بدا طلاب مصر في الجامعات والمدارس مؤخرا وهم يتصدرون الموقع الأبرز في المشهد الرافض للعملية السياسية الحالية في مصر بكل ما يصدر عنها من قوانين وإجراءات ، فمنذ بدء العام الدراسي الحالي قبل شهرين وحتى الآن لا يكاد يمر يوم واحد دون أن تشهد واحدة من الجامعات المصرية مظاهرة أو اعتصاما طلابيا في حين يمتلئ فضاء شبكات التواصل الاجتماعي بصفحات لجماعات طلابية تصف نفسها بالساعية للتغيير. ولئن كان الطلاب بطبيعتهم أصحاب الموقع الأبرز في العديد من الثورات في العالم مثل حركة الاحتجاج الكبرى التي شهدتها فرنسا العام 1968 والتي بدأت على يد الطلاب والثورة الإيرانية عام 1979 ، فإن المشهد الحالي في مصر يعيد إلى الأذهان مشاهد تكررت عبر تاريخ الحركة الطلابية المصرية حيث كان للطلاب الموقع الأبرز في مشهد الحركة السياسية الوطنية سواء في عهود الاحتلال أو فيما بعد في ظل أنظمة وطنية للحكم. مرحلة السبعينات وربما يتذكر الكثيرون الدور الذي لعبته الحركة الطلابية خلال السبعينات من خلال مظاهراتها إبان ما عرف بفترة اللاحرب واللاسلم وما مارسته من ضغوط على الرئيس المصري الراحل أنور السادات بهدف التعجيل بقرار الحرب وهو ما قيل إنه كان السبب وراء قيام حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 . كما يتذكر كثيرون أيضا الدور القيادي الذي لعبه الطلاب إبان ما عرف بانتفاضة السابع عشر والثامن عشر من يناير/كانون الثاني عام 1977. ويرى كثير من رموز الحركة الطلابية خلال السبعينيات أن الحركة الطلابية تعرضت لانتكاسة بعد صدور ما عرف بلائحة 79 المنظمة للنشاط الطلابي في الجامعات المصرية، وهي الانتكاسة التي تبددت مع قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير لعام 2011 والتي شهدت مشاركة طلابية واسعة النطاق. هل يقودون التغيير؟ لكن العودة القوية للحركة الطلابية في مصر منذ بداية العام الدراسي الحالي وما تمارسه من صور احتجاجية في هذه المرحلة تطرح تساؤلات عدة حول ما إذا كان طلاب مصر هم الفئة المرشحة لقيادة المرحلة القادمة من التغيير في البلاد. وحول التيار السياسي الذي يسيطر على تلك الحركة في المرحلة الراهنة، وما إذا كانت تلك الحركة قادرة على التحالف مع قوى وحركات مطالبة بالتغيير منها ما هو تقليدي ومنها ما هو مستحدث. لا تمثل إلا الإخوان جمال فهمي الكاتب الصحفي المصري وعضو مجلس نقابة الصحفيين المصرية وأيضا أحد رموز الحركة الطلابية إبان السبعينات يرى أن الحركة الطلابية قادرة دوما على التغيير وأنها صاحبة تاريخ مؤثر في الحركة السياسية المصرية في العصر الحديث، لكن فهمي يرى أنه لا يمكن أطلاق مسمى "حركة طلابية" على كل تظاهرة طلابية. ومن وجهة نظره فإن التظاهرات تحتاج إلى شروط مجتمعية من أجل أن تتحول إلى حركة طلابية أولها أن تكون متوافقة مع مطالب اجتماعية لشرائح أخرى من المجتمع وأن تلتحم مع تيارات اجتماعية أخرى تجمعها بها أهداف مشتركة ، ويخلص فهمي إلى أن ما يحدث الآن في الجامعات المصرية لا يمكن أن يسمى بالحركة الطلابية إذ أنه وفي رأيه فإن التظاهرات الحالية يسيطر عليها طيف سياسي واحد هو الإخوان المسلمون ويفضل فهمي أن يسمي تلك التظاهرات بتظاهرات طلاب الإخوان المسلمين التي تطالب بتحقيق مطالب الإخوان المسلمين وعلى رأسها عودة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي وليس الحركة الطلابية. يقول جمال فهمي إن الحركة الطلابية اكتسبت قوتها في مناسبات عدة في تاريخ مصر عندما التحمت بقوى أخرى في المجتمع وعلى رأسها القوى العمالية، وهو ما كان بارزا فيما عرف بانتفاضة 17 و18 يناير 1977 لكن ذلك لا يتحقق الآن على الإطلاق على حد تعبيره. ويرى فهمي أن أحد أهم مظاهر عدم تحقق هذا الشرط هو ارتباط التظاهرات الحالية بالعنف الذي يمارسه الطلاب وهو ما يعد غريبا على الحركة الطلابية المصرية عبر تاريخها . و يعتبر فهمي أن عدم تمتع التظاهرات الحالية بظهير شعبي قوي يتفق معها في ما تطرحه من مطالب هو الذي يدفعها لارتكاب مثل هذا العنف. كل الأطياف تعمل معا أما أحمد البقري وهو رئيس اتحاد طلاب جامعة الأزهر الجامعة، التي تشهد أكبر الحركات الاحتجاجية، والتي شهدت سقوط قتيلين من بين الطلاب مؤخرا، فيرى أن طلاب مصر قادرون بالفعل على التصدي للتغيير في المرحلة الحالية. ويضيف البقري أن الأحداث التي جرت منذ شهرين على بدء الدراسة تثبت أن الطلاب مصرون على استمرار المسيرة الديمقراطية التي أفرزتها ثورة الخامس والعشرين من يناير وإنهاء الحكم العسكري الذي اغتصب السلطة على حد قوله ويؤكد البقري للبي بي سي على أن الطلاب ملتحمون تماما مع الشارع المصري بكل فئاته، وأنهم يعكسون طموحات الشعب المصري مشيرا إلى أن تاريخ الحركة الطلابية في مصر يثبت أنها دوما كانت وسط الناس سواء في ظل الاحتلال الإنجليزي أو في عهد عبد الناصر أو السادات. ويقول البقري أن هناك اتفاقا بين طلاب مصر بكافة انتماءاتهم حاليا على أن جامعة حرة تعني وطنا حرا، وينفي ما يقال عن أن التظاهرات الطلابية تمثل طيفا سياسيا واحدا هو الإخوان المسلمون. وأشار البقري إلى وجود تنسيقية للطلاب حاليا تضم عشرين ائتلافا طلابيا وتمثل كافة الأطياف السياسية من اشتراكيين ثوريين إلى إخوان إلى أنصار الدعوة السلفية ، وأن هدفها الوحيد هو إعلاء مصلحة الوطن وتنازل كل طيف سياسي عن أهدافه الخاصة من أجل إنهاء الحكم العسكري في مصر ثم وضع خريطة طريق فيما بعد تستوعب الجميع. ويؤكد البقري على أن الحركة الطلابية ستطور من وسائلها خلال المرحلة القادمة بعد انتشارها في كل مكان حيث ستطبق استراتيجيات جديدة مثل تعليق الدراسة وتعليق الامتحانات حتى يتنحى النظام الحالي عن الحكم.