الرباط (رويترز) - "إنهم يعاملوننا كالحيوانات.." هكذا اختصر عبد الرحمن معاملة بعض المغاربة للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء المقيمين في البلاد بطريقة غير قانونية. وقال عبد الرحمن (23 عاما) وهو سنغالي الجنسية وقد صف بضعة هواتف نقالة على علبة كرتونية لبيعها بجانب أحد أسواق العاصمة الشهيرة "نسمع جميع أنواع السباب والشتيمة العنصرية من مغاربة. كما أننا معرضون للاعتداء من طرف مشردين..ولا أحد يدافع عنا." وتابع "قدمت إلى المغرب من أجل البحث عن فرصة أفضل لكن في الواقع في بلدي كنت في أحسن حال وكل ما يوجد في المغرب يوجد في السنغال" مضيفا بانفعال أنه مصمم على العودة إلى بلده بعد أن جمع ثمن تذكرة الطائرة. وتشاطره مواطنته مريم نفس الرؤية عن واقع المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء المقيمين بطريقة غير قانونية في المغرب. وتقول إنها لا تستطيع العودة حاليا لأنها لا تكاد تجني ما يكفي لسد الرمق ودفع الإيجار بالتعاون مع رفيقات لها يستأجرن منزلا بتمارة في ضواحي الرباط. وتضيف وهي تفترش الأرض لبيع بضع إكسسوارات نسائية بجانب بعض مواطنيها في وسط الرباط إنها لا تشعر بالأمان "خاصة بعد مقتل مواطن سنغالي هنا". وقالت مريم إنها لم تأت من أجل التسلل في أقرب فرصة إلى أوروبا التي لا يفصلها عن المغرب سوى مضيق جبل طارق (14 كيلومتر) وأنما "من أجل التجارة في المغرب والبحث عن حياة أفضل". ويقول المهاجرون الافارقة انهم يتعرضون لاعتداءات. وقتل سنغالي قبل أسابيع وهو يهم بالسفر داخل المغرب في حافلة عندما تشاجر مع مغربية نعتته بألفاظ عنصرية فطعنه مغربي اخر. وقالت تقارير حقوقية إن الجريمة ارتكبت بدوافع عنصرية. ودعا العاهل المغربي الملك محمد السادس هذا الأسبوع إلى معاملة الأفارقة من جنوب الصحراء "معاملة إنسانية" وقانونية. وجاء تدخله بعد أن رفع له المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقريرا عن أوضاع المهاجرين غير الشرعيين خصوصا الأفارقة من جنوب الصحراء وصفها بالسيئة وقال إنهم يعيشون ظروفا صعبة. وعقد العاهل المغربي جلسة عمل مع وزراء وكبار مسؤولي الدولة وجاء في بيان من القصر إنه سيتم تنفيذ "سياسة هجرة جديدة" بهدف "بلورة سياسة شاملة ومتعددة الأبعاد لقضايا الهجرة". وتفيد تقارير حقوقية بأن في المغرب نحو 20 ألف مهاجر إفريقي من جنوب الصحراء. ورحلت السلطات المغربية ألاف المهاجرين غير الشرعيين في 2005-2006 بدعم من الاتحاد الأوروبي الذي حث المغرب على وقف محاولات تسلل المهاجرين الأفارقة إلى أوروبا من أراضيه. وقالت تقارير حقوقية محلية ودولية إن المهاجرين الأفارقة في المغرب يتعرضون لسوء المعاملة والعنصرية ويعيشون في مناطق مهمشة وفي الغابات وعلى الحدود مع الجزائر وجيبي سبتة ومليلية الإسبانيين. وفي العام 2005 قتل أكثر من 11 مهاجر إفريقي عندما حاولوا تجاوز الحاجز السلكي الفاصل بين مدينة مليلية والأراضي المغربية عندما أطلق الحرس الإسباني النار عليهم. ويقول متتبعون إن المغرب الذي كان دائما أرضا مصدرة ومستقبلة للهجرة شهد في السنوات العشر الاخيرة تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء يحدوهم الأمل في العبور إلى أوروبا والبحث عن مستقبل أفضل. لكن مع الأزمة الإقتصادية الأوروبية بدأت أعداد منهم تفضل الاستقرار في بلدان العبور كالمغرب. وعرف المغرب أيضا نوعا جديدا من المهاجرين بعد الأزمة الأوروبية مع توافد إسبان وفرنسيين وبرتغالين. غير أن حقوقيين يرون أن المغرب يتعامل بازدواجية مع هذه الهجرات حيث أصدرت وزارة الداخلية مؤخرا بلاغا للفئة الثانية من المهاجرين تطالبهم بالتقدم إلى المصالح الأمنية لتسوية أوضاع إقامتهم في المغرب. وتقول خديجة عناني نائبة رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان المستقلة "صدر بلاغ بخصوص الأوروبيين في حين ليست هناك أية التفاتة للأفارقة من جنوب الصحراء." وتمثل قضية الهجرة بالنسبة للمغرب موضوعا بالغ الأهمية فيما يخص علاقاته مع جيرانه الأفارقة الذين يعول عليهم خصوصا في دعمه في قضية الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة بوليساريو. وفي الوقت نفسه يسعى المغرب إلى كسب ود الاتحاد الأوروبي الذي منحه وضع الشريك المتميز والذي يضغط على المغرب لوقف تسلل المهاجرين الأفارقة عبر أراضيه. ويقول محمد بنحمو رئيس المركز المغربي للدراسات الإستراتيجية "أمام الحواجز تكسر حلم العديد من المهاجرين غير الشرعيين في الهجرة إلى الشمال. بل بدأت تفد على المغرب أعداد أخرى من المهاجرين من أوروبا." وقال في تصريح لرويترز "كل هذه الهجرات هي في العمق اقتصادية.. نحن الأن أمام شريحة من المهاجرين غير الشرعيين غير متجانسة لا من حيث طبيعة تكوينها الجغرافي ولا من حيث جنسها حيث أغلبها رجالية (نحو 70 في المئة)" مضيفا أنه ينبغي وضع استراتيجية للحفاظ على حقوق هؤلاء المهاجرين "لأن اغلبهم لا يريدون سوى حياة أفضل". وتقول السلطات إنها لا تتعامل بصرامة إلا مع أفراد شبكات الجريمة المنظمة والمتاجرون في البشر وتنفي نفيا قاطعا سوء المعاملة. وقال العاهل المغربي في جلسة العمل يوم الثلاثاء إن بعض التجاوزات تقع أحيانا لكنها "تبقى حالات معزولة وليس هناك أي عنف ممنهج من قبل القوات العمومية." وأشار العاهل المغربي إلى أن عدد الوافدين على المغرب من جنوب الصحراء تضاعف أربع مرات. وقال "نظرا لما يتطلبه استقبال المهاجرين من إمكانيات لتوفير الظروف الملائمة لإقامتهم وتمكين المقيمين منهم بطريقة غير شرعية من فرص الشغل وأسباب الاندماج الاقتصادي والاجتماعي.. فإن المغرب لا يمكنه استقبال جميع المهاجرين الوافدين عليه." وقالت خديجة عناني لرويترز "السلطات العمومية تقوم يوميا باعتقالات وترحيلات خارج إطار القانون. "الواقع اليومي بعيد كل البعد عن احترام حقوقهم يعيشون في الغابات والمناطق المهمشة والأكثر يعيشون الخوف اليومي." أما بخصوص معاملة بعض المغاربة لهم بطريقة عنصرية فتقول "هذا واقع تحصيل حاصل بسبب بعض التصريحات الرسمية التي تصورهم على أنهم مجرمون ويهددون أمن المغرب." كما تعزو ذلك أيضا إلى عدم "إشاعة ثقافة حقوق الإنسان في المغرب." وفالت معلقة على تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان إن الدولة "لها ازدواجية الخطاب.. اقرار بالواقع من جهة وتعنيف المهاجرين من جهة أخرى." ويرى بعض المغاربة أن الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمغرب هش ولا يسمح بتوفير العيش الكريم حتى لأبنائه. لكن خديجة تقول "لا يجب أن نعلق الأزمة التي يعيشها المغرب بسبب اختياراته الاقتصادية والسياسية على الأفارقة... هذا نفس الخطاب العنصري الذي يواجه به المهاجرون المغاربة في أوروبا أيضا." (تغطية صحفية للنشرة العربية زكية عبدالنبي من المغرب - تحرير عمر حليل)