ختم القرآن ليس مجرد تعود حضور جلسة قراءة آخر القرآن، ولا مجرد التلاوة طلبا للثواب، ولكن «ختم القرآن» يعنى أكثر من ذلك فالقرآن الكريم هو رسالة رب العالمين لكل واحد من البشر، وتلك الرسالة جاءت لتعليم الإنسان ما له وما عليه، كذلك لإعلامه وتعليمه أن الإنسان هو «السيد بين المخلوقات» وأنه هو المكلف بإعمار الكون، لذلك جاء القرآن يشرح «علاقة الإنسان بربه» الذى خلقه، و«علاقته بالبشر» من حوله على جميع المستويات، و«علاقته مع سائر المسخرات» من نبات وحيوان وجماد، و«علاقته بنفسه» كيف يزكيها ويجعلها جديرة بتكريم الله لها ((وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)) وتلك الرسالة وقد جمعت كل تلك العلاقات وأحكامها فهى الدليل الصحيح لحركة الحياه، لذلك يجب على الإنسان أن يتعرف دائما على حدود علاقاته وأحكام تلك العلاقات، وأن يواظب على تذكرها حتى لا ينساها ولا ينحرف عنها تماما مثل المريض الحريص على الشفاء فهو يواظب دائما على تناول الدواء بصفة دائمة وربما فى مواعيد ثابته ولا يغفل عن تناوله. وهذا هو السبب الرئيس فى تعود الناس «قراءة وختم القرآن» وهو مراجعة الدليل الإلهى، ودوام النظر فيه ومساعدة للناس على هذا تفضل منزل الكتاب بأفضال كثيرة أبرزها «تيسير قراءته» ((..وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)) ثم «الثواب الجزيل على القراءة»، تحبيبا للناس فى التعرف على الدليل الواقى والشافى لهم ((وَنُنَزِّل مِنْ الْقُرْآن مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَة لِلْمُؤْمِنِينَ..)). وبعد تفضل الله بالتيسير والثواب تفضل علينا رسوله محمد فعلمنا وأخذ بأيدينا للقراءة وللتعلق دائما بختم القرآن، وهو يريد أن يضع الإنسان دائما أمام «كامل الدواء» ويجعل الإنسان دائما ذاكرا ما له وما عليه فجاء الوعد النبوى بكثرة الثواب على قراءة القرآن وعلى ختم القرآن، وقراءة القرآن بصفة عامة لها ثواب لأن مجرد القراءة عبادة حيث أمر الله ولكن تلك العبادة مشروطة بغايات لابد من تحقيق أحدها وتلك الغايات هى التفكر والتعقل والتدبر والتذكر. ((كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ))، ((أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا))، ((..كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ))، ((كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ..)) (( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)) هكذا يكون ختم القرآن مقصودا به الإحاطة بما فيه وتذكره وتدبره وتعقله. وأروى عن أحد مشايخى ما قاله لى إن «عليا بن أبى طالب» كان يختم القرآن كل أسبوع مرة، وكان يقسم القرآن إلى سبعة أقسام، لكل يوم قسم (ورد)، وقد جعل الحرف الأول من اسم السورة التى يبدأ بها الورد اليومى رمزا لهذا القسم (الورد)، ثم جمع هذه الرموز السبعة طبقا لترتيبها فى جملة «فمى مُشوق» أى أن فمه دائم الشوق لقراءة القرآن. فالسبت من الفاتحة إلى أول المائدة (ف م)، والأحد من المائدة إلى أول يونس (م ى)، والاثنين من أول يونس إلى مريم (ى م)، والثلاثاء من مريم إلى الشعراء (م ش)، والأربعاء من الشعراء إلى الصافات «وَالصَّافَّاتِ» (ش و)، والخميس أول الصافات إلى «ق» (و ق)، والجمعة من «ق» إلى آخر المصحف. فهذه الحروف كما تراها تكون جملة «فمى مشوق»، وأيضا قد نقل الإمام الغزالى عن أحد العارفين قوله: «لى فى كل جمعة ختمة، وفى كل شهر ختمة، ولى منذ ثلاثين سنة ختمة ما فرغت منها بعد» وذلك على قدر التدبر، ونحن نختم القرآن لنتذكر، ثم نتعلم، ثم نعمل بما علمنا، ثم نستحق رضوان الله إن شاء الله.