عيون حزينة ووجوه صامتة تستقبل القادمين من القاهرة إلى أشمون فى المنوفية، حيث تم دفن أكثر من 20 مجندا، أمس الأول، بعد مقتلهم فى رفح، وقد ارتدت المدينة الأسود حزنا على أبنائها، وأقيم العزاء ليلا فى كل القرى والمراكز المحيطة. فى شوارع قرى أشمون لا يتوقف صوت القرآن، وتحديدا فى كفر شماعة، حيث سرادق ضخم يجلس فيه الآلاف من الأهالى، ولن تستطيع أن تحدد من هم المعزون ومن هم أصحاب العزاء، فوجوه الحاضرين جمعتها نظرات الحزن والصمت. يقول رجل بسيط يجلس فى مؤخرة العزاء، لا تغادر حالة الذهول والحزن وجهه، والدموع لا تفارق عينيه: «ياريتنى كنت قلتله خليك ومتسافرش سيناء»، كلمات مصحوبة بالدموع قالها والد الشهيد معوض حسن الذى لقى مصرعه فى حادثة قتل الجنود برفح، وأضاف: ابنى شهيد الإرهاب متزوج حديثا، ولديه يوسف عمره عام فقط، كان يعمل فى مصنع سيراميك قبل التجنيد»، وأكد والده أن ابنه رفض عدم طاعة الأوامر بعدم العودة مرة أخرى إلى المعسكر مثل أصدقائه الهاربين من التجنيد، حيث تخلف بعضهم عن عدم استكمال المدة. تذكر والد الشهيد آخر مكالمة دارت بينهما قبل موته بساعات طمأنه خلالها قائلا: «الصعب عدى، الواحد شاف الموت سنتين فى معسكر الأحراش برفح، العرب كانوا بيضربوا علينا قذائف الآربى جى وبنشوف أصحابنا بتموت قدام عيننا، الحمد لله هانت خلاص ساعات وهرجع البيت واشتغل فى القرية وأقعد مع ابنى يوسف وأعلمه وأربيه»، لكن القدر لم يسمح له أن يحقق حلمه، فبعد عامين هرب فيها من الموت المؤكد، لم يتركه القدر فى آخر ساعات خدمته. وأضاف الوالد: «قال لى قبل استشهاده بساعات إنه يجلس مع أصدقائه على المقهى ليلا بسبب حظر التجول، على أن يتجهوا فى الصباح إلى المعسكر لاستخلاص ورق التجنيد وإنهاء خدمتهم»، مشيرا إلى أن السائق وصاحب المقهى أبلغا المجموعات الإرهابية عنهم، وسلمهم السائق حيث تم قتلهم ببشاعة وكأنهم أعداء. وعن ساعات الموت التى قضاها معوض فى المعسكر طيلة العامين الماضيين قال الأب إن الابن قضى خدمته فى معسكر الأحراش وكان يتحدث معه ليلا، وأن العرب كانوا يستهدفون المعسكر من خلال أسطح المنازل وانتشار قناصة الإرهابيين، ودائما ما يموت العديد من الجنود كل يوم، مشيرا إلى أن معوض رفض مغادرة المعسكر، وقال له الضباط: «يا نحارب يا نموت، لكن نهرب استحالة». واتهم والد الشهيد أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي وجماعة الإخوان بقتل ابنه، وبالتحديد محمد البلتاجى الذى أكد أن العمليات ستتوقف بعد عودة مرسى لسدة الحكم، مضيفا: «مستعد أرسل للفريق السيسى ولادى يلتحقوا بالجيش ويموتوا من أجل مصر، ويشاركوا في الحرب ضد الإرهاب». وحكى أحمد عبدالله، صديق الشهيد معوض، عن تفاصيل آخر مكالمة بينهما قائلا: «معوض كان سعيد جدا، واستشهد بعد ساعات من مكالمته معى، وقد عاد أثناء عيد الفطر وروى لنا معاناة الجنود فى سيناء، والخطر الذى يعيشه كل لحظة، وصعوبة النوم فى المعسكر تحت نيران الإرهاب». وقال إبراهيم ذكى، أحد جيرانه، «المنتمون لجماعة الإخوان لم يحضروا عزاءه، بالرغم من العشرة بيننا، ولكن وقت المصاعب تظهر الرجال والنوايا الحقيقية»، مؤكدا أن معوض كان يكره مرسى وطالبنا بالمشاركة فى مظاهرات 30 يونيو لإسقاطه. وفى كفر سراوة أقيم عزاء رمزى شارك فيه أهل الكفر بالرغم من عدم انتماء شهداء رفح للكفر، وحضر العزاء سكان القرى المحيطة لتقديم واجب العزاء، وأقامت قرى مركز أشمون سرادق العزاء للشهداء، وقال أحمد مصيلحى، أحد سكان كفر سراوة: «اتفقنا على جمع أموال من أهل الكفر وإقامة سرادق عزاء رمزى تضامنا مع شهداء القرى المجاورة، كما اتفق أهالى أشمون على بناء مساجد فى كل القرى تحمل أسماء الشهداء». وفى المقابل فرض سكان قرى أشمون حظر تجول لأعضاء جماعة الإخوان بعد استشهاد 21 جندى من أبناء تلك القرى، وأعلنوا مقاطعتهم، خاصة أن أهالى كثير من هذه القرى أكدوا أن أعضاء الجماعة لم يأتوا لأداء واجب العزاء خوفا من ردود فعل أهالى الشهداء. وقال مدحت ذكى، أحد سكان قرية شماعة، «أهل القرية لن يتعاملوا مع أعضاء الجماعة خاصة أنهم تجاهلوا واجب العزاء، وأكثر من مرة نتحدث معهم ونؤكد لهم أننا مسلمون مثلهم، لكنهم لا يلتفتوا إلى نصائحنا»، وأكد أن الأهالى انتخبوا أشرف بدر الدين، القيادى الاخوانى، لكنهم خدعوا فيه بعد أن تأكدوا أنه يخدم أهله وعشيرته فقط، وليس الأهالى، وأشار ذكى إلى أن جماعة الإخوان ليس لها مكان فى أشمون بعد مقتل أبنائهم فى سيناء، وأن كثيرين يرفضون التعامل معهم خاصة أن أغلبهم تجار. ونفس القرار اتخذه سامى عبدالمنعم، أحد الأهالى قائلا: «لن نتعامل مع من تعاون فى قتل أبنائنا وشارك فى الهجوم على سيناء من أجل عودة الرئيس المعزول محمد مرسى، ولن نتعامل مع التجار الإخوان حتى لا نساعدهم فى شراء سلاح للإرهابيين».