قامت الثورة لتحرر إرادتك وتخلص تفكيرك من أغلال الخوف.
لكن السلطة الأبوية التى سقطت حلت محلها سلطة أبوية أشد، تمسك فى يديها مفاتيح الدنيا بإدارة حكم يقلب فى مصائر العباد، ومفاتيح الدين أو هكذا يظنون.
تريدك نخبة الحكم الجديدة مواطنا خائفا بامتياز، تتوجس من جارك، وتخاف من الكتاب الذى على رف مكتبة فى طريقك، وتحذر من برنامجك التليفزيونى المفضل، وتخشى من مصافحة الآخرين.
لذلك تجد أن من واجبها حماية إيمانك الضعيف من تأثير «النصارى» إذا خالطهم، ومن المد الشيعى إذا ما تبادلت معهم الود، ومن الانحياز الأخلاقى والإنسانى لحق العقيدة لأنه كما يعتقدون «حق يراد به باطل».
اجتهد هؤلاء فى صياغة دستورى أبوى يجعل من الدولة التى يحكمونها هى أصل كل شىء، هى التى تحدد لك القيم التى يجب أن تتبناها، وأسلوب التقرب إلى الله الذى لابد أن تنحو نحوه، والمذاهب والتخريجات الفقهية التى لابد من الاعتماد عليها.
رفض الدستور الاعتراف بحق العقيدة على إطلاقه، لأن واضعيه يخافون عليك، لذلك تجاهلوا وجود مواطنين مصريين بهائيين، لأنهم لا يريدون لك أن تعرف أنهم موجودون، وأن تعرف عنهم ما لا ينبغى أن تعرفه، لأن عقيدتك هشة والمؤكد أنه لولا سياج الحماية الذى يفرضونه عليك، لافتتنت بهم.
رفضوا كذلك ترك الإسلام فى الدستور لكل المسلمين، أيضا لأنهم يخافون عليك وعلى عقيدتك الهشة حاصروا الشيعة المصريين فى الدستور، فى كل لفتة تلتفتها وفى كل حركة تتحركها يحذرونك من المد الشيعى، كل خطوة تقطعها فى اتجاه الآخر أى آخر، هى خطر على عقيدتك، وخطر على الإسلام.
الإسلام مهدد فى ديار الإسلام
لذلك عليك أن تخاف من المسيحى ومن الشيعى ومن البهائى ومن الأجنبى، وعندما تتحصن وتتخندق فى مواجهة هؤلاء، عليك أن تخاف من العلمانى والليبرالى واليسارى، وعندما يكتمل خوفك وتوجسك، سيدفعك هؤلاء إلى الخوف من الإسلاميين المغايرين، الذين لا يتبعون الجماعة الحاكمة، ولا الفصيل الإسلامى السائد.
الجميع خوارج إلا أنت وجماعتك، لذلك لا يسمح لك هؤلاء بمغادرة أرض الخوف، مواطن خائف ومذعور أفضل عندهم من أولئك المغامرين بجرأتهم والمبادرين بانفتاحهم.
الخائفون يسهل اقتيادهم وتدجينهم، يسهل غمر عقولهم بسيناريوهات المؤامرات التى لا يظهر لها دليل ولا برهان، يسهل إقناعهم بالخطر الذى يتهدد الحياة والدين، بالانهيار الذى ينتظر العقيدة بسبب مراهقة مسلمة هربت مع شاب مسيحى، وبالانتصار العظيم الذى يتحقق للدين بسبب امرأة ضاقت بعيشتها الزوجية فاعتنقت الإسلام، بالفناء الذى ينتظر العقيدة حين يصلى بضعة بهائيين فى مكان مغلق عليهم، أو يبنى مسيحيون دارا للعبادة، أو تزور بعض أفواج سياحية شيعية البلاد.
هؤلاء يبنون وطن الخوف، يزرعونه بالتوجس والتربص، ويحصنون أسواره برفض الآخر، ليضعوك فى النهاية داخل «جيتو» كبير ومغلق يحتكر العقل كما يحاول احتكار العقيدة.