● غالبا ما تبدو سياسة إسرائيل الخارجية والدفاعية فى الأعوام الأخيرة كأنها تتمحور حول موضوع واحد هو: مطاردة السلاح. وفى الواقع، فإن إسرائيل قادرة على عرقلة أى صفقة سلاح فى المنطقة. وهذا لا يعود إلى كونها دولة مسالمة تريد نزع السلاح من العالم، فهى نفسها لا تتوقف عن التسلح، وإنما ما هو مسموح لها غير مسموح به لغيرها. ● إن كل صفقة سلاح تجرى فى المنطقة تتعرض فورا لهجوم إسرائيلى، أحيانا دبلوماسى، من خلال استخدام الضغط الكبير، وأحيانا عسكرى، من خلال القصف. وهكذا جرى تدمير شحنات السلاح الموجهة إلى حركة «حماس» فى السودان، ومصادرة شحنات فى البحر، أما السلاح الموجه إلى حزب الله فقُصف فى سوريا. وحتى صفقة السلاح بين الولاياتالمتحدة وحليفتها الاستراتيجية السعودية، وهى دولة لم تدخل يوما فى مواجهة عسكرية مع إسرائيل، تتعرض فورا لحملة من أجل عرقلتها، وينطبق هذا على مصر التى تربطها معاهدة سلام مع إسرائيل.
● فى بعض الأحيان تنجح حملة الضغوطات، وعندما تفشل تقوم إسرائيل بعملية ابتزاز للحصول فى المقابل على مزيد من السلاح لنفسها. وحتى الدولة الفلسطينية التى من المنتظر أن تنشأ استنادا إلى السياسة المعلنة لإسرائيل، محكوم عليها مسبقا بأن تكون منزوعة من السلاح. وحدها إسرائيل مسموح لها بأن تتسلح.
● وكان آخر الخطوات التى قامت بها إسرائيل فى هذا الإطار: منع حصول سوريا على السلاح من روسيا التى تنوى تزويد نظام بشار الأسد المجرم بصواريخ مضادة للطائرات. ولا تفعل إسرائيل ذلك دفاعا عن المواطنين السوريين، فهذا آخر ما يهمها، وإنما لخوفها من وصول هذا السلاح إلى يد حزب الله، وهو ما سيحرمها القدرة على التحليق كما تشاء فى الأجواء اللبنانية وخرق السيادة اللبنانية، كما تفعل منذ أعوام.
● لقد رأينا نتنياهو، الذى لم يسافر إلى أى مكان بعد إعلان الجامعة العربية تعديل مبادرة السلام العربية (القبول بمبدأ تبادل الأراضى مع إسرائيل)، يهرع إلى لقاء عاجل مع فلاديمير بوتين كى يعطيه درسا فى قواعد التسلح، ويفسر له ما هو مسموح لروسيا وما هو ممنوع. والسؤال هنا هو: ماذا عن قيام الغرب بتزويد الثوار السوريين بالسلاح؟ فهذا السلاح قد ينتقل هو أيضا إلى أيد خطرة. وهنا تحديدا تصمت إسرائيل، وقد سمعنا رئيس أركان الجيش الإسرائيلى السابق، جابى أشكنازى، يدعو إلى تسليح الثوار.
● يجب هنا أن نعترف بصراحة، بأن هذه السياسة الإسرائيلية تنطوى على درجة من الوقاحة والنفاق والغطرسة. فلو كانت إسرائيل تنتهج سياسة سلام إلى جانب سياسة مطاردة السلاح، لما تذمرنا. ولو لم تكن إسرائيل نفسها هى الدولة الرابعة المنتجة للسلاح فى العالم، ومن أكبر الدول المستهلكة للسلاح، لكان فى الإمكان التعايش مع سياستها الرامية إلى نزع السلاح. لكن عندما يكون منع السلاح فى المنطقة هو فقط الهدف الوحيد لإسرائيل، فإن السؤال الذى يطرح نفسه بقوة هو: بأى حق تفعل إسرائيل ذلك؟