من حق المحامى فريد الديب، أن يلجأ لكل الحيل والأساليب ليبرئ موكله محمد حسنى مبارك، من التهم المنسوبة إليه بقتل المتظاهرين، وإهدار المال العام، وتصدير الغاز لإسرائيل. ومن حقه أن يرى أن ثورة 25 يناير 2011 مؤامرة كونية كبرى. لكن وفى المقابل، من حقنا أن نقول له «أنت مخطئ»، وليس من حقك أن تشهِّر بالجميع وبيتك من زجاج. ما فعله الديب فى قاعة المحكمة طبيعى جدًا، كنا نعتقد فى الماضى أنه مقصور على الأفلام السينمائية بالأبيض والأسود، وأن القاضى سيتدخل لكى يجبر المحامى على الحديث فى «صلب الموضوع» وألا يتركه يذرع القاعة جىئة وذهابا ويسترسل و«يلطش» فى الجميع حكاما ومحكومين، حكومة ومعارضة، أنصار 25 يناير وخصومها، مؤيدو 30 يونيو ومعارضيها. مرة أخرى الديب تقاضى أموالا من مبارك وأسرته أو هكذا يفترض لكى يحصل له على البراءة، وبالتالى فالرجل يحاول أن يفعل ذلك بكل الأوراق التى يعتقد أنها ستساعده فى إنجاز المهمة. لكن الملاحظة الرئيسية أنه ركز أكثر على العواطف والسياسة، ولم يجب بما فيه الكفاية عن اتهامين رئيسيين، الاول: هل كان لمبارك دور فى قتل المتظاهرين أم لا؟، والثانى: هل تسببت قراراته وسياساته فى إهدار المال العام فى قضية تصدير الغاز أم لا؟. فضل الديب استراتيجية شهيرة وهى التركيز على السياسة وليس على الأمور القضائية الفنية محل الاتهام، تقديره أن هذا المدخل أفضل كثيرا هذه الأيام فى ظل الرفض الشعبى الكاسح لجماعة الإخوان المسلمين وما سببوه للبلاد، وأن ذاكرة الناس ضعيفة ويمكن الضحك عليهم بمعسول الكلام أو التمثيل أو إعادة بناء الرواية كما يحدث فى «لعبة البازل». الديب خانه ذكاؤه أكثر من مرة، فهو نسى أنه هاجم مبارك ونظامه بضراوة فى عام 2005 ،وهو مقال يصح أن يتم وضعه فى عريضة الاتهام. كان ينبغى أن نحاكم مبارك على ما جاء فى مقال الديب بالفساد وتزوير الانتخابات والتجبر. ثم إن مبارك نفسه أعلن على الهواء مباشرة تفهمه لمطالب الثورة وموافقته عليها وأجرى تغييرات كثيرة ظنا أن الثوار سيعودون لبيوتهم. والأهم أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة انحاز لهذه المطالب وأجبر مبارك على التنحى، والسؤال للديب: هل كان الجيش ضالعا فى المؤامرة ضد مصر حينما فعل ذلك؟!. والسؤال الأكبر: هل يعقل أو هل يمكن لأكثر من عشرة ملايين مصرى شاركوا فى الثورة أن يشاركوا فى مؤامرة ضد بلدهم؟!. ما قاله الديب فى المحكمة يقوله بقايا نظام حسنى مبارك الذين تضرروا من سقوطه أعنى الرجل وليس النظام. هؤلاء يعز عليهم الاعتراف بأن الشعب قد ثار عليهم وعلى فسادهم وتكلسهم ما جعلنا فى مؤخرة كل شىء عالميا. الحكاية باختصار أن ما حدث فى 25 يناير كان ثورة نبيلة ومحترمة وبريئة شارك فيها شباب مصر المتعلمون المتطلعون لمستقبل أفضل، وانحاز لها الجيش. بعد ذلك وبسبب إجرام نظام مبارك وتجريفه للمجتمع وللسياسة طول 30 عاما، تمكن الإخوان والتيار الدينى من ركوب الثورة عبر صندوق الانتخابات، وسخروا كل شىء لصالحهم وكادوا يسرقون البلد بأكمله ومعه الأمة العربية لولا ثورة 30 يونيو. الديب ومن يفكر مثله لا يريد أن يرى هذا الفارق الجوهرى. وكل ما نرجوه منه أن يركز على الدفاع عن موكله قضائيا، لأن المغامرة بتسييس القضية قد ترتد ضده وضد موكله.