فعالية «توظيف مصر» برعاية «التحالف الوطنى»    بعد وصف وزارة العمل علاقتها بمصر بأزهى العصور.. تعرف على المنظمة الدولية    تعرف على أسعار الذهب في مستهل تعاملات الأربعاء 19 يونيو 2024    وزير المالية: الخزانة العامة تتحمل 6 مليارات جنيه سنويا لخفض أسعار الكهربا لقطاع الصناعة    أسعار البيض اليوم الأربعاء    «مصر للطيران» تبدأ جسرها الجوي لنقل حجاج بيت الله الحرام إلى أرض الوطن    حقق إصابات مؤكدة.. حزب الله ينفذ هجوما على جيش الاحتلال بالمطلة    نائب المستشار ووزير الاقتصاد الألماني يزور كوريا الجنوبية والصين    الحوثيون: غارات أمريكية بريطانية تستهدف مجمعا حكوميا في مديرية الجبين    القناة 12 الإسرائيلية: الجيش لا يزال بعيدا عن تحقيق مهامه برفح    زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب المناطق الشمالية في باكستان    بعد تراجع الإمدادات الأمريكية.. هل تعود أوروبا لشراء الغاز الروسي؟    تحليل مخدرات وانتداب الطب الشرعي.. 6 قرارات في حادث مصرع مشجعتي الأهلي    أمين عمر لبيراميدز.. حكام مباراتي اليوم الأربعاء في الدوري المصري    أول تعليق من اللاعب محمد الشيبي على قرار المحكمة الرياضية الدولية | عاجل    برشلونة يحسم موقفه النهائي من حسم صفقة نجم منتخب إسبانيا    طقس رابع يوم العيد.. شديد الحرارة على مراكز وقري الشرقية    وفاة سيدة جديدة من البحر الأحمر أثناء أداء مناسك الحج    الزراعة: جاهزون لاستقبال الزوار في الحدائق العامة.. والموجة الحارة أثرت على الإقبال    القبض على سائق السيارة المتهم بصدم مشجعتي الأهلي ببرج العرب    عصابة الماكس.. أفراد تخلت عنهم العائلة وجمعتهم الجريمة    الجمعة.. هاني شنودة يشارك أوركسترا وتريات أوبرا الإسكندرية الاحتفال بيوم الموسيقى العالمي    تفاصيل القبض على المغني الأمريكي جاستين تمبرليك بسبب القيادة تحت تأثير الكحول    «ولاد رزق.. القاضية» يحطم الأرقام القياسية بتحقيق أعلى إيرادات خلال أسبوع    الحب اليومين دول    مسجد قباء بالمدينة المنورة مقصداً لضيوف الرحمن بعد المسجد النبوي    ماذا تفعل عند زيارة مقام النبي؟.. 10 آداب واجبة ودعوات مستحبة في الروضة    عاجل.. مفاجأة صادمة في تقرير حكم مباراة الزمالك والمصري.. «جوميز في ورطة»    تنسيق الجامعات 2024.. قائمة الجامعات الخاصة المعتمدة بوزارة التعليم العالى    هذه المهن قد لا تستبدل بالذكاء الاصطناعي.. هل وظيفتك من بينها؟    سعر الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 19 يونيو 2024 للتجار ولجميع الموزعين والشركات    خلافات أسرية.. تفاصيل التحقيق مع المتهم بقتل زوجته ضربًا في العمرانية    استشهاد 7 فلسطينيين فى قصف إسرائيلى على شمال غربى مخيم النصيرات وغزة    أثار الذعر في الساحل الشمالي.. ماذا تعرف عن حوت كوفييه ذو المنقار؟    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. رابع أيام عيد الأضحى 2024    أسعار النفط تصل إلى أعلى مستوياتها في أكثر من شهر    انطلاق احتفالات دير المحرق.. بحضور 10 آلاف زائر يوميا    هل الأموات يسمعون كلام الأحياء؟ دار الإفتاء المصرية تكشف مفاجأة    سورتان للمساعدة على التركيز والمذاكرة لطلاب الثانوية العامة    أجزاء في الخروف تسبب أضرارا صحية خطيرة للإنسان.. احذر الإفراط في تناولها    بعد 17 عامًا من طرحه.. عمرو عبدالعزيز يكشف عن مفاجأت من كواليس «مرجان أحمد مرجان»    «ثورة أخيرة».. مدينة السلام (20)    الحكومة الجديدة والتزاماتها الدستورية    ملف يلا كورة.. انتصار الأهلي.. جدول مباريات الليجا وبريميرليج.. وفوز تركيا والبرتغال في يورو 2024    «المصرى اليوم» وزيادة التوعية النفسية المجتمعية    «بايدن» يستنجد ب«المستنجد»!    عودة محمد الشيبي.. بيراميدز يحشد القوة الضاربة لمواجهة بلدية المحلة    لبيك يا رب الحجيج .. شعر: أحمد بيضون    مصرع مسن واصابة اثنين في انقلاب سيارتين بالغربية    احتفالية العيد ال 11 لتأسيس ايبارشية هولندا    مكتب الصحة بسويسرا: نهاية إتاحة لقاح كورونا مجانا بدءا من يوليو    المحافظ والقيادات التنفيذية يؤدون العزاء فى سكرتير عام كفر الشيخ    المراجعة النهائية لمادة اللغة العربية لطلاب الصف الثالث الثانوي.. نحو pdf    حظك اليوم.. توقعات برج العذراء 19 يونيو 2024    علامتان محتملتان للإصابة بالسرطان في يديك لا تتجاهلهما أبدًا (صور)    تصدُر إسبانيا وألمانيا.. ترتيب مجموعات يورو 2024 بعد انتهاء الجولة الأولى    بعد وفاة العشرات خلال الحج بسببها.. كيف يمكن أن تكون ضربة الشمس قاتلة؟    الصحة: ترشيح 8 آلاف و481 عضو مهن طبية للدراسات العليا بالجامعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تل الزعتر اليرموك
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 02 - 2014

مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين فى دمشق يتعرض منذ أشهر للحصار والقصف البرى والجوى، بما أدى إلى موت عدد من سكان المخيم جوعا، ولجوئهم إلى أكل أوراق الشجر والصبار، وانتشار الأمراض المعوية والجلدية لنقص الماء، وموت الأطفال حديثى الولادة وأمهاتهم والمسنين والمرضى والجرحى لنقص الدواء، ويتعرض من يحاول أن يخرج من المخيم إلى القتل، وقد قصف المخيم عدة مرات. وإن كانت القوات السورية النظامية التى تحاصر المخيم سمحت بدخول بعض المساعدات إليه بعد ضغط وسائل الإعلام الأجنبية، فإنها عادت لحصاره تو ما توقف هذا الضغط أو أدارت وسائل الإعلام وجوهها بعيدا.
ومحاولات مؤيدى النظام السورى لنفى المسئولية عنه محزنة حقا، فمخيم اليرموك حى من أحياء دمشق، والمسئولية عنه قانونيا وأخلاقيا، محليا وإقليميا، تقع على عاتق الجيش الذى يسيطر على المدينة وهو الجيش النظامى. وإن زعم مؤيدو النظام أن لهم قضية أو حقا، فإن الباطل خير ألف مرة من حق مزعوم تُفعل هذه الأفاعيل باسمه.
•••
إن للنظام السورى باعا طويلا فى مجال تجويع الفلسطينيين، ربما أكثر من أى نظام عربى آخر. إن ثلاثا من دول الطوق الأربع غمست يدها فى دم الفلسطينيين مرة واحدة: أيلول، وصبرا وشاتيلا، وحصار غزة، وإن دولة واحدة فقط من دول الطوق الأربع غمست يدها فى دم الفلسطينيين ثلاث مرات: تل الزعتر، وحرب المخيمات، واليوم اليرموك.
فى المرات الثلاث تتكرر المشاهد: النظام السورى يستخدم ميليشيات متحالفة معه ويأمرها بحصار المخيم، فى تل الزعتر سنة 1976 كانت الميليشياتُ مسيحية مارونية لبنانية، منها الكتائب والأحرار وحراس الأرز والمردة، وفى حرب المخيمات بين 1985 و1988 اعتمد النظام على ميليشيا حركة أمل الشيعية اللبنانية، والتى كانت فى ذلك الوقت فى حال صراع مسلح مع حزب الله على النفوذ فى بيروت والجنوب، فلم يشارك حزب الله فى حرب المخيمات، بل كانت حركة أمل تطلق النار على الفلسطينيين وعلى حزب الله معا، واليوم، يعتمد النظام السورى على جيشه مباشرة وعلى بعض الميليشيات الفلسطينية الموالية له، الجبهة الشعبية القيادة العامة، وحركة فتح الانتفاضة.
فى المرات الثلاث، يقطعون الماء والكهرباء عن المخيم، ثم يمنعون المؤن حتى تنفد، ويبدأ الناس فى الموت جوعا، وفى المرات الثلاث كان الجوع يؤدى بالناس لأكل أوراق الشجر بل وبطلب فتوى لأكل القطط والكلاب والميتة، وفى المرات الثلاث كانت النساء الذاهبات إلى الآبار ومضخات المياه العاملة على أطراف المخيم يُقتلنَ برصاص القناصة المحاصرين للمخيمات، وبعضهن، كما ورد فى شهادتى حسين عياد وميساء الخطيب من سكان مخيم تل الزعتر، كن يسقطن فى البئر حين يصيبهن رصاص القناصة، ويضطر الناس مع ذلك لاستخدام ماء البئر والشهيدات فيه عاجزين عن انتشالهن لتوالى القنص عنده. وفى المرات الثلاث كان يقال للإعلام أن الجوع فى المخيم كذب، وأن روايات شهود العيان وهم، وأن ضحايا الجوع هواة شهرة. وفى المرات الثلاث كانت القوات القائمة بالحصار تأكل وتشرب أمام عدسات وكالات الأنباء على أطراف المخيم، إمعانا فى إهانة الناس وإذلالهم، وقد قامت إحدى القنوات اللبنانية الموالية للنظام السورى بإذاعة تقرير عن اليرموك يظهر فيه الجنود القائمون بحصار المخيم وهم يأكلون مع المذيعة، وينفون أن يكون ثمة جوع فى الداخل، فى تكرار لمشاهد إراقة حليب الأطفال على الأرض فى حصارَى مخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة فى الثمانينيات، سواء الحصار اللبنانى المدعوم من إسرائيل والذى استمر ثلاثة أشهر من يونيو إلى سبتمبر 1982، أو الحصار اللبنانى المدعوم من سوريا والذى استمر أربع سنوات بين 1985 و1988. وفى المرات الثلاث كان النظام السورى يزعم أنه يقتل الفلسطينيين لأنه أكثر راديكالية ومقاومة منهم، ولكنه لا يشتبك مع إسرائيل البتة حتى وإن قصفت عاصمته. وفى المرات الثلاث كانت إهانة الفلسطينيين فى الإعلام جزءا أساسيا من الحرب ضدهم، لا للإجهاز على معنويات سكان المخيمات والمدافعين عنها تحت الحصار فحسب بل لتكسير صورة فلسطين ومعناها، وتشويه الرموز الفلسطينية، سياسيا وثقافيا، ولإرباك رد فعل الجمهور السورى واللبنانى أو تأخيره فلا يحرك ساكنا اعتراضا على حصار المخيمات.
•••
وقد صرح كريستوفر غانس الناطق باسم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فى الشرق الأدنى (الأونروا) يوم 9 يناير 2014 قائلا: «إن المعاناة الإنسانية فى المخيم وصلت حدها الأقصى»، وإن النساء يمتن عند الولادة بسبب منع دخول الأدوية والأدوات الطبية إلى المخيم.
وتنقل الجارديان البريطانية عن نفس الناطق باسم الوكالة، بعد شهر من شهادته الأولى، يوم 9 فبراير 2014 أن الدكتور إبراهيم محمد العامل مع الأونروا أنقذ ولدا رضيعا اسمه خالد عمره 14 شهرا كان يعانى من نقص حاد فى التغذية، لقد كان الولد يقتات تقريبا على الماء لمدة شهرين، وشهدت أمه وتدعى نور وعمرها 29 سنة أنهم كانوا يغلون بعض التوابل بالماء ويأكلونها، ثم حين نفدت صاروا يأكلون حشائش الأرض حتى نفدت تلك أيضا.
وفى رسالة موثقة من المرصد الأورومتوسطى لحقوق الإنسان، وهى منظمة مقرها جنيف تعمل بالتنسيق مع الأونروا لإدخال الغذاء إلى المخيم، ورد أن أما طفلة، اسمها هبة، عمرها 15 عاما، ومعها طفلها، وعمره خمسة شهور أخبرت موزعى الأمم المتحدة أنها لم تأكل منذ ثلاثة أيام ولم تستطع أن ترضع طفلها، وحين أعطى المسعفون الطفل ماء ليشرب انتفخ حتى خاف المسعفون عليه لأن شيئا لم يكن دخل بطنه منذ أيام واستُدعى أحد أطباء الصليب الأحمر الدولى الحاضرين لعلاجه.
•••
إن مشاهد الجوع هذه، كان يلحقها فى المرات السابقة حالات قتل وتمثيل بالجثث لمن يحاولون الخروج من المخيم، ففى حالة تل الزعتر مثلا، بعد تجويع المخيم لأشهر، أعلنت ميليشيات الكتائب المدعومة من النظام السورى وقتها أنها ستسمح للفلسطينيين بالخروج لينقلهم الصليب الأحمر إلى مأمنهم، ولكن ما إن بدأ الفلسطينيون فى الخروج حتى قام مقاتلو الميليشيا ومقاتلاتُها بالتسلى على موت الفلسطينيين، تقول ميساء الخطيب وهى إحدى الناجيات من المذبحة، وقد نشرت شهادتها وشهادة حسين عياد المذكورة آنفا فى ملحق فلسطين لجريدة السفير اللبنانية فى 12 أغسطس 2013 و15 سبتمبر 2012.
«ارتكبت مجزرة ذلك اليوم بحق كل شاب وصبى زاد عمره على 10 أعوام فى أثناء محاولة مغادرة المخيم، وكذلك بحق العشرات من الفتيات والنساء والمسنات: (..) أُمٌّ كانت تحمل رضيعها الذى وضعته قبل يومين، ركض باتجاهها أحد القتلة وانتزع الرضيع من حضنها وقذفه على بعد مسافة ليسقط فوق أشجار حالت دون رؤية موقع سقوط جسده. فتاة مصابة بقدميها كانت تزحف وسط الحشود، قال أحد القتلة لزميله: خذها تحت التينة ابسطها! قالت له: الموت أهون ألف مرة، فردّ: «روحى موتى»، وأطلق النار عليها. ابن عمى غازى، كان يحمل جدتى العجوز على كتفيه معتقدا أن حملها قد ينقذه من الموت، أنزلوها عن كتفيه، وقتلوها قبل أن يقتلوه. عجوز انزلقت لتقع فى خندق، حاولت التسلق للخروج منه، فقال لها أحد القتلة: لوين.. لوين (إلى أين) يا حجّة؟ خليكى مَحَلِّك، وأطلق على رأسها رصاصات عدة. أبوياسين فريجة، الممرض فى وكالة الغوث، كان يرتدى مريوله الأبيض ويحتضن زوجته المصابة فى كتفها. انتزعوا زوجته منه، ثم ربطوا ساقيه بسيارتين، انطلقت كل منهما فى اتجاه معاكس.ابن عمتى على، كان عمره 17 عاما، وكان بسيطا جدا على البركة، ربطوه بسيارة من الخلف وانطلقت بأقصى سرعة وهى تسحله على الأسفلت. أبوأكرم، تاجر القماش المعروف فى المخيم، عندما حاولوا انتزاع ابنه منه، نثر عليهم النقود التى كانت بحوزته، لكنهم قتلوا ابنه أمام عينيه قبل أن يطلقوا النار عليه أيضا، ومن ثم جمعوا النقود عن الأرض!».
إن الذين ارتكبوا تل الزعتر، وجوعوا الناس فى حرب المخيمات، لم يعاقبوا إلى اليوم، بل منهم وزراء ورؤساء مجالس نيابية فى لبنان وقادة فى سوريا، ولهذا تتكرر المآسى اليوم فى اليرموك، وإن كان أول مأساة اليرموك يشبه أول مأساة تل الزعتر، فعلينا جميعا أن نتحرك لكى لا تكون لها النهاية نفسها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.