سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كتَّاب الرواية والمسرح والشعر ورسامو الكاريكاتير يُبدعون فى تجسيد الأزمة «يوميات نائب فى الأرياف» و«القاهرة 30» أبرز الروايات التى تناولت الأزمة الاقتصادية
وقعت الأزمة الاقتصادية العالمية عام 1929م، واستمرت عدة سنوات، إلى نحو عام 1933م، وكان لتلك الأزمة آثارها على مختلف قطاعات الاقتصاد المصرى من زراعة وصناعة وتجارة، فضلًا عن بعض الآثار الاجتماعية. تفاعل الكتاب والصحفيون والمثقفون من مختلف الاتجاهات مع الأزمة الاقتصادية التى شهدها العالم، وتأثرت بها مصر. وكان ذلك من خلال المقالات المتنوعة، والرواية والمسرح والشعر والكاريكاتير فضلا عن الإعلانات المنشورة فى الصحف. وقد خصصت الباحثة سحر حسن فى كتابها (مصر فى ظل الكساد الكبير: دراسة للأزمة الاقتصادية العالمية وأثرها على مصر (1929- 1933)، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2010م)، أحد فصول الكتاب عن المردود الثقافى للأزمة الاقتصادية العالمية. وهو ما يمكن استعراضه خلال السطور التالية.
الرواية
ظهرت العديد من الروايات التى تناولت فترة الثلاثينيات من القرن العشرين، بأوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وتبرز هنا رواية «يوميات نائب فى الأرياف» لمؤلفها توفيق الحكيم، والتى تناول فيها المجتمع الريفى وتأثره بالأزمة. كما تبرز رواية «القاهرةالجديدة» لمؤلفها نجيب محفوظ والتى ظهرت أيضا فى فيلم سينمائى حمل اسم «القاهرة 30»، حيث تناول فيها مجتمع المدينة (القاهرة العاصمة) بكل ما تحمله من تنوع واختلاف، وكيف تأثرت طبقة عامة الشعب بالأزمة. وهناك روايات أخرى تناولت الأزمة الاقتصادية منها: «الأرض» لعبدالرحمن الشرقاوى «الوسية» «الشمندورة» «العزيمة».
المسرح.
تستعرض الباحثة مسرحية «الجنيه المصرى» التى قام نجيب الريحانى وبديع خيرى بتمصيرها سنة 1931م، عن مسرحية «توباز» من تأليف الكاتب الفرنسى مارسيل بانيول والتى نشرها سنة 1928م، حيث تتناول المسرحية تأثير المال على سلوك الأفراد والجماعات وتشير إلى بعض مظاهر الفساد والانحراف وكيف يلعب المال دورا مهما ومؤثرا فى إفساد الضمائر.
وأوضحت المسرحية، فى صورتها المصرية، وضع طبقات الشعب من حيث الأوضاع الاجتماعية الخاصة بالمأكل والملبس وغلاء المعيشة فى ظل ظروف الأزمة الاقتصادية، ومن ذلك إحجام عامة الشعب عن شراء الأطعمة الغذائية غالية الثمن من اللحوم والأسماك.
الشعر
عبر بعض الشعراء، من المعروفين والمغمورين على السواء، عن الأزمة الاقتصادية. ومن ذلك مثلا كتب الشاعر محمد السيد على شحاته قصيدة عنوانها «القطن والفلاح» نشرتها جريدة (الوفاق)، 30 نوفمبر 1930م، وهو على ما يبدو وحسب سحر حسن كان مهتما بقضايا الفلاح المصرى إذ كتب عنه كثيرا، قال فى قصيدته:
دقت طبول الخراب واشتدت الأزمة
والكل نازل على الفلاح بالأزمة
شايل من الغلب فوق ضهره 200 حزمة
ساعدوه واللا اخنقوه يرتاح من الدنيا
عشته بقى وسطكم ما عدلهاش لزمة
وعبر عن انخفاض سعر القطن بشكل كبير أضر بالاقتصاد المصرى وساد الغلاء كل السلع بقوله:
وهو يقول فى موضع آخر مُعبرا عن إصابة القطن بأحد الأمراض:
كان برجه عامر صح من كوكبه خاوى
وصار مريض بالمن محتاج إلى حقنة
يا مين يطيب جراح القطن ويداوى
قصيدة أخرى عنوانها «لازم نشجع أوطاننا» كتبها محمد أحمد المنسى، طالب فى المدرسة الثانوية، نشرتها صحيفة (سفينة الأخبار)، 17 نوفمبر 1932م، يقول فيها:
ليه يا مصر يا كريمة يأم الإحسان
ابن البلد أصبح فيكى دابر غلبان
والأجنبى اللى يجيكى ويكون عريان
يربح ويسلب أموال ويعيش فرحان
ابن البلد أصبح عاطل مش لاقى القوت
مش لاقى يلبس أو ياكل م الجوع ح يموت
الفقر خلا حاله مايل والأزمة ماسكا له نبوت
وينى اغتنى ومناساكس بقى له عزب وبقى له بيوت
لازم نشجع أوطانا ونكون أعوان
والأجنبى يكون من بينا مش لاقى مكان
وبعد شوية يفارقنا يروح خسران
وإحنا نفتح معاملنا ونشغل شبان
مرة فى مرة تلاقينا زودنا المال
وكتر المال ده يخلينا فى أحسن حال
ونغيظ ونفقع أعادينا ونعيش أبطال
وكمان نحقق أمانينا وننول الاستقلال
الكاريكاتير
تستعرض الباحثة، سحر حسن، العديد من أعمال رسام الكاريكاتير المعروف ألكسندر صاروخان (1898 1977م)، الأرمنى الأصل، والذى عمل فى عدد من الصحف المصرية آنذاك، وقد اتسم أسلوبه بالحيوية والحركة العميقة والمبالغة التى تعكس قدرا من الفكاهة، كما أنه برع فى استخدام العامية المصرية.
قدم صاروخان كاريكاتيرا فى صحيفة (الصرخة)، 18 نوفمبر 1930م، انتقد فيه إسماعيل صدقى رئيس الوزراء آنذاك، حيث رسم الأزمة وكأنها تخنق مصر، وكتب مع الرسم يقول: «الأزمة تخنق مصر.. ودولته لاه بتأليف حزب القش الجديد!!»، وهو يقصد هنا حزب الشعب الذى اهتم صدقى بتأسيسه آنذاك، وكتب أيضا يقول: «مصر وهى تختنق: الحقونى... أغيثونى... يا كفاءات... يا نبوغ.. يا هو!»، «إسماعيل صدقى باشا: بلاش خوتة دماغ! مش فاضى... سلامتى أنا أولا... وسلامتك أنت بعدين». كما نشر كاريكاتيرا آخر فى صحيفة (روز اليوسف)، 21 ديسمبر 1931م، عنوانه «عايزين أرخص من كده»، وفيه يتحدث إسماعيل صدقى لأحد الأشخاص الذى يبدو عليه علامات الفقر والاحتياج: «(رئيس الوزراء): أنا مش فاهم يا شيخ انت بتشكى ليه؟... غلاء إيه؟ الجنيه المصرى اللى عمرك ما دقت طعمه بيتباع دلوقت بخمسة وستين قرش... عايز رخص أكتر من كده؟». وبروح السخرية والدعابة نشر كاريكاتيرا آخر عنوانه «اقتراح لمقاومة أزمة الجوع»، فيه إسماعيل صدقى يتحدث لشيخ الأزهر.. «(رئيس الوزراء): فضيلتك دلوقت بقيت بطال زينا! مفيش عندك بأه اقتراح لتفريج الأزمة؟ (شيخ الأزهر): أيوه أمال!... مادامت الناس جعانة ومش لاقية تأكل، تصدر الوزارة مرسوما بجعل رمضان ثلاثة شهور... يبقى منه صيام واقتصاد وثواب!».