عادة ما يقصد بالاقتصاد الريعى البلدان التى تعتمد فى القسم الأعظم من دخلها على موارد تأتى من خارج الاقتصاد كالمعونات الأجنبية أو تحويلات العاملين أو العوائد المتصلة بالموقع كقناة السويس فى مصر، أو على الموارد الطبيعية كالنفط والغاز الطبيعى، والتى لا يشارك فى إنتاجها وتصديرها للخارج سوى عدد يسير للغاية من العاملين بالاقتصاد كحالة الصناعات الاستخراجية، والخلاصة فإن الاقتصاد الريعى يعتمد على موارد لا يسهم فى إنتاجها بدرجة أو بأخرى، ما يجعل الغالب من السكان معتمدا على تلقى نصيبهم من الريع الخارجى كما هو الحال فى أغلب اقتصادات الخليج العربى، والتى تعتمد بشكل أساسى على تصدير الطاقة، وتضطلع الدولة بتحصيل الإيرادات من التصدير كى تقوم بإعادة توزيعها على السكان من خلال خدمات عامة مجانية ووظائف حكومية وإعانات اجتماعية. درج الكثير من الاقتصاديين ورجال الفكر والسياسة فى العقود الماضية على اعتبار الاقتصاد المصرى ريعيا بدرجة كبيرة، وخاصة مع ارتفاع أسعار النفط فى 1973 وما تلاها من تزايد الاعتماد على صادرات البترول وعوائد قناة السويس والمعونات العربية والأجنبية علاوة على تحويلات العاملين بالخارج، والتى ترتبط هى الأخرى بأسعار النفط كون الخليج العربى وليبيا أكبر مراكز للعمالة المصرية بالخارج، وإن تغير الوضع مؤخرا مع بروز دور المصريين فى أستراليا وأمريكا الشمالية. وقد كان الاقتصاد المصرى بالفعل يبدى العديد من ملامح الاعتماد على الريع الخارجى فى السبعينيات والثمانينيات، ولكن الأمور بدأت فى التغير منذ التسعينيات بانخفاض الأهمية النسبية للريع سواء كجزء من الناتج المحلى أو من إيراد الدولة، فهل يمكن اعتبار الاقتصاد المصرى ريعيا اليوم؟ ••• إن الإجابة المختصرة على السؤال أعلاه تكون بلا إذ إن نصيب قطاع البترول والغاز الطبيعى مضافا إليه عوائد قناة السويس فى الفترة بين 1990 و2012 لم يتجاوز 11٪ من إجمالى الناتج المحلى، وهو ما يعنى بشكل جلى أن القسم الأكبر من الناتج المحلى فى مصر يأتى من قطاعات إنتاجية زراعية أو صناعية أو خدمية كالسياحة والاتصالات والخدمات العامة والمرافق، وينسحب الأمر نفسه على نصيب المعونات الأجنبية من الناتج المحلى، والذى انخفض من نحو 5٪ فى 1994 إلى ما هو دون 1٪ من الناتج المحلى فى 2000، ولم يتغير كثيرا باستثناء السنة المالية الأخيرة التى شهدت تدفقا غير مسبوق، وغير مرشح للاستمرار على كل ومن ثم لا يقاس عليه، للمساعدات الخليجية. ومع التوسع فى تعريف الموارد الريعية بضم تحويلات العاملين بالخارج فإن متوسط نصيب جميع أشكال الريع من مبيعات النفط وعوائد قناة السويس مع تحويلات العاملين فى الفترة بين 1990 و2006 لا يتجاوز 18.4٪ طبقا لبيانات المركزى المصرى، وهى نسبة لا تكفى بحال لوصم الاقتصاد المصرى بالريعية. ولم يقتصر انخفاض الوزن النسبى للموارد الريعية على الناتج المحلى فحسب بل امتد كذلك إلى نصيب الريع من الإيرادات الحكومية، إذ بلغ متوسط نصيب تحويلات الهيئة العامة للبترول وهيئة قناة السويس بما فيها الضرائب من إيراد الدولة الإجمالى فى الفترة (19902011) 19.6٪ طبقا لبيانات البنك المركزى، وهى نسبة ولا شك كبيرة نسبيا لأنها تمثل نحو خمس الإيرادات ولكنها بعيدا عن أن تكون غالبة، وذلك لأن العقدين الماضيين قد شهدا تحولا تدريجيا للدولة نحو الاعتماد على الإيرادات الضريبية، والتى أضحت تمثل فى الفترة ذاتها ما يقارب 65٪ من إجمالى إيراد الدولة سواء أكانت ضرائب مباشرة أو غير مباشرة مخصوما منها الضرائب التى تؤديها الهيئة العامة للبترول وهيئة قناة السويس. وإذا ما قارنا نسبة الضرائب من إجمالى الإيرادات فى مصر بغيرها من البلدان النفطية ظهر جليا أن مصر لا تقع ضمن دائرة البلاد الريعية بأى حال إذ إنه فى الفترة ما بين 1993 و 2003 بلغ نصيب الضرائب من إيراد الدولة 6.75٪ فى السعودية 13.42٪ فى الإمارات العربية المتحدة و32.76 فى الجزائر مقارنة بنحو 64٪ فى مصر. ••• ومما سبق فإنه بالإمكان الدفع بأن الموارد الريعية لا تمثل نصيبا غالبا لا كنسبة من الناتج ولا كنسبة من إيرادات الدولة، وهو ما يخرج مصر من زمرة الاقتصادات الريعية، بيد أن هذه الصورة العامة غير مكتملة، ولا تعبر تماما عن واقع الاقتصاد المصرى فى علاقته بالريع الخارجى، وذلك لأنه مع تواضع نصيب الموارد الريعية فى الناتج إلا أن وزنها النسبى فى علاقة مصر بالاقتصاد العالمى شديد الضخامة، فعلى سبيل المثال مثلت صادرات الطاقة من بترول وغاز طبيعى ما يزيد على 50٪ من إجمالى الصادرات المصرية فى الفترة ما بين 1980 و2011، ويتلقى قطاعا البترول والغاز ما يقترب من ثلثى الاستثمارات الأجنبية الإجمالى، وتساهم هيئتا البترول وقناة السويس بما يقارب ثلثى ضرائب الشركات، وتلعبان دورا رئيسيا فى توريد العملة الصعبة للدولة وللاقتصاد، وهو ما ينم عن احتلال القطاعات الريعية لوزن نسبى فى القطاع الخارجى يفوق وزنها النسبى فى الاقتصاد ككل. ويقودنا هذا إلى لب الإشكال وهو عجز السياسات العامة فى مصر فى العقود الثلاثة الماضية عن إكساب القطاعات غير الريعية تنافسية سواء فى تصدير السلع والخدمات أو فى جذب رءوس الأموال الأجنبية ما جعل مصر فى وضعية شديدة الغرابة وهى الاعتماد المتزايد فى علاقتها بالعالم الخارجى على موارد ريعية متناقصة سواء بصورة مطلقة مع تحول مصر لبلد مستورد ضاف للنفط فى 2006 وللطاقة فى 2012، أو بصورة نسبية كثبات نصيب قناة السويس من الناتج المحلى وإيراد الدولة طيلة العقد الماضى، وجعل التوسع فى القطاعات الاقتصادية غير الريعية ضعيف الإنتاجية وهامشى بدرجة كبيرة خاصة فى قطاع الخدمات. ومن هنا كان تحدى الخروج من هذه الريعية غير المتكافئة Asymmetrical Rentierism هو التحدى الرئيسى الذى يواجه التنمية الاقتصادية والاجتماعية فى مصر.