روايات أصدقاء لى داخل سوريا، عما يفعله بهم نظام الأسد. كان الشاب الثلاثينى يتردد كثيرا على حلقات الدرس لبعض مشايخ التيار السلفى بمساجد القاهرة، ثم انضم إلى إحدى أسر جماعة الإخوان، لوقت لم يطل، حيث فصله مسئول الأسرة بعد القبض عليه فى مظاهرة للجماعة دون إبلاغه. وأضاف أبو»عبادة»: أفصحت لأحد معارفى بأننى أريد الالتحاق بإحدى الجبهات الإسلامية فى سوريا، ولم أحدد جبهة بعينها، قلت فقط إسلامية، فلم أكن أعرف شيئا عن جبهة النصرة أو غيرها، وكنت أخشى الانضمام لفصيل غير إسلامى، فأنا كنت أنشد الشهادة، وخشيت أن يكون لغير الإسلاميين سلوكا غير ملتزم فى لحظة الموت. حصل «أبو عبادة» على تأشيرة سياحية للذهاب إلى تركيا، حيث كان ينتظره أحد المهربين، فى مدينة أنطاكية التركية، للعبور به إلى ريف إدلب السورية. وكانت أنطاكية وقتها ملجأ للنازحين ومنظمات الإغاثة، ومرسى للمقاتلين القادمين من دول مختلفة للقتال ضد نظام الأسد. ظل أياما ينتظر جواز مروره للانضمام إلى «جبهة النصرة»، وحصل على الإجازة الشرعية التى حظى بها عن طريق أحد رجال التنظيم الموثوق به، ليبدأ تجربة انضمامه للتنظيم، والتى لم تستغرق أكثر من ثلاثين يوما، حيث بدأ من اللحظة الأولى يسجل ملاحظاته الفكرية والدينية على أعضاء وممارسات التنظيم، ليفكر فى طريق العودة. بعد ليلتين قضاهما فى أحد فنادق تركيا، تسلمه المهرب المكلف بمرافقته، الذى كان يعرف بوصوله عن طريق وسيط من القاهرة وبالترتيب مع التنظيم فى سوريا، أعطاه ملابس عسكرية (زيه التنظيمى) واصطحبه فى سيارته للعبور به بين الحقول الحدودية، ليجد نفسه فى ريف إدلب، حيث تفقدا المناطق المحررة وشاهدا مواقع العمليات والاشتباكات مع الجيش السورى، حتى وصلا إلى «المخفر» الذى يقيم فيه عناصر الجبهة. كان أول شىء يعلمه بعد وصوله إلى سوريا، أنه سيبقى بإدلب فترة للتدريب على السلاح، وكان يقطع مسافة كيلومترين من معسكر التدريب إلى «المخفر» الذى يقيمون فيه كل يوم، حيث يتمكن من المشاركة فى عمليات عسكرية صغيرة، حتى يذهب إلى مواقع قتال أشد مثل «حلب»، واشترى بنفسه كلاشينكوف ب1500 دولار وتدرب عليه. أقلع «أبوعبادة» عن التدخين قبل أسابيع من سفره، لكنه عاد يدخن منذ رجوعه إلى القاهرة. يقول: بدأت أصطدم بأفكار وممارسات لأعضاء التنظيم تخالف عقيدتى، حيث وصلت سوريا قبل يومين من انتهاء شهر رمضان، فوجدتهم مفطرون بحجة أنهم فى جهاد ومشقة، ثم جاء وقت البيعة لأمير المهاجرين، الذى ننتسب له باعتبارنا أجانب من خارج سورية ويفرض على المبايعين الولاء والطاعة المطلقة لكل أوامر الأمير. وأضاف «اصطدمت مرة أخرى بأحكام تكفيرية أوجبت قتل العلويين والشيعة والدروز ونسائهم وأطفالهم، وكل الرافضين للحكم الإسلامى، وبيعة الملا عمر بعد سقوط الأسد، الذى ينصبونه أميرا لدولة الشام الإسلامية، بالإضافة إلى تفجير كل مراكز الاقتراع، ومقار مجالس النواب، التى يصفونها بمجالس الطواغيت، حتى أنهم كانوا يعتبرون حكم الإخوان فى مصر وقتها حكم طاغية». وأكد «أبوعبادة» أنه رفض بيعة أمير المهاجرين، وكانوا يحاولون إقناعه بالعدول عن موقفه، مرددين عليه حديث الرسول (ص) «من مات وليس فى عنقه بيعه فقد مات ميتة جاهلية»، حتى قالوا له إنه لن يحق له أو لغيره العودة لبلده إلا بأمر الأمير، الذى قد يطلب منه البقاء أو الجهاد فى بلد آخر ما جعله عازما أكثر على ترك التنظيم والعودة إلى مصر. اشترك «أبوعبادة» فى عمليتين، قال إنه لم يطلق الرصاص فى أى واحدة منهما، الأولى كانت لتأمين أحد الجنود المنشقين عن الجيش السورى، والثانية كانت لقتل شيخ الشبيحة (البلطجية)، الذين يعملون لحساب النظام السورى فى قرية «حارم» التابعة لمحافظة إدلب، وهى منطقة جبلية تأجل اقتحامها بسبب كثرة السلاح ونفوذ الشبيحة بها، وخوف سكانها من التعاون مع عناصر «الجبهة». ويشير «أبوعبادة» إلى مفارقة وقع فيها عناصر الجبهة فى العملية الثانية، وهى أن خطة اغتيال شيخ الشبيحة، اختارات موعد اغتياله اثناء توجهه للخطابة وإمامة المصلين يوم الجمعة، باعتباره الموعد الوحيد الذى يضمنون فيه ظهوره وخروجه من منزله الآمن لاصطياده. وأضاف «أبوعبادة»: يعتمد التنظيم على المجاهدين الأجانب، لتنفيذ العمليات الانتحارية، بالإضافة إلى المجندين المنشقين عن جيش النظام البعثى، مؤكدا «تدربنا على يد مجاهد من روسيا كان منضما لأحد التنظيمات الجهادية فى بلاده». ويذكر أن هدف العمليات الانتحارية، أى عملية كان جذب المزيد من الموارد للتنظيم، التى تعتمد فى جانب منها على الغنائم، وأغلبها يكون مخازن السلاح والذخيرة، التى تستولى عليها عناصر الجبهة أثناء مهاجمة قواعد قوات الأسد، بالإضافة إلى التبرعات التى تصل إلى الجبهة من المساجد أو المنظمات الإسلامية الخيرية، فى كل دول العالم العربى والغربى على حد سواء. ويؤكد «أبوعبادة» أنه كان لديهم الكثير من السلاح، وعلى عكس المتصور عن التنظيم، فهو يحافظ على مقاتليه، ولا يذهب بهم جميعا إلى القتال أو تنفيذ عمليات تفجيرية، موضحا أنه طلب أكثر من مرة الاشتراك فى عمليات قتالية بمناطق أشد، لكن طلباته قوبلت بالرفض. وحكى أنه مر هناك بعدة قصص استوقفته، منها قصة شاب سورى لا يختلف عن غيره من السوريين المنضمين ل»الجبهة»، وغالبيتهم أميون لا يجيدون القراءة والكتابة، التقاه فى المعسكر، وروى له تفاصيل لقائه بشيخ ملتحٍ من سكان ريف إدلب أثناء عودته من المعسكر، قال له «إياكم والخوارج»، فاستوضح الشاب السورى «من هم الخوارج؟»، فأجابه الشيخ بأنهم «أصحاب الرايات السود» ثم تركه ومضى. ومن المصريين المنضمين إلى «النصرة» لم يقابل «أبوعبادة» إلا شيخا فى عقده الخامس من العمر، كان يسافر إلى سوريا ويعود إلى مصر، وقال «لم أطمئن له، فلم أستطع تحديد دوره وطبيعة مهامه داخل التنظيم، هل هى تجنيد عناصر من مصر أم توصيل تبرعات؟»، خاصة أنه عرف أن الرجل عندما كان يأتى إلى مصر، كان يفخخ باب شقته وترتدى زوجته حزاما ناسفا، حتى إن اقتحمت الشرطة شقتهما للقبض عليهما ينفجران فيها، ولا يقعان فى يد اجهزة الامن المصرية. فى طريق العودة مر «أبوعبادة» بمخاطر كثيرة على الحدود السورية التركية، بصحبة مهرب التنظيم، وهو شاب سورى يدرس الهندسة، حيث قبض عليهما من أمن الحدود، وضبطت الملابس التى كانت بحوزتهما ومزقوها، ثم تُركا فعادا بين الأحراش الجبلية والمزارع، واختبآ لساعات داخلها حتى تاهت عنهم العيون، وتمكنا من دخول انطاكية، ومنها إلى مطار أتاتورك الدولى فى اسطنبول، ثم العودة إلى مصر على طائرة الخطوط الجوية المصرية إلى القاهرة.