وزير العمل: الخميس المقبل إجازة مدفوعة الأجر بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو    الخميس 17 يوليو 2025.. البورصة تسترد معظم خسائر الأمس    ولي العهد السعودي يثني على جهود الشرع لاحتواء الأحداث الأخيرة في سوريا    أوكرانيا تسعى إلى زيادة إنتاج الأسلحة محليا مع تحويل واشنطن صفقة منظومات باتريوت سويسرية لدعم كييف    مصدر بالتعليم: الانتهاء من تصحيح 7 مواد أساسية.. وبدء تقدير الرياضيات والإحصاء    إغلاق ميناء العريش البحري بسبب سوء الأحوال الجوية    4200 قطعة غارقة واكتشاف 74 سفينة.. ندوة في معرض مكتبة الإسكندرية تكشف أسرار الآثار الغارقة وجرائم التنقيب    نائب وزير الصحة تبحث مع ممثلي القطاع الطبي الخاص ب«المنيا» تقليل معدلات الولادات القيصرية غير المبررة    وزير البترول يبحث مع شركة صينية مشروعاً لتصنيع الألواح الشمسية بقناة السويس    محافظ سوهاج يتفقد مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين والوضع العام بقرية "المدمر"    عمرو أديب يعلن غيابه عن شاشة MBC - السبب وموعد العودة    وسط إقبال كثيف من الخريجين.. 35 ألف فرصة عمل في الملتقى ال13 لتوظيف الشباب    بدائل الثانوية.. كيفية التقدم لمعاهد التمريض بالأزهر - نظام 5 سنوات    أحمد عبد الوهاب يكتب: قراءة في أسباب تدهور «اقتصاد الضفة»    انهيار أرضي في كوريا الجنوبية ومصرع 4 أشخاص وإجلاء ألف آخرين    بلجيكا تمنع شحنة عسكرية لإسرائيل وتفرض قيودًا صارمة على تصدير المنتجات الدفاعية    أول تعليق من محمد الصباحي بعد اعتزاله التحكيم    "معلومة مؤكدة".. أول رد رسمي من الأهلي حول الاجتماع مع وكيل مصطفى محمد    تقرير: نجم الأهلي يرفع راية العصيان بالقلعة الحمراء    مانشستر يرفض الاستسلام في صفقة مبويمو    الخطيب يفتتح حمام سباحة «التربية والتعليم الأولمبي»    شيخ الأزهر يوافق على تحويل "فارس المتون" و"المترجم الناشئ" إلى مسابقات عالمية بهدف توسيع نطاق المشاركة    7 أقسام علمية متخصصة.. «الأكاديمية العربية» تطلق كلية العلاج الطبيعي بفرع العلمين الجديدة    «التعليم» تعلن الخريطة الزمنية للعام الدراسي الجديد 2025-2026    ضبط 3 أشخاص لاتهامهم بغسل أموال ب90 مليون جنيه من تجارة المخدرات    "فيها جن"... والد أطفال أسيوط يكشف سرًا غامضًا عن موقع غرق بناته الثلاث بالنيل -فيديو    ضبط 3 متهمين غسلوا 90 مليون جنيه من تجارة المخدرات    متابعة مكثفة للبرنامج العلاجي الصيفي لتنمية المهارات الأساسية للطلاب بأسيوط    غالبًا ما تدمر سعادتها.. 3 أبراج تعاني من صراعات داخلية    أحمد السقا ينعى والدة هند صبري.. ويسرا تعتذر    الشيخ خالد الجندي: من قدّم عقله على القرآن الكريم او السنة هلك    القاهرة الإخبارية: ارتفاع حصيلة شهداء كنيسة العائلة المقدسة بغزة إلى 3    الفراولة..7 فوائد لصحة القلب وضغط الدم    دبلوماسي إثيوبي يفضح أكاذيب آبي أحمد، ومقطع زائف عن سد النهضة يكشف الحقائق (فيديو)    كشف ملابسات فيديو جلوس أطفال على السيارة خلال سيرها بالتجمع - شاهد    الأزهر يدين العدوان الإسرائيلي على سوريا.. ويحذر من ويلات الفرقة    إعداد القادة: تطبيق استراتيجيات البروتوكول الدولي والمراسم والاتيكيت في السلك الجامعي    واتكينز يرحّب باهتمام مانشستر يونايتد رغم تمسك أستون فيلا    بين التحديات الإنتاجية والقدرة على الإبداع.. المهرجان القومي للمسرح يناقش أساليب الإخراج وآليات الإنتاج غير الحكومي بمشاركة أساتذة مسرح ونقاد وفنانين    "IPCC" الدولي يطلب دعم مصر فى التقرير القادم لتقييم الأهداف في مواجهة التحديات البيئية    في 6 خطوات.. قدم تظلمك على فاتورة الكهرباء إلكترونيًا    بمنحة دولية.. منتخب الكانوى والكياك يشارك فى بطولة العالم للناشئين بالبرتغال    سحب قرعة دوري الكرة النسائية للموسم الجديد ..تعرف علي مباريات الأسبوع الأول    للعام الثالث.. تربية حلوان تحصد المركز الأول في المشروع القومي لمحو الأمية    الأونروا: 6 آلاف شاحنة مساعدات تنتظر على حدود غزة.. والآلية الحالية لا تعمل مطلقا    ترامب: كوكاكولا وافقت على استخدام سكر القصب في منتجاتها    كابتن محمود الخطيب يحقق أمنية الراحل نبيل الحلفاوى ويشارك في مسلسل كتالوج    إغلاق حركة الملاحة الجوية والنهرية بأسوان بسبب سوء أحوال الطقس    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 17-7-2025 في محافظة قنا    وفاة والدة النجمة هند صبري    احتفالاً بالعيد القومي لمحافظة الإسكندرية.. فتح المواقع الأثرية كافة مجانا للجمهور    فيلم الشاطر لأمير كرارة يحصد 2.7 مليون جنيه في أول أيامه بدور السينما    نائب وزير الصحة يعقد الاجتماع الثالث للمجلس الأعلى لشباب مقدمى خدمات الرعاية الصحية    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: بروتوكول تعاون مع الصحة لتفعيل مبادرة "الألف يوم الذهبية" للحد من الولادات القيصرية    ما الفرق بين المتوكل والمتواكل؟.. محمود الهواري يجيب    كيف نواجه الضغوطات الحياتية؟.. أمين الفتوى يجيب    مقتل 50 شخصا إثر حريق هايبرماركت في الكوت شرق العراق    دعاء في جوف الليل: اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رقصات أول العام
نشر في الشروق الجديد يوم 18 - 01 - 2014

قضيت ليلة رأس السنة فى رحلة عابرة استغرقت أياما ثلاثة خارج العاصمة، وانتهت بالعودة إليها صباح العام الجديد. دعوة لعشاء وفقرات لألعاب بهلوانية وغناء وبعض الرقصات الإيقاعية، عروض كثيرة بائسة باهتة، جمعت أصوات وحركات لا طعم لها ولا رونق فيها، ولا حتى قدر من الحِرَفية والتَمَكُّنِ يسمح للحضور بإبداء الإعجاب أو التعاطف. قبل أن ينتصف الليل، ظهر أخيراً شاب أسمر؛ طويل القامةِ وشعرِ الرأس، نحيل العود، فى لباس مزركش؛ هو راقص التنورة الذى بدا قادماً ليمحو ساعات متواصلة من الملل والضيق. غاب عنه المساعدون الذين يؤازرونه فى العادة بأردية بيضاء، ولم ير الجمهور المُتَخَشِّب على المقاعد بقية أعضاء الفرقة المُتَوَقَّعِين، لكن الموسيقى انطلقت على أى حال وبدأ الشاب فى الدوران.
•••
تحكى التنورة كما هو معروف للكثيرين؛ قصة انفصال السماء عن الأرض، يمد الراقص ذراعه «اليمنى» لأعلى وتبقى اليسرى مُتَدلِّيَة إلى أسفل. تَنفصل طبقات التنورة واحدة تلو الأخرى مع الدوران، لكن الصلة بين السماء والأرض تظل منعقدة ضمناً عن طريق الذراعين الممدودتين. يُقال إن مع هذا الانفصال يتجرد الراقص مِن همومه وينفصل هو الآخر عنها، وأنه بتخلصه من الأربطة الملفوفة حول جذعه يرمز لفكاكه من رباط الحياة وتحلله مما يقيد حركته، كما يُقَال عن سر الدوران المعاكس لعقارب الساعة، إن حركة الكون ذاته دائرية، تبدأ من نقطة وتعود إليها وكذلك يفعل الراقص. يُقَالُ أيضاً إن التنورة المرتبطة بعوالم الصوفية، والمحفوفة بموسيقى الشجن وكلمات التوحد بالذات الإلهية والذوبان فيها، قد ظهرت فى مصر خلال العصر الفاطميّ، وأن أول من أدخلها هو جلال الدين الروميّ.
•••
أفقت من حال الشرود والانسجام مع الرقصة على أضواء شديدة، انبثقت من جسد الراقص ولم أكن رأيتها فى أى من عروض التنورة التى حضرتها سابقاً، منذ سنوات طويلة. قبل أن أستوعب وجود تلك الأضواء الصفراء والخضراء والحمراء، ولمبات النيون التى راحت تومض وتنطفئ على صدر الشاب وبطنه وظهره، وكذلك على تنورتيه؛ السابحة فى سماء القاعة والمحيطة بخاصرته، قبل أن أبذل أية محاولة للاقتناع بأن الأضواء التى اختطفت الأبصار كلها ربما هى بالفعل جميلة، وأن نفورى منها لهو من فعل المفاجأة، أخرج الراقص شمسية راح يحركها يميناً ويساراً ويرفعها ثم يخفضها ويديرها، ولم يلبث عدد الشمسيات أن تضاعف سريعاً وغطاه. شمسيات متوسطة الحجم، رخيصة الثمن، لها ألوان متنافرة، لا يعرف أحد ما تصنعه فى هذا المكان. صار الراقص شبيها بعروسة المولد.
بدت الرقصة عند هذه المرحلة وقد تخلت عن الفلسفة الكامنة فيها، وبدا أن الراقص يخلق كوناً جديداً، عالماً مختلفاً عن هذا الذى يحاكى راقصو التنورة التقليديون قصة خلقه. لم يأت خلق العالم الجديد على أنغام الناى والمزمار الشَجِيَّة والآت الإيقاع المعتادة من دفوف ومزاهر فى الرقصات الصوفية، لكنه جاء على أنغام الدى جى. تكونت سماء العالم الجديد من طبقتين فقط، تشعان ألواناً وأضواءً، وأحاطت به الشمسيات مِن الجوانب كلها. التفت حوله حتى كادت تغطيه، وتحجبه عن الناس الذين لم يعودوا قادرين على رؤية أية تفاصيل.
•••
خلع الراقص الطبقتين ولم يُكَلِّف نفسه مشقة طيهما كما اعتاد أن يفعل راقصو التنورة فى خشوع يليق بتَمَثُّلِ عملية الخلق، أطاح بهما طبقة وراء الأخرى على امتداد ذراعه لتسقطا أرضاً. صار العالم الجديد مَلقياً بازدراءٍ ومتجعداً، كما بدا حقيراً وفقيراً لا جلال له ولا عظمة. فقدت الرقصة جمالها وبهاءها، وكذلك فقد الكون رهبته، وما أفلح الراقص فى الصعود بجمهوره إلى الحالة الصوفية الروحانية، بل أُضِيفَت إلى الأجواء هُمومٌ بدلاً من أن تنقضى. كانت تلك هى الرقصة الأولى العجيبة التى أصادفها ليلة رأس السنة.
•••
الرقصة الثانية صادفتها فى اليوم الثانى بعد العودة إلى القاهرة. صبيان وبنات، رجال ونساء، مجتمعون فى أحد الميادين الكبرى، يعتلون رصيف الحديقة التى تتوسطه، يهزون البطون والرءوس والأَكُفَّ، ويتمايلون مع دقات الطبول التى يحملونها هاتفين: «الداخلية مية مية»، فيما يرفع ضابطٌ شابٌ ممشوق القامة قبضتيه لأعلى؛ مشيراً بعلامة النصر الشهيرة، ومستحثاً قائدى السيارات المارة على مشاركة الراقصين والراقصات.
لم أفهم على الإطلاق دواعى الرقص على شرف وزارة الداخلية فى هذا التوقيت، كما لم أفهم أيضاً علاقة علامة النصر بالرقصة، مَن الذى انتصر على مَن وكيف، ومَن الذى يحتفل الآن؟ أتراها رقصة الطائر المذبوح؟ بدت تلك الرقصة المُصَغَّرَة إحدى علامات الكون الجديد الذى دشنه راقص التنورة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.