من بين جميع مكونات المجتمع الإسرائيلى تبدو ضائقة البدو فى النقب هى الأصعب على الاطلاق. فمستوى التعليم لديهم هو الأكثر تدنيا، وظروف سكنهم هى الأقسى، ومستوى دخلهم هو الأقل. فى مقابل ذلك، يمر البدو بعملية مؤلمة هى الانتقال من حياة الترحال التى طبعت حياتهم لأجيال عديدة، إلى العيش فى مجتمع مدنى يستند إلى حد كبير إلى التكنولوجيا الحديثة. وعلى الرغم من أن تعدد الزوجات ممنوع فى إسرائيل، فإنه منتشر وسط بدو النقب. وتأتى النساء من غزة ومن يهودا (الضفة الغربية) ومن الأردن. ولا تعتبر الزيادة السكانية وسط المجتمع البدوى الأعلى فى إسرائيل فقط، بل هى الأعلى فى العالم كله، فلدى نشوء الدولة كان عدد البدو فى النقب 18 ألفا، أما اليوم فهناك أكثر من 200 ألف. ونتيجة لذلك، فإن نصف هذا العدد يعيش فيما يعرف باسم «القرى غير المعترف بها»، التى من جهة ليس فيها البنى التحتية الأساسية التى تتطلبها الحياة المعاصرة، ومن جهة أخرى تشكل عائقا فى وجه تطوير النقب. خلال الأعوام ال65 الماضية، تجاهلت الحكومات الإسرائيلية وضع البدو. والفراغ الذى تركته هذه الحكومات ملأته الحركة الإسلامية الشمالية المتحالفة مع الإخوان المسلمين فى مصر ومع حركة «حماس» فى غزة. ونشط أعضاء الحركة وسط البدو وعملوا لتقوية ارتباطهم بالدين، ولإقناعهم بأنهم فلسطينيون وأن على الشباب منهم عدم التطوع فى الجيش الإسرائيلى، وأن دولة إسرائيل عدوة لهم. وعلى الرغم من مباركتنا لنيات حكومة نتنياهو فى معالجة المشكلات التى يعانى منها البدو فى النقب، فثمة شك فى أن الخطوات التى تتضمنها خطة بيجن - برافر هى الحل. فالخطة تضمنت اعترافا بجزء من المطالب المشكوك بأمرها لبعض البدو فى ملكيتهم للأراضى، ورفضت مطالب مشابهة أخرى، كما فرضت بالقوة انتقال جزء من البدو إلى بلدات جديدة. فلا عجب أن يثير ذلك غضب الكثير من البدو. وقد استغل الوضع أعضاء الكنيست العرب المتطرفون الذين يحاولون تحويل الموضوع إلى جزء من النزاع الفلسطيني الإسرائيلى. ماذا نستطيع أن نفعل؟ فى البداية يجب أن نفهم أن الانتقال من نمط الحياة التقليدية إلى الحياة المعاصرة أمر لا يمكن فرضه من خلال القانون والمحامين. ففى الأساس، ليست هذه مشكلة قانونية ولا يمكن حلها بواسطة القانون، ويجب عدم حلها بالإكراه. ما زلنا نذكر ماذا جرى عندما أُخرج سكان غوش قطيف بالقوة من منازلهم، علينا ألا نكرر ما فعلناه هناك. إن الذى باستطاعته مساعدة البدو على التغلب على صعوبة الانتقال هم الخبراء فى هذا المجال من علماء الأنثروبولوجيا. ولسنا بحاجة لأن نكون علماء أنثروبولوجيا كى ندرك أن المشكلة الأساسية لا تكمن فى مشكلة الأراضى بل فى غياب التعليم المطلوب. يجب السماح للبدو بالحصول على المعرفة والمؤهلات المطلوبة من أجل الاندماج فى المجتمع الإسرائيلى. وكل من يعرف جهاز التعليم لدى بدو النقب يدرك أن الأمر يتطلب جهدا رسميا كبيرا بدءا من روضة الأطفال حتى الجامعة. أما المطالبة بحقوق ملكية الأراضى فيجب أن تعالجها المحاكم ولا ضرورة لقوانين جديدة. إلى جانب ذلك، يجب منع تعدد الزوجات الذى يسيء إلى البدو أنفسهم. ويجب ابعاد الحركة الإسلامية التى فى الأساس لا تضع مصالح البدو فى رأس اهتماماتها. ويجب على الجيش الإسرائيلى ايجاد الحوافز التى تشجع الشباب البدو على الانضمام إلى صفوفه، ففى النهاية هو المؤسسة التعليمية الأفضل فى إسرائيل. موشيه أرينز - وزير دفاع سابق «هاآرتس» نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية