السؤال الأساسى المطروح بعد نجاح سلاح الجو فى اعتراض الطائرة من دون طيار المرسلة من لبنان، فى مقابل شواطئ حيفا، هو معرفة نيات مرسلى الطائرة: هل كانت الطائرة مزودة بكاميرات تصوير فقط وبالتالى فإن الهدف من العملية تحقيق مكاسب معنوية، أم كان هناك خطة أكبر مثل القيام بهجوم من خلال طائرة من دون طيار؟ إن الإجابة عن هذه الأسئلة مرتبطة بما سيسفر عنه فحص ركام الطائرة التى يجرى البحث عنها فى البحر الأبيض المتوسط على بعد عشرة كيلومترات غربى الساحل داخل المياه الإقليمية الإسرائيلية. فإذا جرى العثور على مواد ناسفة فإن هذا سيكون دليلا على الأمر الثانى، وفى حال لم يُعثر على أى حطام للطائرة، فيمكن حينها الاستعانة بالصور التى التقطها سلاح الجو لعملية الاعتراض، وتحليل الانفجار الذى حدث لدى إصابة هذه الطائرة بالصاروخ الإسرائيلى.
إن إطلاق الطائرة من دون طيار فى أكتوبر الماضى كان من عمل الحرس الثورى الإيرانى فى لبنان، بمساعدة حزب الله. وعلى الرغم من تصريحات الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، فإن الهدف كان يومها، إعلاميا، إذ تبيّن أن الكاميرات التى كانت مركّبة على الطائرة لم يكن لديها القدرة الفعلية لإرسال الصور من هذا البعد فى وقت التقاطها. وليس صحيحا الادعاء أن الطائرة نجحت يومها فى الاقتراب من مفاعل ديمونا (فى الحقيقة جرى إسقاطها بالقرب من غابة تقع إلى الشمال من بئر السبع).
لقد فسرت إسرائيل المحاولة الحالية بأنها محاولة من جانب حزب الله لصرف الانتباه عن تزايد الانتقادات الموجهة إليه داخل الحياة السياسية اللبنانية بسبب تورطه فى الحرب الأهلية فى سوريا، إذ إنه منذ بعض الوقت ازداد تورط الحزب الشيعى فى المذابح المتبادلة والدائرة بين الرئيس الأسد ومعارضية فى سوريا. وفى تقدير أجهزة الاستخبارات الغربية، فإن نحو 1000 مقاتل من الحزب يشاركون فى القتال إلى جانب الأسد، وأنه أوكل إليهم حماية بعض مواقع النظام الاستراتيجية، مثل مخازن الأسلحة المتطورة. ومن المحتمل أيضا أن حزب الله أراد هذه المرة، أن يثبت، بمساعدة إيران، أنه قادر على تحدى إسرائيل.
تشير المعطيات الأولية عن الحادثة الحالية إلى أن ردّ الجيش الإسرائيلى هذه المرة كان أسرع كثيرا من المرة السابقة، وذلك على الرغم من صعوبة التعرف إلى طائرة من دون طيار، واعتراضها فى الوقت الحقيقى نظرا إلى صغر حجم الهدف. ففى المرة السابقة اختار مرسلو الطائرة مسارا ذكيا للتسلل فابتعدوا فى البداية عن الشاطئ جنوبا، ثم توجهوا غربا من فوق غزة الأمر الذى جعل اعتراض الطائرة صعبا.
فى هذه المرة جرى تحديد الطائرة فى وقت مبكر وجرى إسقاطها بعد أن تبيّن أنها معادية. ومع أن الجيش لم يقدم أى معلومات، إلاّ إن عملية الاعتراض سبقها، على الأرجح، إنذار استخباراتى. ففى المحاضرة التى ألقاها الثلاثاء رئيس شعبة الأبحاث فى الاستخبارات العسكرية العميد إيتى برون، حذّر من محاولة حزب الله استفزاز إسرائيل من منطقة الحدود، وذلك على خلفية الخلافات الداخلية اللبنانية. وما يمكن قوله هنا هو أن على الجيش الإسرائيلى أن يتوقع تكرار مثل هذه المحاولات، على الرغم من النجاح فى عمليات الاعتراض.
وفى حال تبيّن وجود نيات أُخرى غير تسجيل نقاط على صعيد العلاقات العامة، فإن السؤال هو: ما الهدف المقصود؟ فمن المعلوم أن مدينة حيفا تضم بنية تحتية استراتيجية حساسة، وأن رئيس بلدية المدينة، يونه يهاف، نبّه إلى ضرورة رفع مستوى الدفاع عن المدينة، لكن على الرغم من ذلك، فإن على إسرائيل درس احتمالات مقلقة أكثر، إذ قد تكون هذه هى المحاولة الأولى للهجوم على حقول الغاز فى البحر الأبيض المتوسط. وقد سبق أن لمّح نصر الله فى الماضى إلى مثل هذا الهجوم، لكن إيران وحزب الله يدركان جيدا أن أى محاولة للهجوم على البنية التحتية للغاز تعتبرها إسرائيل إعلانا للحرب، وستكون عاقبتها وخيمة عليهما.