الاتحاد العالمي للمواطن المصري: نحن على مسافة واحدة من الكيانات المصرية بالخارج    وفد اليونسكو يزور المتحف المصري الكبير    التعليم: منح دراسية من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لطلاب الثانوية العامة.. التقديم حتى 31 مايو    وزيرة البيئة تبحث مع محافظ جنوب سيناء تفعيل مقترحات الاستثمار بالمحميات الطبيعية    أسعار الدواجن والبيض اليوم الجمعة 17-5-2024 في الدقهلية    أسعار اللحوم والفراخ في أسواق أسيوط اليوم الجمعة    النفط يتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية وسط مؤشرات على تحسن الطلب    «المشاط» تعقد لقاءات مكثفة مع شركاء التنمية ورؤساء مؤسسات التمويل الدولية    وزير الاتصالات: دعم ريادة الأعمال لا يقتصر على وزارة بعينها بل توجه لدى كافة الجهات    الصين تتراجع مجددا إلى المرتبة الثانية كأهم شريك تجاري لألمانيا    الشرطة السويدية تطوق منطقة بها سفارة إسرائيل بسبب إطلاق نار    حركة فتح: نخشى أن يكون الميناء الأمريكي العائم منفذ لتهجير الفلسطينيين قسريا    إعلام فلسطيني: غارات إسرائيلية تستهدف غرب مخيم النصيرات في قطاع غزة    اليوم.. الأهلي يخوض مرانه الرئيسي على ملعب رادس    ميتروفيتش ومالكوم ضمن تشكيل الهلال المتوقع أمام النصر بالدوري السعودي    بطولة العالم للإسكواش 2024.. هيمنة مصرية على نصف النهائى    رئيس الإتحاد الدولى يدافع عن بطولة كأس العالم للأندية 2025    عيار خرطوش وجثة.. كواليس مشاجرة دامية في الشرقية    محافظ القاهرة: تكثيف أعمال الرقابة على أسعار السلع وضبط الأسواق    اختفاء موظف في ظروف غامضة بالقليوبية    استمرار القوافل التعليمية للمراجعات النهائية للثانوية العامة بملوي المنيا    رفع 42 سيارة ودراجة نارية متهالكة.. خلال 24 ساعة    المركز القومي للمسرح يحتفل بعيد ميلاد الزعيم    تاراتاتا تفتتح فعاليات مهرجان إيزيس لمسرح المرأة    أحمد السقا يطمئن الجمهور على صحة الفنان أحمد رزق    إنشاء مستشفى القوصية الجديد بطاقة 300 سرير    ابتعد عن هذه الفواكه للحفاظ على أسنانك    روسيا: مستعدون لتوسيع تقديم المساعدات الإنسانية لسكان غزة    الخارجية الروسية: لا نخطط للتدخل في الانتخابات الأمريكية    استكمال تنفيذ وتطوير منظومة المرافق بالعبور والشيخ زايد والسويس الجديدة    بعد افتتاحه رسميا.. نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد السيدة زينب رضي الله عنها    مصر تشارك بأكبر معرض في العالم متخصص بتكنولوجيا المياه والصرف الصحي بألمانيا "IFAT 2024" (صور)    الحبس والغرامة.. تعرف على عقوبات تسريب أسئلة الامتحانات وأجوبتها    برنامج للأنشطة الصيفية في متحف الطفل    وفاة أحمد نوير مراسل قنوات بين سبورت.. موعد ومكان الجنازة    طارق الشناوي ل «معكم منى الشاذلي»: جدي شيخ الأزهر الأسبق    دعاء يوم الجمعة المستجاب.. «اللهمَّ اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخرها» ردده الآن    دون إصابات.. تفاصيل نشوب حريق بقطعة أرض فضاء في العمرانية    بعد 3 أسابيع من إعلان استمراره.. برشلونة يرغب في إقالة تشافي    انطلاق قافلة جامعة المنصورة المتكاملة "جسور الخير-21" المتجهة لحلايب وشلاتين وأبو رماد    في 5 دقائق.. طريقة تحضير ساندويتش الجبنة الرومي    مرور مفاجئ لفريق التفتيش الصيدلي على الوحدات الصحية ببني سويف    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    «الأوقاف» تعلن افتتاح 12 مسجدا منها 7 إحلالا وتجديدا و5 صيانة وتطويرا    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 17 مايو 2024 والقنوات الناقلة    أين وصلت جلسات محكمة العدل الدولية للنظر في دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17-5-2024 في المنيا    الاغتسال والتطيب الأبرز.. ما هي سنن يوم «الجمعة»؟    جيش الاحتلال: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان وانفجار أخرى في الجليل الغربي    يوسف زيدان: «تكوين» امتداد لمسيرة الطهطاوي ومحفوظ في مواجهة «حراس التناحة»    النواب الأمريكي يقر مشروع قانون يجبر بايدن على إمداد إسرائيل بالأسلحة دون انقطاع    بسبب عدم انتظام الدوري| «خناقة» الأندية المصرية على البطولات الإفريقية !    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    "كاميرا ترصد الجريمة".. تفاصيل تعدي شخص على آخرين بسلاح أبيض في الإسماعيلية    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الأحياء الأموات».. أهالى صبرا وشاتيلا بعد ثلاثين عاماً من ذبح 3500 فلسطينى فى ثلاثة أيام.. 35 ألف فلسطينى وسورى فى مخيمات يحاصرها الفقر والمرض والطائفية وذكريات المذبحة التى ارتكبتها إسرائيل
نشر في اليوم السابع يوم 27 - 12 - 2012

«هؤلاء الناس لا يريدون الموت، ولا يريدون الدمار، إنهم يريدون الحياة»، مدينة صبرا وشاتيلا ستبقى ذكرى للشهداء الذين راحوا ضحية المجازر التى نفذها مسلحون لبنانيون أفلتوا من العقاب دون محاكمات قبل ثلاثين عاما بعد أن نفذوا جريمتهم البشعة بمساعدة إسرائيلية يوم 16 سبتمبر عام 1982، وراح ضحية هذه المجازر «3500» فلسطينى، وهو ما شبهه كاتب صحفى بقتل اليوغسلاف على أيدى متعاطفين مع النازية فى الحرب العالمية الثانية.
على أبواب مخيم صبرا وشاتيلا تفوح رائحة الظلم ليس فقط لمقتل المئات دون أن تتم محاكمة أحد، ولكن أيضا بسبب معاناة أكثر من 35 ألف نسمة فقرا وجوعا وإهمالا، حيث يعيشون على مساحة كيلو متر واحد هى مساحة المخيم كله. بدأنا بمنطقة الغيرة وهى المنطقة التى تقودك لمدخل مخيم صبرا وشاتيلا، على بعد 5 أمتار تقريبا من أبواب مخيم صبرا وشاتيلا، دخلنا مدفن الشهداء من باب حديدى متهالك مطلى بلون أخضر باهت، «هنا وتحت أقدامكم دفن آلاف الشهداء الفلسطينيين والسوريين، معظم الشهداء نقلوا لمقابر أخرى تعرف بمقابر الشهداء الفلسطينيين بلبنان» هكذا قال لنا أدهم العشرى، مرشد الرحلة داخل مخيم صبرا وشاتيلا، الذى بدأ حديثه عن المذبحة، قائلا «أحيانًا لم يكتف القتلة بالقتل، بل كانوا يقطعون أعضاء ضحاياهم قبل الإجهاز عليهم، ويحطمون رؤوس الأطفال والرضع على الجدران، وأحيانًا كانوا يتركون واحدًا من أفراد العائلة على قيد الحياة، ويقتلون الآخرين أمام عينيه ليذهب ويقص ما شاهده»، ويتابع العشرى حديثه فيحكى واقعة قتل عائلة لبنانية بأكملها من عائلة تدعى «المقداد» بلغ عدد أفرادها 39 شخصًا، فيقول «لقد قام أفراد الميليشيا الكتائبيون بذبح البعض، وبقروا بطون البعض الآخر، وأطلقوا النار على الباقين، ومنهم زينب البالغة من العمر 29 عامًا، وهى فى شهرها الثامن، قتلوا أولادها السبعة، ثم بقروا بطنها وأخرجوا الجنين ووضعوه على ذراعِ أمه القتيلة».
على أبواب المخيم يستقبلك أهله بين مرحب ومتخوف، متسائلا: هل هم من هيئة الأونروا التى تزودنا بقليل من المساعدات الإنسانية، أم هم غرباء جاءوا بحثا عن مجموعة صور مأساوية جديدة تضاف لأرشيفهم حتى لو كانت على جثثنا، البعض رحب بنا والبعض الآخر حبس آلامه بقلبه ورفض الحديث، كما قال لنا أحد الأهالى «عن ماذا نحكى.. إحنا شعب يعيش المأساة، اتركونا لحالنا». الإهمال واضح فى كل ركن من أركان مخيم صبرا وشاتيلا، فرغم أن مجتمع المخيم الفلسطينى يحافظ على حقه فى الحياة والاستمرار فإن البيوت متهالكة لدرجة تعجز «دون مبالغة» عن تمييز مظاهر الهدم والأنقاض عن المنازل التى يعيش فيها الناس فعلا، جدران المنازل تتعامد على بعضها البعض، وأسلاك الكهرباء العارية تراها بوضوح بين بلكونات المنازل تمتد على مسافات طويلة بين جدران منازل المخيم، والتى تهدد أرواح آلاف الأسر، فإن لم يمت الأطفال من جنود الاحتلال فسيموتون حتما صعقا بالكهرباء وهم يلعبون تحت أسلاك الكهرباء الغليظة المنكشفة على بعد أمتار قليلة من رؤوسهم، على أبواب المنازل الصغيرة المتهالكة نساء يجلسن ويحملن أطفالهن الرضع يرضعنهن، على جدران المداخل صور للمقاومين الفلسطينيين، والنشطاء الأجانب المتضامنين مع الشعب الفلسطينى وحقوقه مثل «راشيل كورى» الفتاه الأمريكية يهودية الديانة العضوة فى حركة التضامن العالمية شهيدة الاستعمار اليهودى وعشرات الشهداء صورهم معلقة على جدران لاتزال تحمل آثار طلقات الرصاص «الشهيد محمد عبدالوهاب والشهيد فتحى الشقافى» وغيرهما نساء ورجال وشباب حتى الأطفال لهم نصيب فى صور الشهداء.
حماية المخيم ورعايته مسؤولية لجنة شبابية تابعة ل«منظمة التحرير» وهى مسؤولة عن إدارة المخيم وحل مشاكله، وتوفير احتياجاته، وذلك بالتنسيق مع «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» التابعة للأمم المتحدة والمعروفة اختصارا باسم «الأونروا» وهى معنية بتوفير حاجات المخيم الأساسية، ورغم حالة المخيم المتهالكة التى لاتصلح للعيش الآدمى فإن مجهودات الشباب المتواصلة لا تنقطع ولا تكل فى توفير احتياجات المخيم بالقدر المستطاع رغم قسوة الأحوال بالمخيم، أدهم الحبشى شاب فى 30 من العمر أحد شباب منظمة التحرير الذى تحدث معنا عن سوء حال المخيم الذى يزداد يوما بعد يوم قائلا «ماترونه لا يعتبر عشر ما يعانيه أهل المخيم، فانقطاع الكهرباء ونقص المياه اعتاد الأهالى عليه، ولكن نقص المواد الطبية، فضلا عن ضعف فرص عمل شباب المخيم تحديدا فى لبنان أمر أشد وطأة، فالحكم الطائفى بالمجتمع اللبنانى لا يسمح بعمل الفلسطينى أو السورى بعمل يتناسب مع مؤهلاته، وهو أمر كفيل بإ حباط الشباب».
فى وسط مخيم شاتيلا وعلى بعد 10 دقائق سير، وصلنا لمسجد الشهداء، قدسية المسجد ليس فقط لأنه بيت من بيوت الله، ولكنه أيضا شهد دفن «1000» شهيد قتلهم الحصار عام 1982 وقت حرب المخيمات عندما دارت معارك طاحنة استمرت لمدة ثلاثة أيام قادتها مجموعات انفصالية لبنانية هى قوات حزب الكتائب اللبنانى وجيش لبنان الجنوبى العميل لإسرائيل والجيش الإسرائيلى.
عدد القتلى فى المذبحة لم يحدد حتى الآن بوضوح، ولكن التقديرات تتراوح بين 3500 و5000 قتيل من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ المدنيين العزل من السلاح، أغلبيتهم من الفلسطينيين ولكن من بينهم لبنانيون أيضا، فى ذلك الوقت كان المخيم مطوقا بالكامل من قبل جيش لبنان الجنوبى والجيش الإسرائيلى الذى كان تحت قيادة «آرئيل شارون، ورافائيل أيتان» أما قيادة القوات المحتلة فكانت تحت إمرة «إيلى حبيقة» المسؤول الكتائبى المنفذ، وقامت القوات الانعزالية بالدخول إلى المخيم وبدأت بدم بارد ودون رحمة تنفيذ المجزرة، وكانت قد استخدمت الأسلحة البيضاء وغيرها فى عمليات التصفية لسكان المخيم العزل وكانت مهمة الجيش الإسرائيلى محاصرة المخيم وإنارته ليلا بالقنابل المضيئة، وكان المسجد أشهر مقبرة جماعية شاهدة على تلك المجزرة، حيث دفن الكثيرون فيه وحفرت أسماؤهم على جدران المسجد فى لوح جرانيتى كبير، كما أثبتت التحقيقات التى قام روبرت فيسك بها إلى جانب الصحفى النرويجى كارستين تفيت، أن العديد من الرجال «الفلسطينيين» الذين سلمتهم إسرائيل إلى المليشيات اللبنانية أعدموا بعد أيام قليلة من اعتقالهم. عدد اللاجئين السوريين بمخيم صبرا وشاتيلا يفوق 2500 شخص الآن، رأينا طفلا سوريا بمخيم شاتيلا يلعب الكرة مع أصدقائه أمام باب منزله المرسوم عليه صورة لعيون تحتضن الأقصى فسألناه عن أمله فى الغد فرد فى براءة وتلقائية «ماذا نأمل ونحن نعيش هذا التشريد».
خالد عز «60 عاما» شهد أحداث المجزرة وقت أن كان فى سن المراهقة عندما فر من مخيم شاتيلا إلى الجبال، وكان قد جاء من سوريا طفلا فى عمر السابعة، ورغم أنه يتحدث ثلاث لغات وحاصل على أرقى الشهادات الجامعية فإنه لظروف البلد القاسية ومروره بفترات حرب طويلة، لم يحالفه حظه بعيش أكرم مما يعيشه فى مخيم صبرا وشاتيلا، يقول عز «لقد طالبنا بالعدالة والمحاكمة الدولية للجناة، لكن شيئا لم يحدث، الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة ما كانت لتحدث ويقتل فيها المئات لو أن منفذى مجزرة صبرا وشاتيلا مثلوا أمام العدالة».
ويضيف خالد «المخيم الآن لا يمكن وصف حاله، فالفقر والجوع والخدمة الصحية المتردية فوق الوصف، ولكننا لا نملك خيارا بديلا، أين يمكننا الذهاب غلقت جميع الأبواب ولم يبق إلا أبواب الله، لايمكن أن تتخيلى شعور أم وهى تكاد تفقد طفلا لأنها لا تستطيع إدخاله مستشفى إذا أصابه مكروه فالإمكانيات الطبية بالمخيم تكاد تكون معدومة، والأهالى حالتهم الاجتماعية بسيطة جدا لاتكاد تقوى على توفير الخبز الحاف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.