أبدى رئيس وزراء لبنان السابق سعد الحريري استعداده للمشاركة في حكومة ائتلافية جديدة مع جماعة حزب الله باعتبارها حزبًا سياسيًّا بعد أكثر من 9 أشهر من استقالة حكومة نجيب ميقاتي، وقال إنه "متفائل جدًّا" بتشكيل هذه الحكومة. جاء ذلك على هامش أعمال المحكمة الدولية الخاصة في لبنان والتي افتتحت الخميس في ضاحية لاهاي لمحاكمة المتهمين بقتل والده و21 آخرين قبل نحو تسع سنوات، ووجهت اتهامات إلى أربعة أعضاء من حزب الله بتدبير الانفجار في وسط بيروت. وقال الحريري ردًّا على سؤال حول مشاركته في حكومة مع حزب الله "فيما يخص الاتفاق نحن إيجابيون في تشكيل حكومة. هذا شيء جيد للبلد وللاستقرار في البلد". وتحسم أقوال الحريري الجدل الدائر في بيروت حول استعداده وحلفائه للمشاركة في حكومة ائتلافية مع حزب الله ما دام يقاتل إلى جانب نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وتجرى مفاوضات بين الفرقاء في لبنان لتشكيل حكومة جديدة من 24 وزيرًا توزع الحقائب فيها على أساس 8 مقاعد لحزب الله وحلفائه و8 مقاعد للحريري وحلفائه و8 مقاعد لرئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الوزراء المكلف تمام سلام. وتجمدت المفاوضات في اليومين الماضيين بسبب متابعة الحريري لوقائع جلسات المحكمة في لاهاي حيث قال المدعون: إن البيانات المستخرجة من تسجيلات شبكات الهواتف لمليارات الاتصالات والرسائل النصية أظهرت ان المتهمين الذين يحاكمون غيابيًّا تبادلوا الاتصالات من عشرات الهواتف المحمولة لمراقبة الحريري في الأشهر التي سبقت اغتياله ولتنسيق تحركاتهم في يوم الهجوم. وينفي حزب الله أي دور له في قتل الحريري ورفض التعاون مع المحكمة. وحذر الأمين العام للحزب حسن نصر الله في 2010 حين كانت المحكمة تعد لتسمية المتهمين الأربعة قائلًا "يخطئ من يتصور أننا سنسمح بتوقيف أحد من مجاهدينا.. أن اليد التي ستمتد إلى أي وأحد منهم ستقطع". وتقول جماعة حزب الله الشيعية: إن المحكمة هي أداة بيد إسرائيل التي خاضت حربًا مع الحزب لمدة 34 يومًا في صيف 2006 وإن إسرائيل اخترقت شبكة الاتصالات في لبنان لافتعال قضية ضد الجماعة. وشاب التحقيق ما بدا أنها عثرات منها شهادة شهود أنكروا لاحقًا ما ورد في أقوالهم والاعتقال المطول بدون تهم لأربعة مسؤولين أمنيين مؤيدين لسوريا وتسريبات إعلامية مما قدم حججًا لمنتقدي المحكمة. وقال الحريري: "أعتقد أن العدالة بدأت أخيرًا تأخذ مجراها. أعتقد أن اليوم هو يوم عظيم للعدل في لبنان. عهد الإفلات من العقاب قد انتهى في لبنان لذلك أظن أن اليوم كان عظيمًا بالنسبة لنا". وأضاف "أعتقد بأنه مثل معظم المحاكم الدولية سوف تأخذ وقتًا. تاريخيًّا في لبنان كان لدينا خلال الخمسين عامًا الماضية اغتيالات وراء اغتيالات ولم يكن هناك أي محاكمة فعلية أو أي عدالة فعلية في لبنان من أجل معرفة من قتل من في لبنان". ومضى يقول "إنها المرة الأولى التي يحصل شيء مثل هذا في لبنان، وأظن بأن أولئك الذين قاموا بهذه الجرائم سيتم إلقاء القبض عليهم بالأخير. يمكن أن تأخذ وقتًا ولكن في الأخير سوف ننال منهم". "لا يمكن أن تعرف ماذا سوف يغير اليوم، ولكن مع الوقت سوف نجد يومًا أن هذه المحكمة قد أوقفت الاغتيال السياسي في لبنان". وقبل ثلاث سنوات حين بلغ التوتر ذروته بشأن قرب صدور لوائح الاتهام أطاح حزب الله بحكومة وحدة وطنية بقيادة سعد الحريري نجل رفيق الحريري بعد أن رفض قطع علاقات لبنان مع المحكمة التي تتحمل بيروت 49 بالمئة من تمويلها. وبعد وقت قصير على إسقاط حكومته واندلاع الانتفاضة في سوريا في أوائل عام 2011 غادر الحريري لبنان خوفًا على سلامته مع تصاعد العنف الطائفي. وظل متنقلًا ما بين فرنسا والمملكة العربية السعودية، لكنه حضر افتتاح جلسات المحكمة في لايدشندام خارج لاهاي حيث تأمل الأسرة أن تتوصل للحقيقة على الأقل إن لم يكن العدالة. ودق الانفجار الذي أودى بحياة الملياردير رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري إسفينًا بين اللبنانيين السنة الذين ينتمي إليهم الحريري والشيعة الذين ينتمي لهم حزب الله. وزاد تسمم هذه الأجواء بفعل الخلافات بشأن الحرب الأهلية في سوريا والتي جعلت مقاتلين لبنانيين من السنة والشيعة ينضمون على أساس طائفي إلى الطرفين في سوريا كما امتدت عبر الحدود في صورة هجمات طائفية مميتة في المدن الرئيسية في لبنان. وفي أواخر الشهر الماضي وقبل ثلاثة أسابيع فقط من افتتاح المحاكمة قتل الوزير السابق محمد شطح، وهو مستشار مقرب من سعد الحريري في انفجار سيارة ملغومة على بعد بضع مئات من الأمتار من هجوم عام 2005. وقبل ذلك بعام قتل حليف الحريري وسام الحسن، رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي في انفجار ببيروت عام 2012. وقال الحريري "في نهاية المطاف سوف أعود. هناك مشكلة أمنية في لبنان وخاصة كما تعلمون بعد اغتيال شطح العام الماضي والحسن قبل ذلك. على أمل أن أعود يومًا عندما أرى ذلك مناسبًا" في إشارة إلى محمد شطح، المستشار السياسي للحريري ووسام الحسن، رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي. وقال الحريري: "لا أريد أن أعود وينتهي بي المطاف كالآخرين قبلي. أريد أن أعود وأمارس دوري كما يجب".