بعد مرور ثلاثين عاما، مازال ضحايا مجزرة صابرا وشاتيلا التي تعتبر واحدة من أبشع المجازر في تاريخ الشعب الفلسطيني ينتظرون محاكمة المسئولين عنها، خصوصا أن محاكمات عدة قد تمت لأشخاص اعتبروا مسئولين عن مجازر أخري ارتكبت في مناطق مختلفة من العالم مثل البوسنة والهرسك. مذبحة صابرا وشاتيلا هي مذبحة نفذت في مخيمين للاجئين الفلسطينيين حملا اسمها في 16 سبتمبر عام ،1982 واستمرت ثالثة أيام علي يد المجموعات الانعزالية البنانية المتمثلة في حزب الكتائب اللبناني وجيش لبنان الجنوبي والجيش الإسرائيلي، ولم يعرف بوضوح عدد القتلي والذين تراوحوا ما بين 3500 و 5000 قتيل من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ أغلبهم من الفلسطينيين وأن ظل بينهم لبنانيون أيضا. في ذلك الوقت كان المخيم مطوقا بالكامل من قبل جيش لبنان الجنوبي والجيش الإسرائيلي الذي كان تحت قيادة اريل شارون ورافئيل ايتان، أما قيادة القوات اللبنانية فكانت تحت امرة المدعو "ايلي حبيقة" المسئول الكتائبي المتنفذ.. وقامت القوات الانعزالية بالدخول إلي المخيم وبدأت بدم بارد في تنفيذ المجزرة واستخدمت فيها الأسلحة البيضاء وغيرها، وكانت مهمة الجيش الإسرائيلي محاصرة المخيم وإنارته ليلا بالقنابل الضوئية. ففي يوم الاربعاء 15 سبتمبر 1982 وهو اليوم الذي تلا اغتيال الرئيس بشير الجميل، قامت قوات إسرائيلية بقيادة وزير الدفاع آنذاك ارئيل شارون باحتلال بيروت ومحاصرة مخيمي صابرا وشاتيلا بعد أن أخرج جميع أعضاء الفصائل المسلحة، وكان عددهم 14000 مقاتل من بيروت وضواحيها، وهم الذين كانوا يضمنون أمن وأمان المخيم وسكانه. وأجمع الكثير من المؤرخين والصحفيين حينها علي أن شارون كان المحرض الأول علي المجزرة، فقد قام الجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي بانزال 350 مسلحا من حزب الكتائب اللبنانية بذريعة البحث عن 1500 مقاتل فلسطيني مختبئين داخل المخيم، وفي تلك الفترة كان المقاتلون الفلسطينيون خارج المخيم في جبهات القتال، ولم يكن في المخيم سوي الأطفال والشيوخ والنساء، وقام المسلحون الكتائبيون بقتل النساء والأطفال والشيوخ بدم بارد، وكانت معظم الجثث في شوارع المخيم، ومن ثم دخلت الجرافات الإسرائيلية وقامت بجرف المخيم وهدم المنازل، ولم تخل هذه الجرائم من عمليات اختطاف جماعية دعمتها القوات الإسرائيلية، وبالتالي اختفاء العشرات الذين لايزالون في عداد المفقودين إلي يومنا هذا. لقد بدأ السيناريو المأساوي من الساعة التاسعة صباحا، حينما حضر ارئيل شارون شخصيا لإدارة العملية وتوجيه القوات الإسرائيلية، وما أن حل منتصف النهار حتي كان المخيمان محاصرين تماما من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية بجنود ودبابات وضعت الحواجز لمراقبة كل من يدخل ويخرج من منطقة المخيمات، وكان اليوم الثاني ايذانا ببداية النزيف، حين قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلية بمدفعيتها مع بداية عصر هذا اليوم المشهود، وقد سمحت القيادة العسكرية الإسرائيلية لقوات تابعة لحزب الكتائب اللبناني بأن تدخل المخيم، وبدأت المجزرة في صابرا وشاتيلا مع غروب يوم السادس عشر من سبتمبر وكانت النهاية في الساعة الواحدة في عز ظهيرة يوم السبت الثامن عشر من الشهر نفسه، وقامت عناصر الكتائب بقتل واغتصاب وتعذيب وجرح عدد كبير من المدنيين، وكانت قيادة الجيش الإسرائيلي علي اطلاع كامل بما يجري داخل المخيمات. علي اثر المجزرة أمرت الحكومة الاسرائيلية المحكمة العليا بتشكيل لجنة تحقيق خاصة، وقرر رئيس المحكمة العليا اسحق كاهان أن يترأس اللجنة بنفسه، وسميت "لجنة كاهان" وأعلنت اللجنة عام 1983نتائج البحث، وأقرت أن وزير الدفاع الإسرائيلي ارئيل شارون يتحمل مسئولية غير مباشرة عن المذبحة، إذ تجاهل إمكانية وقوعها ولم يسع للحيلولة دونها. لقد كان الهدف الأساسي للمجزرة بث الرعب في نفوس الفلسطينيين لدفعهم إلي الهجرة خارج لبنان، وتأجيج الفتن الداخلية، واستكمال الضربة التي وجهها الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 للوجود الفلسطيني في لبنان، ونفذت المجزرة انتقاما من الفلسطينيين الذين صمدوا في مواجهة آلة الحرب الاسرائيلية خلال ثلاثة أشهر من الصمود والحصار الذي انتهي بضمانات دولية بحماية سكان المخيمات العزل بعد خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت. ولم تكن مجزرة صبرا وشاتيلا أولي المجازر الاسرائيلية التي ترتكب ضد الشعب الفلسطيني، ولم تكن آخرها بالتأكيد، فقد سبقتها مجازر قبية ودير ياسين والطنطورة، وتلتها مجزرة مخيم جنين، ومجازر غزة وغيرها، ورغم بشاعة ماجري من قتل وتدمير في صابرا وشاتيلا، وهو ما شهده العالم أجمع، لايزال الفاعلون طلقاء، ورغم اقرار مجلس الأمن بأنها مجزرة إجرامية ووصفتها بأفظع جرئم القرن العشرين في الذاكرة الجماعية الإنسانية، إلا أنه لم تجر محاكمة أو محاسبة أي مسئول عن تلك الجريمة حتي الآن؟