كان الله فى عون الدكتور حازم الببلاوى وهو يبدأ مهمة عسيرة. من حسن حظى اننى اقتربت من الرجل فى الشهور الأخيرة، وهو وطنى من طراز فريد ويتميز بكفاءة استثنائية فى الجمع بين الخبرة الفنية فى الاقتصاد والقانون وبين الرؤية السياسية. هو قارئ جيد وكاتب جيد جدا ونشرت له «الشروق» العديد من المقالات تحت عنوانه المفضل «الله أعلم».
كل الناس تراهن على الببلاوى ولن تقبل منه سوى النجاح الكامل، وهنا يكمن التحدى.
الذين خرجوا يوم 30 يونيو ضد الإخوان، والذين يؤيدون الإخوان، والذين ظلوا فى بيوتهم، يريدون ان يروا نتائج سريعة على الأرض تغير حياتهم إلى الأفضل.
يعتقد الناس ان هناك معجزة اقتصادية ستتحقق على يد الببلاوى وحكومته، لا يدرك الناس أن زمن المعجزات انتهى من زمن، والأخطر انهم لا يدركون حجم الأزمة الاقتصادية التى نعيشها.
يعتقد غالبية هؤلاء ان المشكلة كانت فى شخص مبارك وبسقوطه كان يفترض ان تتغير الأحوال للأفضل فورا، ثم اكتشفوا ان المشكلة ليست فى الشخص فقط، بل فى النظام الفاشل والسياسات الكارثية التى تركها لنا. هؤلاء راهنوا فيما بعد على الإخوان باعتبارهم «بتوع ربنا»، ولديهم «عصا موسى»، ثم استيقظنا على كابوس بأن فشل الإخوان فى عام فاق فشل مبارك فى اعوام.
أفضل نصيحة يمكن للمرء أن يقدمها للدكتور الببلاوى هى أن يصارح الناس بالحقيقة المرة كما هى، اشرح للناس ان عجز الموازنة الذى زاد على 200 مليار جنيه لم يكن بسبب سوء إدارة الإخوان فقط، بل لاسباب هيكلية. قل لهم ان لدينا مشكلة رهيبة اسمها الدعم، خصوصا فى الطاقة، وانه مطلوب إجراءات صعبة سوف يتحملها الجميع.
قل للناس إن ال12 مليارا التى ستأتى من السعودية والإمارات والكويت ومليارات قطر قبل ذلك ليست علاجا لمرضنا بل هى أشبه ب«مسكن او مخدر» مؤقت للألم، لكن العملية الجراحية الكبرى لا مفر منها. قل للناس ان اقتصادات الدول لا تقوم على «دبلوماسية الشحاتة»، الاشقاء فى الخليج لهم ألف مليار شكر على وقفتهم معنا، لكن نحن نريد علاجا حاسما لمرضنا المزمن.
محمد مرسى ارتكب الكثير من الأخطاء هو وحكومته، لكن من بين الأخطاء القاتلة انه ظل يدغدغ مشاعر المواطنين، وبدلا من مصارحتهم ب«الحقيقة المرة» سمعته بأذنى فى الرياض والدوحة يقول: «نحن شعب غنى، ولدينا ملايين الناس يذهبون إلى أعمالهم صباحا ولدينا عمال وفلاحين يقومون من نومهم ويذهبون إلى أعمالهم»، لم يخبره أحد من قبل أن الناس فى كل العالم تفعل الشىء نفسه، المهم هو عائد إنتاج هؤلاء وبالتالى عائد إنتاج المجتمع.
مرسى لم يعرف او لم يستطع مصارحة الجماهير، وظل يؤجل «الاستحقاقات الصعبة»، انتظارا لمعجزة لم تتحقق.. خاف مرسى من الجماهير، ولم يوقع مع صندوق النقد خوفا وهلعا من زيادة نقمة الجماهير المحبطة.
الدكتور الببلاوى مطالب بوضع رؤية شاملة للخروج من الأزمة الخانقة التى نعيشها، هو مؤهل ليفعل ذلك، ولكن السؤال هل الظروف ملائمة له كى يبدأ العمل؟!.
أمام الببلاوى مجموعة تحديات كثيرة أهمها استعادة الأمن ودفع عجلة الاقتصاد، وأضيف لها تحديا صعبا اسمه «الإخوان» وكيف سيتصرف معهم.. هل يتركهم يواصلون تحدى الجيش والدولة... وهل... وهل....؟؟!!.