يظن الكثير من المهاجرين غير الشرعيين، أن عبور مضيق جبل طارق سيكون الحل للوصول إلى الضفة الإسبانية كوجهة للانطلاق لباقي أوروبا، من أجل البحث عن عمل يعوضهم سنوات العنف أو الفقر أو الحروب، التي عانوا منها في بلادهم جنوب الصحراء الأفريقية. إلا أن غالبيتهم يتفاجأ بأنه ليس وحده من يفكر في ذلك كبلاد افريقية فقيرة في الجنوب، فالحال نفسه بالنسبة لأهل الشمال. فالشباب المغاربة يرون في فرنسا خصوصًا وفي غيرها من الدول الأوروبية عمومًا، جنة الدنيا، والقاسم المشترك بينهم في النهاية هو أنهم يصلون لمنتصف الطريق على سواحل المغرب وعلى رأسها طنجة وميناؤها، أو عند السياج الأمني لمدينة مليلية الخاضعة للسيطرة الإسبانية، ليعسكروا هناك وجل أملهم الإفلات من رجالات الأمن للهروب عبر إحدى السيارات أو السفن إلى الضفة الأخرى. تقول مهاجرة أفريقية "أتينا إلى المغرب لنجرب حظنا في عبور المضيق"، وتضيف وهي تحاول إسكات رضيعها "نهايات مأساوية طالت العديد من أصدقائنا بعد الموت بسبب البرد القارس أو الغرق أو الجوع أو العنف"، إلا أنها تمكنت حاليًا من توفيق أوضاعها وحالفها القدر لتكون من المحظوظين الذين شملتهم المملكة بقرارها الأخير ضمن قرابة 17 ألف مهاجر منحتهم إقامة شرعية بالمغرب، ليتجدد لها الأمل في حياة آمنة بدلا من المطاردات المستمرة، خصوصًا بعدما أصبح أملها في الهجرة إلى أوروبا شبه مستحيل. ويقول فتى كاميروني "نجحت بالفعل في الهرب في صندوق أسفل شاحنة عبر مدينة مليلية واجتزت الحدود، إلا أنني بمجرد أن خرجت من الصندوق، تم القبض علي وإرجاعي إلى الجانب الآخر من السياج الأمني المنصوب، حيث رجال الأمن المغاربة"، ويتابع الفتى وهو يبكي "إننا موافقون بأقل القليل، وراضون بالعمل في أي مهنة صعبة أو خطيرة أو حتى مهينة، مقابل لقمة العيش فقط"، وبعد تسوية أوضاعنا مع الحكومة المغربية، أنا أحلم في أن يكون لي مطعم متنقل أو محل صغير لبيع المواد الغذائية". أما فؤاد عبد الله، وهو شاب مغربي من مدينة طنجة، أكمل تعليمه الجامعي، لكنه عاطل، فيؤكد أن حلمه، منذ الصغر وإلى الآن، أن يهاجر إلى فرنسا ليعمل هناك ويستقر ويتزوج من فرنسية، وذلك رغم علمه من وجود أزمة اقتصادية في أوروبا، أو عنصرية قد يلاقيها هناك بسبب الدين مثلا". من جانبه، أكد الدكتور محمد الباهي وهو طبيب نفسي، أن الشباب الذي يحلم بالهجرة انبهر بطريقة معيشة الأوروبيين التي يشاهدها في أفلامهم ووسائل الإعلام المختلفة، فهم يفضلون العيش حتى وإن كانت الظروف هناك أصعب. وفي السياق نفسه، قال مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور خالد السموني، إنه تم تصدير ثقافة النموذج الأوروبي لنا "مأكله وملبسه وسائر أحواله وطريقة عيشه"، وكثير من الشباب يرغب في محاكاته بالاغتراب، مما يجعل الشباب يضحون بأرواحهم ويغامرون بها بين أمواج البحر المتوسط، فمنهم من تكتب له النجاة، أو يكون مصيره مقابر بحرية. ولفت مدير المركز إلى أن الهجرة ظاهرة عالمية تعاني منها جميع الدول التي تعرف نوعًا من الاستقرار الأمني وقوة الاقتصاد، والمغرب أصبح بلدًا جاذبًا للمهاجرين في الفترة الأخيرة، سواء هجرة شرعية أو غير شرعية بفضل مجهوداته في التنمية، وأوضح أن النوع الأخير هو ما سعت المغرب إلى تقنين أوضاعه عبر تسوية أوضاع أكثر من 17 ألف مهاجر ، حتى يكون لهم أوراق رسمية ويندمج في المجتمع، خصوصًا أنهم أصبحوا أمرًا واقعًا، واحتواؤهم أفضل من تركهم، مع العلم أنهم لا يزاحمون أبناء البلد في سوق العمل لأنهم يتجهون إلى العمل في مهن بسيطة قد لا يقبل الشاب المغربي بها، أما فكرة الكساد وتنامي طابور البطالة فهو التحدي الأساسي أمام المغرب، وأعتقد أننا في الطريق الصحيح للتنمية، حسب الدكتور السموني.