طالب المفكر الاقتصادي جودة عبد الخالق، وزير التضامن الاجتماعي الأسبق، بالابتعاد عن فكرة الانتقام من أي فصيل، لأن الانتقام يضعف جسد الدولة المصرية، موضحًا أن ظروفه الصحية حالت دون موافقته على تولي وزارة التموين، لكنه أكد أنه تواصل مع الوزير الحالي اللواء محمد أبو شادي، وعرض عليه تقديم المشورة والمساعدة في أي وقت. وشدد «جودة»، على أن المساعدات التي قدمتها دول الخليج لمصر، ستساعد في رفع التصنيف الائتماني، ولكن يجب ألا تخدعنا أموال الخليج والمساعدات، في أنها ستحل المشكلة الاقتصادية في الوقت الحالي. كما أوضح أن المجتمع المصري المسؤول عن الدماء التي تسيل بالشوارع، حيث إن «مجتمعنا بات يسمع بأذنيه أكثر من عقله»، ومن جانب آخر فإن جماعة الإخوان دخلت في صراع سياسي مع المجتمع المصري بأسره، وهو ما يجعلها سببا رئيسيا في إراقة الدماء الآن. كما قال وزير التضامن الاجتماعي الأسبق: «كنت أشك في جدية الرئيس السابق محمد مرسي في الحفاظ على الأمن بسيناء، بعد أن وضع قيودا على يد الجيش هناك، كما أن معتصمي رابعة العدوية لا يؤيدون مرسي لوجه الله، ولكن هناك أموالا توزع عليهم بدأت ب100 جنيه في أول أيام الاعتصام، ولكن هذه الأموال ستتوقف بعد مصادرة أموال قيادات بالجماعة». وتوقع أن تلجأ جماعة الإخوان المسلمين إلى العنف بالقاهرة على غرار ما تشهده سيناءوغزة حاليا. وذكر أن مرسي ليس «معتقلا» حتى يتم الإفراج عنه، ولكن يمكن الإقبال على هذه الخطوة كحافز لأنصاره حتى يفضوا اعتصامهم، تحت شعار «لم الدور»، ومن جانبي «أصلي ركعتين لمصر وشعبها كل يوم بعد صلاة الفجر حتى تخرج بلدي من محنتها».. مزيد من الآراء المهمة يمكن الاطلاع عليها في حوار «الشروق» مع المفكر الاقتصادي جودة عبد الخالق، فإلى نص الحوار.. * بماذا تسمي ما حدث يوم «30 يونيو»؟ - أعتقد أن «30 يونيو»، هو الموجة الثانية للثورة المصرية، فالموجة الأولى كانت في ثورة 25 يناير، وتم استكمالها بنزول الناس للشارع بالملايين لإعلان رفضهم للنظام القائم. * ما رأيك في التشكيل النهائي لحكومة الدكتور الببلاوي؟ - أولا لا شك في أن هناك جهودا كبيرا بذلت من أجل تشكيل الحكومة الحالية، وهي حكومة مدنية تمثل يمين الوسط؛ لأن بها وزراء من الاتجاهين الليبرالي واليساري، ومن وجهة نظري فهذه ليست حكومة تسيير أعمال، وإنما إدارة الشأن العام للبلاد خلال المرحلة الانتقالية، طبقا للإعلان الدستوري الصادر في 3 يوليو الماضي. * هل حكومة المصالحة الوطنية ستنجح في هذا التوقيت؟ - لكي تنجح أي مصالحة وطنية، لابد من فصل الدين عن السياسة، ثم نبتعد عن فكرة الانتقام من أي فصيل، لأن الانتقام يضعف جسد الدولة المصرية. * ما سبب اعتذارك عن تولي منصب في حكومة الببلاوي؟ - سأكون صريحا معك حالتي الصحية لم تعد تسمح لي بتقلد أي منصب، ووزارة التموين تحتاج إلى مجهود كبير، وظروف مرضي لن تساعدني على العمل، وأنتظر حتى أتماثل للشفاء لأعود للمشاركة في العمل السياسي مرة أخرى، لكني تواصلت من وزير التموين الحالي، وطلبت منه أن يتصل بي في أي وقت يحتاج فيه إلى النصح أو المشورة. * ما رأيك في تولي الشباب مناصب تنفيذية بالدولة؟ - كثير من الشباب لديه طاقة وحماس للعمل وخدمة البلاد، إلا أنه في حاجة لخبرة، لذلك يجب الاهتمام بهم وتدعيمهم حتى يصبحوا رقما في المعادلة السياسية والاقتصادية بالمجتمع، حتى يستطيعوا تولي مناصب قيادية. * هل من الممكن أن نرى أحد الشباب في سباق الرئاسة المقبل؟ قد يحدث هذا بشرط السماح للشباب بإنشاء الأحزاب السياسية، حتى تظهر منهم الكفاءات التي تستطيع تقلد المناصب السياسية، ونحن في حزب «التجمع» نقوم الآن بتقليد الشباب مناصب داخل الحزب لتأهيلهم. * ما رأيك في أداء وزير التموين السابق باسم عوده؟ - الدكتور باسم عوده من الشباب الذين دعمتهم في السابق، فهو يملك طاقة كبيرة للعمل، ولديه إخلاص، ولكن التقييم الحقيقي يرجع للناس الذين سيحكمون على تجربته إما بنجاحها أو إخفاقها. ورغم ذلك، أتحفظ على بعض التغييرات التي قام بتنفيذها، مثلا إذا نظرنا إلى «زيت التموين» الذي تم تبديله بزيت عباد الشمس، فهذا خطأ لأن عباد الشمس خفيف يمكن أن يطير بسهولة، وبالتالي سيكون على المواطن البسيط استخدام كمية أكبر، وبذلك تقل الكمية في السوق، وهذا سيرفع سعر زجاجة الزيت بالمحال، فهي منظومة متكاملة يجب ألا نتجه إلى إصلاح جانب واحد ونترك باقي الجوانب. * هل المساعدات التي حصلت عليها مصر في الفترة الأخيرة كافية لتعافي الاقتصاد المصري؟ ليست كافية بالتأكيد، ودعنا نضع هذه المساعدات في السياق السياسي، كان هناك قلق لدى دول الخليج بعد الإطاحة بنظام مبارك، من أن تمتد الثورة إلى بلادهم، ولكن مع خروج الموجة الثانية في 30 يونيو كان الوضع مختلفا، لأنه أطاح بنظام كان يمثل خطرا عليهم وهو نظام الإسلام السياسي، وبالتالي سعت عدة دول خليجية إلى مساعدة مصر على الخروج من هذه المرحلة بأمان، إلا أن هذا سيتيح سيولة في النقد الأجنبي، وقد يمهد هذا الطريق لرفع التصنيف الانتماني لمصر وتنفيذ المشروعات، لكنني أحذر من أن نخدع أنفسنا بأن أي قدر من المساعدات سيحل المشكلة في الوقت الحالي. * وماذا عن قرض صندوق النقد الدولي؟ - الأمر يختلف لو نظرنا لفكر الحكومة الحالية، سنحتاج إليه؛ لأنها تركز على العدالة الاجتماعية، ولكن هذا سيحدث إذا نجحت مصر في إعادة هيكلة النظام المالي العام للدولة من حيث الإنفاق والإيرادات، بحيث إذا أمكن تقليل العجز في الموازنة لن نحتاج لمثل هذا القرض، ويجب تقليل الإنفاق على الدعم الغذائي، دون أن يقل ما يقدم منه للمواطنين، وموضوع بطاقات التموين لدينا 65 مليون بطاقة، وعندنا على الأقل نسبة 15% ليست أهلا لهذا الدعم، ولذلك لابد من تقييم حتى يصل إلى مستحقيه، والإنفاق الجاري يحتمل تقليله ببنود محسوسة، من الممكن زيادة الإيرادات، وهذا يحتاج إلى حيز مالي، ولكي يتحقق يستدعي رفع الضريبة في الأشياء غير الضرورية. * من المسؤول عن الدماء التي شهدتها محافظات مصر بعد عزل مرسي؟ - مجتمعنا المسؤول، لأنه يسير بأذنيه وليس بعقله، وأنا باستمرار أبحث عن دليل، ومن المسئول بالتحديد هذا يرجع إلى الجهات الأمنية، لكن عند قراءة المشهد السياسي، سنرى صراعا سياسيا بين جماعة الإخوان وباقي المجتمع المصري، بالإضافة إلى أن التحريض الذي يحدث في مختلف أنحاء مصر من قيادات الإخوان «خير دليل على أنهم المتسببون في إراقة الدماء. * من وجهة نظرك.. كيف تتم دعوة «الإخوان» إلى الحوار والمصلحة الوطنية، وهم مطلوبون للمساءلة القانونية وبعض قاداتهم محبوسون بالفعل؟ - أولاً القبض على بعض قيادات الجماعة لم يأت من فراغ، وهذا يخضع لتحقيق، وإنما هناك فرق بين الإجراء القانوني والسياسي، وعلى الشكل السياسي فهذا دليل على أن فضاء الوطن متسع للجميع، بشرط أن الدين خارج النطاق السياسي، أما من يخالف ذلك يحاسب بالشكل القانوني. * كيف ننهي جميع أشكال الاعتصامات في الشارع لكي نبدأ في بناء مصر؟ - أولاً من حيث الوضع في سيناء، كنت أشك في جدية الرئيس محمد مرسي في الحفاظ على الأمن في سيناء من خلال وضع قيود على يد الجيش هناك، وثانياً اعتصام رابعة لابد أن ننظر إلى القضية من البداية بأن الإخوان لهم تنظيم دولي، وهم كانوا يعتقدون أنهم لن يسقطوا بهذه السهولة في مصر، وأعتقد أن هناك أموالا هائلة تضخ في تلك المظاهرات، وأن تلك الأعداد لن تؤيد الرئيس لوجه الله، ولكنهم أناس يتقاضون أجرا، بدأ ب100 جنيه في اليوم، لكل يد تشارك في ذلك الاعتصام، ولكن هناك نهاية لهذا الأمر، بعد التحفظ على أموال الإخوان، والتدقيق على الأموال التي تدخل لهم من الخارج. كما أنه لا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء كما يقولون، فأنا أنظر إلى أن الجيش يتعامل معهم بدرجة كبيرة من الصبر، وأعتقد أنها حكمة للحفاظ على دماء المصريين، أما بالنسبة للاعتصامات الفئوية فهي نوع مختلف تحتاج إلى خطاب سياسي واضح، وذلك بعد أن فشل الرئيس مرسي وحكومته في التواصل مع الناس، وأتمنى أن الحكومة الجديدة تجتهد على معالجة هذا النقص السياسي. * هل تتوقع أعمال عنف في القاهرة مماثلة لما يحدث في سيناء؟ - أكيد هناك وجه آخر لجماعة الإخوان بخلاف الوجه الدعوي، وهذا وضح طبقا لتاريخ الإخوان وما يحدث في غزةوسيناء، وأعتقد أن يكون هناك عنف مماثل، بدليل أنهم وجدوا قنبلة بالقرب من كوبري الجامعة، والتنويه على أن من يجد جسما غريبا يبلغ عنه فوراً فهذا أكبر دليل. * هل أنت مع الإفراج عن الرئيس المعزول محمد مرسي؟ - الرئيس المعزول ليس معتقلا حتى نفرج عنه، ولكن هذا يتوقف على مجموعة معادلات، وحتى يحدث ذلك لابد من تقديم مجموعة من التنازلات من قبل أنصار المعزول والحكومة حتى يتم حل هذا الأمر، ومن الممكن أن يحدث كحافز لأنصار مرسي لفض اعتصامهم "تحت شعار لم الدور". * من وجهة نظرك.. هل من الممكن أن تعود «الإخوان» للعمل السياسي مرة أخرى؟ - ما حدث خلال عام هو أن الإخوان فقدوا جزءا كبيرا من مشروعهم السياسي، ورغم ذلك فإن الجماعة ستستوعب الدرس، وهذا ما حدث في دول أخرى كتركيا. * كيف ترى الموقف التركي المعادي ل«30 يونيو» وعزل مرسي؟ - أرى أن تصريحات الجانب التركي في هذا الإطار غير مقبولة، كما أن موقف الحكومة الحالية كان به تسامح إلى حد كبير، وإذا كنت في منصب المسؤولية لن أتهاون في هذه التصريحات، فلابد أن تكون هذه التصريحات بحساب، وأتمنى أن يراجع أردوغان نفسه في هذا الشأن. * هل انتهى دور «جبهة الإنقاذ الوطني» بعد سقوط نظام الإخوان؟ - لا، فجبهة الإنقاذ كيان نشأ من مختلف أطياف المجتمع للتصدي إلى فكر أنصار الدولة الدينية، ولم تسقط بعد الدولة الدينية لتتفتت الجبهة، ولكن لا بد أن تقف «الإنقاذ» إلى تشكيل عملية صياغة الدستور، وأعتقد أنه لابد من أن تعيد نفسها الآن حتى يتم التنسيق للانتخابات التشريعية، ويجب أن تخرج من برنامج الحد الأدنى الذي يتوافق عليه كل الأطياف، لأن التحدي الأكبر في مصر الآن هو كيف نخرج الدين بسلام من الصراع السياسي، وإن لم يحدث ذلك سنعيد ما حدث في الماضي. * هل هناك انشقاقات في حملة تمرد؟ - قبل الإجابة على هذا السؤال، لابد أن أوجه رسالة إلى جميع الشباب الآن سواء في تمرد أو أي حزب، وهي: «احذروا من محاولات شق الصف حتى لا يتكرر ما حدث في ثورة 25 يناير، وحتى نتجنب ذلك يجب دمج الشباب في العمل السياسي حتى لا يأتي أحد لسرقة ثورتهم مثلما حدث في السابق». * هل أنت مع ترشح الفريق أول عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية؟ - وجهة نظري في هذا الموضوع أن انطلاق مصر على مسار التنمية والتقدم مرتبط بوضع مصر على قواعد الدولة المدنية، ولذلك لابد أن نبعد الدين والجيش عن الصراع السياسي، وهذا هو صمام الأمان حتى نتطور، ولابد ألا نحصر النظر في المرحلة الانتقالية دون النظر إلى التجارب الأخرى، والاستعجال إلى الوصول إلى نتائج دون إدراك أن الثورة ينطبق عليها أشياء جوهرية في المجتمع يحتاج إلى أجل طويل حتى يحدث. رسالة منك إلى الشعب المصري؟ رسالتي هي أنني أقوم كل يوم لأصلّي الفجر وبعد صلاة الفجر أصلّي ركعتين لمصر وشعبها حتى نخرج من هذه المحنة، حفظ الله مصر وشعبها.