77 مترشحًا يتقدمون لخوض انتخابات مجلس الشيوخ في اليوم الخامس لتلقي الأوراق    بدء اختبارات الالتحاق بمدارس التمريض 2025 بالمنيا (الموعد والمكان)    البورصات الخليجية تتجاهل ضبابية الرسوم الجمركية وتغلق على ارتفاع    محافظ البنك المركزي يستقبل وفدا من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية لبحث أوجه التعاون المشترك    مجلس الوزراء يعيد تخصيص 6 قطع أراضي تابعة لوزارتي الزراعة والري لصالح جهاز مستقبل مصر    بعد حريق سنترال رمسيس.. طرق بديلة لشحن عدادات الكهرباء    محافظ بورسعيد يوجه بإزالة مزارع سمكية مخالفة على 480 فدانا ضمن الموجة 26 لاسترداد أراضي الدولة    يديعوت أحرونوت: اعتقال 7 جنود بتهمة إساءة معاملة زملائهم وارتكاب انتهاكات جنسية    مدبولي: الرئيس وجه بتشكيل لجنة متخصصة للوقوف على أسباب اندلاع حريق مبني سنترال رمسيس    وزير الخارجية يؤكد الدور المحوري لمجموعة E3 في دعم مسار المفاوضات بين إسرائيل وإيران    تقدم الجيش ومعاناة المواطنين.. آخر تطورات الأوضاع في السودان    وزير الخارجية يستقبل مدير عام السياسات باللجنة اليهودية الأمريكية    زيزو يشكو الزمالك ويطالب ب 85 مليون جنيه مستحقات    جلسة خاصة من فيريرا للاعبي الزمالك: التركيز أول خطوات النجاح    زينة عامر وجنا عطية تتوجان بذهبية التتابع في بطولة العالم للخماسي الحديث للناشئات    رسميًا.. الاتحاد الفرنسي يُعلن استمرار أولمبيك ليون في الدوري الممتاز موسم 2025-2026 بعد قبول الاستئناف    مجلس الإسماعيلي ينفي إغلاق أبوابه بالسلاسل في وجه أعضاء الجمعية العمومية    محكمة إسبانية تحكم بسجن أنشيلوتي عامًا بتهمة التهرب الضريبي خلال فترته الأولى مع ريال مدريد    محافظ الإسكندرية يوجه حملات لإزالة البناء المخالف ضمن أعمال المرحلة الثالثة من الموجة ال26    افتتاح أول مدرستين للتكنولوجيا التطبيقية في الأقصر    السجن المشدد 5 سنوات لسارق بالإكراه ضبطه الأهالي متلبسًا في الجيزة    السجن المشدد ل متهمين بحيازة المواد المخدرة والسلاح في المنيا    وزير الثقافة: قرار مجلس الوزراء بإعفاء مهرجانات الأوبرا من الضريبة يؤكد اهتمام الدولة بالفنون الجادة    السقا يحتفل بعرض فيلمه أحمد وأحمد في الإمارات وزيزو يشاركه    توقيع مذكرة تفاهم بين مكتبة الإسكندرية والمتحف الوطني لنظم تاريخ الكتابة بكوريا الجنوبية    «رصد خان وولاد العفريت الزرق».. مشروعات تخرج قسم علوم المسرح ب«آداب حلوان»    أفضل 5 طرق لتنظيف القولون بشكل طبيعي وآمن في المنزل    فحص 2128 مواطنا ضمن قافلة طبية بالمجان في الشرقية    رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة يلتقي سفير مصر بالمملكة المتحدة    ندوة لصناع "قهوة المحطة" بمكتبة الإسكندرية ضمن معرض الكتاب    نساء 6 أبراج هن الأكثر جاذبية على الإطلاق.. هل شريكتك منهن؟    عثمان سالم يكتب: إدارة احترافية    رسميًا الآن.. رابط كراسة شروط حجز شقق الإسكان الاجتماعي الجديدة 2025 في سكن لكل المصريين 7    إخماد حريق اشتعل بكشك فى شارع فيصل.. صور    عيسى السقار نجم حفل "هنا الأردن.. ومجده مستمر" في "مهرجان جرش"    الأزهر للفتوى الإلكترونية: الالتزام بقوانين ضبط أحوال السير والارتفاق بالطرق من الضرورات الدينية والإنسانية    تاريخ جديد بالأفعال.. لا بالأقوال    توجيه رئاسى    بدايًة من 12 يوليو.. أماكن امتحانات كلية التربية الفنية في المحافظات لتأدية اختبارات القدرات لعام 2025-2026    وزير الرياضة يشارك في تدشين "عمّان عاصمة الشباب العربي 2025"    الشرع وعبدي يبحثان مستقبل سوريا برعاية أميركية ( تحليل إخباري )    أفضل دعاء للرزق بالولد وفقًا للقرآن والسنة    وكيل الأزهر: «المشروع الصيفى القرآنى» مبادرة تعزز دور الأزهر فى خدمة كتاب الله    الأزهر للفتوى: متوفين سنترال رمسيس "شهداء".. ويشيد بدور رجال الاطفاء    كوريا الشمالية: وزير خارجية روسيا يزور بيونج يانج بعد غد    وفاة طالب إثر إصابته بلدغة ثعبان في قنا    صحة الوادي الجديد: جميع شبكات الاتصال تعمل بكفاءة عالية    إجراء 12 عملية قلب خلال أول يومين عمل بمستشفى طنطا الجديدة    سقوط عنصر جنائي بتهمة النصب والتزوير بالطالبية    رفع لافتة «كامل العدد».. انطلاق أولى ليالي «الملك لير» بحضور وزير الثقافة (صور)    مرصد الأورومتوسطي: إسرائيل تخطط لاحتجاز سكان غزة قسرا في معسكر اعتقال فوق أنقاض رفح    انخفاض جديد للطن.. سعر الحديد اليوم الأربعاء 9 يوليو 2025 محليًا    لاول مرة مساعد رقمى يتنبأ بالخطر بالمحطات النووية قبل وقوعه ب30 دقيقة    عودة خدمات فوري إلى كفاءتها التشغيلية بعد حريق سنترال رمسيس    الجدول الزمنى لإجراء لانتخابات الشيوخ مع بداية خامس أيام تلقى أوراق الترشح    وزير الصحة يبحث مع المدير الإقليمي للصحة العالمية التعاون في ملفات المبادرات والتحول الرقمي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 9-7-2025 في محافظة قنا    تنسيق الدبلومات الفنية 2025.. مؤشرات كليات ومعاهد دبلوم سياحة وفنادق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مراكب الوحل
نشر في الشروق الجديد يوم 29 - 11 - 2012

الأساطير والحكايات الخرافية والحكايات الشعبية، ليست أبدا مجرد حكايات، إنها ممتعة التسلية عندما نترك أنفسنا نبحر فى مياهها أو نمشى على ضفافها، لكنها فى الأعماق نوع من حكمة الشعوب والسنين، ورسائل مشفرة عكف كثيرون على فك رموزها، ولعل أفضلهم هو «إريك فروم» الذى حلل بنية الأساطير ومراميها بشكل بارع فى كتابه «اللغة المنسية»، لأنه وضع مفهوم «السُلطة» محورا رمزيا تدور حوله بقية رموز الأسطورة، فهو الصراع الجوهرى فى الاختيار بين القوة والحق. وقد كان ضمن أحلامى الأدبية التى أجهضتها أو أجَّلتها مشاغل الكدح فى الحياة فى فورة العمر، ثم الاشتباك مع هموم الوطن السياسية ككاتب بعد ذلك، أن «ألعب» إبداعيا مع الأساطير والحكايات الخرافية والشعبية بما يعيد تجديدها وتلاؤمها مع الشجون المعاصرة التى تخصنا، ولم يُتح لى أن أتفرغ لذلك أدبيا، فاكتفيت بأن ألامسه فى بعض ما كتبته للصحافة.

فعلت ذلك أكثر من مرة متقصدا رموز الحكم الساقط فى أوج تغولهم، وكانت مهزلة التوريث هدفا لقصفى لفرط ما تثيره من غضب وامتعاض ورفض، فشمَلتُ «حالة» وريث الغفلة بأكثر من مقال قصصى يستلهم إعادة تشكيل الأسطورة أو الحكاية الخرافية أو الشعبية، وكان ما يفور فى صدرى من الغضب يُنجز كثيرا لم أنشر منه إلا القليل، ومع انزياح مبارك ووريثه وما حولهما، ظننت أن ما لم أنشره قد فات أوانه، لكننى مع ما يحدث من تغولات الحكم الحالى، وجدت أن هناك ما يظل مثيرا للدهشة، لأن شهوة السلطة، بل فجعتها، استفحلت بسرعة خرقاء فى حكم الإخوان، ووجدْتُ أسطورة كنت قد عالجتها يمكن أن تكون صالحة لفهم ما نراه من الحالة السلطوية الإخوانية، مع تغيير شخوص الحكاية وإبقاء رمزية المواقع، وهى أسطورة إيطالية من مجموعة «أساطير البحيرات والأنهار» التى نشرها المركز القومى للترجمة، والتى سبق أن أشرت إليها فى معالجة سابقة نُشرت فى مواجهة الحكم السابق الساقط.

تحكى الأسطورة التى تحمل عنوان «بحيرة الحسرة»، أن هناك بحيرة لم تعد موجودة، لأنها اختفت منذ قرون. «كانت بحيرة صغيرة جميلة ترقد بين أحضان جبال مكسوة بالغابات. وكانت البلدة المجاورة للبحيرة لطيفة لدرجة أن أميرة مرت بها فوقعت فى حبها، وقررت ان تبنى فيها قصرا تعيش فيه مع ابنها حتى يعود والده من الحرب».

بالنسبة لطفل فى العاشرة من عمره، كانت الغابات الضخمة والمياه الهادئة جنة حقيقية. وبالطبع، طلب الصبى قاربا. ولأن أمه كانت لا تستطيع أن ترفض له طلبا، أمرت فى الحال ببناء زورق جميل جدا، وتعلم الطفل أن يقوده.

صياد عجوز، كان يأتى بالسمك للقصر، رأى الأميرة، فقال لها: « طفل وحده فوق مياه هذه البحيرة ، ليس هذا منتهى الحكمة، فالريح يحدث ان تهب فجأة، وإذا فوجئ الطفل بالعاصفة فهل تظنين أنه يمكنه العودة إلى الشاطئ؟»

أجابت الأميرة على الصياد قائلة: «ابنى أمير، والأمراء يستطيعون ان يفعلوا كل شىء لأنهم اقوى وأذكى من الجميع».

وذات صباح، كانت البحيرة مصقولة مثل مرآة، وركب الطفل القارب واندفع فى عرض البحيرة، وكانت أمه الأميرة تراقبه من نافذتها، وفكرت فى زوجها الغائب، وقالت لنفسها: «عندما يعود سيكون فخورا بابنه».

كان الطفل فى وسط البحيرة تقريبا، عندما أظلمت السماء فجأة، وأخذت الغابة تزمجر. صارت مياه البحيرة سوداء كالحبر، وارتفعت أمواج هائلة يعلوها الزبد، تندفع مثل حيوانات مذعورة من شاطئ لآخر.

أخذت الأميرة تصيح، طالبة النجدة فقفز الصياد العجوز إلى قاربه، وبذل كل ما فى وسعه لإنقاذ الصبى. لكن المطر اخذ يتساقط بغزارة إلى درجة أن الأميرة سرعان ما لم تعد ترى، لا قارب طفلها ولا قارب الرجل العجوز، فانتحبت، وصلَّت، وهاجت، وهاجمت كل من حولها ، وتضرعت إلى السماء، لكن غضب الرياح الآتية من ناحية الجبل لم يهدأ.

استمرت العاصفة لساعات. وعندما انتهى وابل المطر وعاد الهدوء، ظهرت البحيرة تحت الشمس الساطعة، ولم يعثروا إلا على بقايا زورقين حطمتهما الأمواج. عندئذ جمعت الأميرة كل الفلاحين والصيادين من المنطقة والجوار، ودفعت لهم لكى يعملوا بلا انقطاع فى حفر قناة تسمح بتفريغ البحيرة من مياهها.

وبين عشية وضحاها تم نزح المياه من البحيرة، غير أنهم لم يعثروا فى القاع، إلا على هيئة غامضة لرجل عجوز يضم بين ذراعيه هيئة طفل. وكان الكلس المتراكم فى قاع البحيرة قد صنع من الغريقين تمثالا واحدا بحواف مشوشة.

غادرت الأميرة، يائسة، قصرها، وراحت تهيم على وجهها فى الغابات. وحاول الناس مواساتها، دون جدوى. غير أن نظراتها سرعان ما جعلت الناس يفرون منها. وسرت شائعات تقول أن من ينظر إليها يغامر بأن يصير مجنونا. ولم تمكث البائسة عدة أشهر حتى ماتت مع دخول الشتاء، من البرد والجوع، وبالأخص من اليأس فى جوف الوادى العريض، فى قرارة ما كان من قبل يحيرة جميلة».

هنا انتهت الحكاية الإيطالية، لكننى أكملتها فحكيت أن أميرة أخرى قرأتها، وكان لديها ولد صغير تظن أنه أذكى وأقوى من الجميع، وتعده لكى يخلف أباه بعد حين، لكن الحكاية جعلتها ترتعب، خاصة وأميرها الصغير كان مصرا على الإبحار بقارب فى عرض النهر الكبير الذى يجرى تحت أقدام القصر.

كان الولد عنيدا، وكانت أمه لا تستطيع أن ترفض له طلبا، فأمرت أن يبنوا له قاربا لم ير أحد مثله خلال أسبوع واحد. وفى الليالى الستة لأيام هذا الأسبوع، جنَّدت آلاف الرعايا لحفر قنوات تُسرِّب معظم مياه النهر فى الصحراء والبحر.

وعندما أنزلوا القارب الرائع إلى الماء وفيه الأمير الصغير، لم تكن الأميرة خائفة، لأن النهر صار من الضحالة بحيث لو هبت الريح وقلبت زورق الابن، فإنه يستطيع أن ينجو من الغرق بمجرد أن يقف على قدميه. وفاتها أن النهر الذى أفرغته إلى هذه الدرجة المفزعة، لم يعد قادرا على رى الحقول والحدائق، ولا جعل المراكب تبحر فى مجراه، بل لم يعد يكفى حتى لإرواء عطش الناس ناهيك عن اغتسالهم.

صار النهر مجرى فقيرا ، محاطا بالحقول المقفرة والبساتين التى ماتت، وآلاف آلاف الجوعى والعطشى الذين لم تلمس المياه جلودهم لشهور طويلة. فقد النهر اسمه القديم «النهر العظيم» وصار عند الناس «نهر الحسرة». وصارت معضلة الأميرة الملتاعة، كيف تُخْرِج الأمير الصغير الموحول، فى زورقه الباذخ الذى تلطخ، من سبخة الطين والعفن، ودائرة الناقمين، والقتلة.

انتهى لعبى مع تلك الأسطورة التى عالجتها لأصف حالة سابقة، والتى أرجو أن تعيدوا قراءتها لتكتشفوا أن التاريخ يكاد يكرر نفسه بشكل ساخر، ومرير السخرية أحيانا، فقد «لعِبتُ» مع هذه الأسطورة لتكون الأميرة ممثلة لسيدة القصر الرئاسى المنقشعة، والأمير الصغير ممثلا لوريث الغفلة، والزورق الفاخر تمثيلا لجاه السلطة ونفوذها، أما النهر فهو حياة الأمة، والوحل ما انتهى إليه المغترون بالسلطة والمتسلطون بها. فاستبدِلوا الرموز بما يعادلها من عجرفة وتغوُّل ممثلى «الجماعة» فى «السلطة» وهم لم يكملوا بعد بضعة أشهر فى سُدَّتها الأمارة بالسوء، ثم احكموا.

إننى أنهى هذه المقالة صباح الثلاثاء لأتفرغ لمتابعة ما سيحدث ميدانيا فى مليونية «للثورة شعب يحميها»، متمنيا ألا ينتهى زورق الحكم بعد خطيئة الإعلان الرئاسى الاستبدادى المراوغ الأخير المشئوم، إلى أوحال نهر حاولوا تفريغه لينفرد طيف واحد محدود، بمقادير أمة كبيرة، لم تكن أبدا ولن تكون بإذن الله إلا أمة وسطا، قوتها فى قدرتها على التماسك بالتسامح والتعايش والتوافق واحترام بنيها لحقوق كل من فيها. يارب.

إضافة، فى صباح الأربعاء: عدت من ميدان التحرير فى الليلة الفائتة مبهورا برؤية طوفان بشرى من كل الطبقات والفئات لأكثر من مليون إنسان مصرى رافض ليس فقط للمرسوم الرئاسى المشئوم، بل لممارسات الإخوان المفتونين بالسلطة والمغترين بها والفاشلين فيها، وقد ملأ هذا الطوفان ميدان التحرير وفاض فى شوارع وسط البلد حتى الأطراف البعيدة، ثم أقبلت مسيرات بمئات الآلاف قادمة من شبرا ومصطفى محمود والعباسية تشكل بذاتها مليونية إضافية، وهذان المليونان من القاهرة وحدها، لم تأت بهم من الأقاليم والقرى والنجوع أتوبيسات التحشيد ولا امتثالات السمع والطاعة ولا مدد السلفيين. والمعنى أن الإخوان لا يشكلون أغلبية بأى حال، وعليهم أن يتواضعوا ويراجعوا أنفسهم، ويدركوا أن زورقهم الذى تحركه شهوة السلطة لا نُشدان الحق، قد دخل بهم وبمصر إلى سبخة الوحل فى شهور قليلة، وأنه ما عاد ممكنا خداع الناس، فلينتبهوا (خاصة الشباب منهم) إلى خداع النفس، فهذا هو الوحل الأعظم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.