الرهان الرابح

راهن على الجدية والدأب، عمل فى هدوء وصمت، تحرى الدقة والصدق، وبتواضع قدم الكتاب تلو الكتاب، ولأنه لا يهتم بترويج نفسه، ويتعود الابتعاد عن الأضواء، فإن قلة هى التى التفتت له، لكن بمرور الأيام، وبإصراره على مواصلة طريقه الشاق، باحثا ودراسا، أصبح لأعماله مكان مرموق فى مكتبة أى عاشق للسينما، ذلك أنها ممتعة، شيقة فى حد ذاتها، فضلا عن كونها من المراجع الموثوق فى معلوماتها، والتى لا غنى عنها بالنسبة للناقد والباحث والدارس، وبالتالى عن جدارة، ذهبت له جائزة الدولة التشجيعية، التى شرفت به بقدر ما شرف بها، بالإضافة للمعنى الذى تمثله، والذى يحتاج مجتمعنا ووطننا لتأكيده، وهو أن الرهان على الجدية والدأب رهان رابح.
محمد عبدالفتاح، منحنا العديد من الكتب، تتعرض لحصاد أسماء كبيرة، ساهمت بإبداعها فى صنع السينما المصرية، منها على سبيل المثال «الأخوان حسين فوزى وعباس كامل»، وبرغم أهمية حسين فوزى فى مجال الأفلام الاستعراضية، وإنجازات عباس كامل فى الكوميديا، فإن المكتبة المصرية تخلو من كتاب عنهما، سواء قبل أو بعد الكتاب المنصف، الشامل، الذى كتبه محمد عبدالفتاح، وتوالت أبحاث محمد عبدالفتاح: «حسن الإمام»، ثم «سينما نيازى مصطفى»، وعن نجوم التمثيل أنجر كتابين، أحدهما عن «إسماعيل ياسين»، والثانى عن «أنور وجدى»، وحين تقرر تكريم المؤرخ والناقد أحمد الحضرى فى المهرجان القومى للسينما عام 2000، لم يجد على أبوشادى، رئيس المهرجان، أنسب من محمد عبدالفتاح لكى يكتب عن ناظر مدرسة الدقة المتناهية، البناء من دون جلبة أو ضوضاء، أحمد الحضرى.
إلى جانب متابعة حياة الفنان الذى يتعرض له، وتحليل وتقييم إنتاجه، يحقق محمد عبدالفتاح إنجازا غير مسبوق حين لا يكتفى برصد أسماء جميع العاملين فى هذا الفيلم أو ذاك، بما فى ذلك أصغر كومبارس، مع تسجيل اسم مؤلف وملحن ومؤدى كل أغنية، ولكن يقارن بين الأسماء المكتوبة على الشاشة والمكتوبة على الأفيشات مع المكتوبة فى كراسة الدعاية، التى كنا نسميها «السيناريو»، بالإضافة لمعلومات أو ملاحظات يرى أنها مهمة فيسجلها فى الهامش، فمثلا فى «غرام وانتقام» ليوسف وهبى يقول عن أوبريت «مواكب العز» «الفيلم محذوف منه هذا الأوبريت لأنه تمجيد فى الأسرة العلوية».
وبعد أن يسجل أسماء العاملين فى «أحب البلدى» لحسين فوزى يقول عن المطربة شافية أحمد «أول مرة تظهر على الشاشة صوتا وصورة»، حيث كانت تعير صوتها لبطلات الأفلام بسبب أنها كفيفة. وهكذا جائزة محمد عبدالفتاح تثبت أن من زرع.. حصد.