وزير الخارجية يبحث مع نظيره الألماني الحرب الإسرائيلية على غزة وترتيبات مصر لإعادة الإعمار    ترامب يتحدث عن "إعلان مهم" بشأن روسيا الإثنين المقبل    خسارة وحيدة و3 رباعيات، مشوار باريس سان جيرمان لنهائي مونديال الأندية 2025    استمتعوا اليوم واستعدوا غدا، الأرصاد تعلن عن تغير في حالة الطقس وعودة الموجة الحارة    الأسود راجعين، نجوم التسعينيات يعلنون اليوم عن صحوتهم في حفل كبير بمارينا    محمد مجدى أفشة يؤدي مناسك العمرة وكهربا يعلق    أسعار الأسماك والخضروات والدواجن اليوم 11 يوليو    نتنياهو يتعهد بهزيمة حماس فيما لا يزال 20 رهينة على قيد الحياة    بكام الفراخ النهارده؟ أسعار الدواجن والبيض في أسواق وبورصة الشرقية الجمعة 11-7-2025    وزير الري: عدد الشكاوى من المياه انخفض بشكل كبير للغاية الفترة الماضية    السيطرة على حريق بورشة السكة الحديد بطريق الحسينية في الزقازيق    رابط نتيجة الدبلومات الفنية برقم الجلوس 2025 الدور الأول.. تجاري وصناعي وزراعي وفندقي    بحيرات صناعية وسدود، مشروعات تنموية كبرى بمدينة مرسى علم بتكلفة 640.5 مليون جنيه    قفزة كبيرة ل الدولار الأمريكي اليوم الجمعة 11-7-2025.. وهبوط بقية العملات الأجنبية    ياسمين الخطيب للمطربين الراغبين في «التوبة»: «ما تتوب هو حد ماسكك؟»    آمال ماهر: «الأمومة حاجة حلوة وبتفرح لكن فيها تعب ومسؤولية»    الطالب محمود خليل يطالب إدارة ترمب بتعويض 20 مليون دولار    بعد التعنت الروسي، ترامب سيخصص مساعدات عسكرية لأوكرانيا لأول مرة    الأوقاف تفتتح 8 مساجد اليوم الجمعة ضمن خطتها لإعمار بيوت الله    سائق توك توك يشرع في قتل زوج شقيقته بسبب مبلغ مالي بسوهاج    وفاة طالب هندسة إثر سقوطه من سيارة خلال نقل منقولات زفاف بالفيوم    «الطقس× أسبوع».. شديد الحرارة والرطوبة والأرصاد تحذر من الشبورة والرياح بالمحافظات    تحرك برلماني عاجل بسبب تجدد اشتعال النيران في سنترال رمسيس    تردد قناة MBC Action hd الناقلة لمباراة نهائي كأس العالم للأندية 2025    ممدوح عباس: المدير الرياضي المسؤول الأول والأخير عن الصفقات    نجم الأهلي لمصراوي: "زيزو ضربة موجعة للزمالك.. وخطأ كبير يسألون عنه"    «مش عايزين نقول الأهلي اللي عملك».. تعليق ناري من طارق يحيى بشأن أزمة وسام أبوعلي    الصحة: ولادة توأم ملتصق من الصدر والبطن بنجاح في مستشفى الفيوم العام    اختراق علمي، دواء يؤخر ظهور السكري من النوع الأول لسنوات    "الإخوان المسلمون" : لا صلة لنا ب"حسم" ونلتزم بالعمل السلمي في مواجهة الانقلاب    سجل الآن، موقع التنسيق يفتح باب التسجيل لاختبارات القدرات    الجبهة الوطنية بالبحيرة يناقش استعدادات الحزب لانتخابات مجلس الشيوخ    باسم مرسي: فيريرا كان له دور كبير في مسيرتي وتعرضت للظلم مع المنتخب    أول تعليق من وائل القباني بعد غيابه عن تكريم الزمالك للرمادي وجهازه    «الوطنية للصحافة»: بدل التدريب والتكنولوجيا عن شهر يولية 2025 الاثنين المقبل    إسرائيل تحرض الولايات المتحدة على استئناف ضرباتها ضد الحوثيين    منة عرفة تنشر إطلالات جريئة مختلفة على البحر من إجازتها الصيفية والجمهور يعلق    عاجل.. " المركزي "يثبت أسعار الفائدة لدعم استقرار التضخم وتحفيز النمو الاقتصادي.. البيان كاملًا    تنسيق الجامعات 2025، ضوابط وقواعد أداء اختبارات القدرات بكلية علوم الرياضة    طريقة عمل البان كيك، لإفطار خفيف ومغذي في الصيف    نجاح ولادة نادرة لتوأمين ملتصقين بمستشفى الفيوم العام    لبنان.. توغل جرافات إسرائيلية جنوب بلدة عديسة    "بيان حسم".. محاولة بث الحياة في تنظيم ميت    لماذا حرم الله الربا؟.. أمين الفتوى يجيب    ما حكم من حج ولم يزر قبر النبي صلى الله عليه وسلم .. أمين الفتوى يٌجيب    ذعر جديد في رمسيس.. حريق جزئي داخل السنترال يعيد كابوس الانقطاع    وزير الري: مصر تأثرت بملء السد الإثيوبي والأمطار خففت حدة الأزمة    انطلاق معرض «ديارنا» للمنتجات البيئية اليدوية في مطروح.. صور    مجلس إدارة الزمالك يشكر الجنايني وإمام وميدو    رسميا بعد قرار المركزي.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 11 يوليو 2025    ما حكم إفشاء الأسرار الزوجية؟.. أمين الفتوى يجيب (فيديو)    خالد الجندي: إذا خاطب الله عبده يوم القيامة فهو في دائرة الأمن والأمان    لماذا نحتاج إلى الثقافة (9).. عندما تغيب ثقافتنا نتوهم فوز الآخر    «بعد 25 سنة بالقائمة الحمراء».. القصة الكاملة لإعادة موقع أبو مينا الأثري لسجل التراث العالمي باليونسكو    خبير اقتصادي صيني: تسريبات ترامب "دعائية".. والصين ترفض الهزيمة الروسية    طائرات بدون طيار وصواريخ.. القصف الروسى لأوكرانيا عرض مستمر    تعزز صحة الكبد- 3 توابل أضفها إلى طعامك    أمين الفتوى يحذر من الزواج العرفي: خطر جسيم على المرأة (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مراكب الوحل
نشر في الشروق الجديد يوم 29 - 11 - 2012

الأساطير والحكايات الخرافية والحكايات الشعبية، ليست أبدا مجرد حكايات، إنها ممتعة التسلية عندما نترك أنفسنا نبحر فى مياهها أو نمشى على ضفافها، لكنها فى الأعماق نوع من حكمة الشعوب والسنين، ورسائل مشفرة عكف كثيرون على فك رموزها، ولعل أفضلهم هو «إريك فروم» الذى حلل بنية الأساطير ومراميها بشكل بارع فى كتابه «اللغة المنسية»، لأنه وضع مفهوم «السُلطة» محورا رمزيا تدور حوله بقية رموز الأسطورة، فهو الصراع الجوهرى فى الاختيار بين القوة والحق. وقد كان ضمن أحلامى الأدبية التى أجهضتها أو أجَّلتها مشاغل الكدح فى الحياة فى فورة العمر، ثم الاشتباك مع هموم الوطن السياسية ككاتب بعد ذلك، أن «ألعب» إبداعيا مع الأساطير والحكايات الخرافية والشعبية بما يعيد تجديدها وتلاؤمها مع الشجون المعاصرة التى تخصنا، ولم يُتح لى أن أتفرغ لذلك أدبيا، فاكتفيت بأن ألامسه فى بعض ما كتبته للصحافة.

فعلت ذلك أكثر من مرة متقصدا رموز الحكم الساقط فى أوج تغولهم، وكانت مهزلة التوريث هدفا لقصفى لفرط ما تثيره من غضب وامتعاض ورفض، فشمَلتُ «حالة» وريث الغفلة بأكثر من مقال قصصى يستلهم إعادة تشكيل الأسطورة أو الحكاية الخرافية أو الشعبية، وكان ما يفور فى صدرى من الغضب يُنجز كثيرا لم أنشر منه إلا القليل، ومع انزياح مبارك ووريثه وما حولهما، ظننت أن ما لم أنشره قد فات أوانه، لكننى مع ما يحدث من تغولات الحكم الحالى، وجدت أن هناك ما يظل مثيرا للدهشة، لأن شهوة السلطة، بل فجعتها، استفحلت بسرعة خرقاء فى حكم الإخوان، ووجدْتُ أسطورة كنت قد عالجتها يمكن أن تكون صالحة لفهم ما نراه من الحالة السلطوية الإخوانية، مع تغيير شخوص الحكاية وإبقاء رمزية المواقع، وهى أسطورة إيطالية من مجموعة «أساطير البحيرات والأنهار» التى نشرها المركز القومى للترجمة، والتى سبق أن أشرت إليها فى معالجة سابقة نُشرت فى مواجهة الحكم السابق الساقط.

تحكى الأسطورة التى تحمل عنوان «بحيرة الحسرة»، أن هناك بحيرة لم تعد موجودة، لأنها اختفت منذ قرون. «كانت بحيرة صغيرة جميلة ترقد بين أحضان جبال مكسوة بالغابات. وكانت البلدة المجاورة للبحيرة لطيفة لدرجة أن أميرة مرت بها فوقعت فى حبها، وقررت ان تبنى فيها قصرا تعيش فيه مع ابنها حتى يعود والده من الحرب».

بالنسبة لطفل فى العاشرة من عمره، كانت الغابات الضخمة والمياه الهادئة جنة حقيقية. وبالطبع، طلب الصبى قاربا. ولأن أمه كانت لا تستطيع أن ترفض له طلبا، أمرت فى الحال ببناء زورق جميل جدا، وتعلم الطفل أن يقوده.

صياد عجوز، كان يأتى بالسمك للقصر، رأى الأميرة، فقال لها: « طفل وحده فوق مياه هذه البحيرة ، ليس هذا منتهى الحكمة، فالريح يحدث ان تهب فجأة، وإذا فوجئ الطفل بالعاصفة فهل تظنين أنه يمكنه العودة إلى الشاطئ؟»

أجابت الأميرة على الصياد قائلة: «ابنى أمير، والأمراء يستطيعون ان يفعلوا كل شىء لأنهم اقوى وأذكى من الجميع».

وذات صباح، كانت البحيرة مصقولة مثل مرآة، وركب الطفل القارب واندفع فى عرض البحيرة، وكانت أمه الأميرة تراقبه من نافذتها، وفكرت فى زوجها الغائب، وقالت لنفسها: «عندما يعود سيكون فخورا بابنه».

كان الطفل فى وسط البحيرة تقريبا، عندما أظلمت السماء فجأة، وأخذت الغابة تزمجر. صارت مياه البحيرة سوداء كالحبر، وارتفعت أمواج هائلة يعلوها الزبد، تندفع مثل حيوانات مذعورة من شاطئ لآخر.

أخذت الأميرة تصيح، طالبة النجدة فقفز الصياد العجوز إلى قاربه، وبذل كل ما فى وسعه لإنقاذ الصبى. لكن المطر اخذ يتساقط بغزارة إلى درجة أن الأميرة سرعان ما لم تعد ترى، لا قارب طفلها ولا قارب الرجل العجوز، فانتحبت، وصلَّت، وهاجت، وهاجمت كل من حولها ، وتضرعت إلى السماء، لكن غضب الرياح الآتية من ناحية الجبل لم يهدأ.

استمرت العاصفة لساعات. وعندما انتهى وابل المطر وعاد الهدوء، ظهرت البحيرة تحت الشمس الساطعة، ولم يعثروا إلا على بقايا زورقين حطمتهما الأمواج. عندئذ جمعت الأميرة كل الفلاحين والصيادين من المنطقة والجوار، ودفعت لهم لكى يعملوا بلا انقطاع فى حفر قناة تسمح بتفريغ البحيرة من مياهها.

وبين عشية وضحاها تم نزح المياه من البحيرة، غير أنهم لم يعثروا فى القاع، إلا على هيئة غامضة لرجل عجوز يضم بين ذراعيه هيئة طفل. وكان الكلس المتراكم فى قاع البحيرة قد صنع من الغريقين تمثالا واحدا بحواف مشوشة.

غادرت الأميرة، يائسة، قصرها، وراحت تهيم على وجهها فى الغابات. وحاول الناس مواساتها، دون جدوى. غير أن نظراتها سرعان ما جعلت الناس يفرون منها. وسرت شائعات تقول أن من ينظر إليها يغامر بأن يصير مجنونا. ولم تمكث البائسة عدة أشهر حتى ماتت مع دخول الشتاء، من البرد والجوع، وبالأخص من اليأس فى جوف الوادى العريض، فى قرارة ما كان من قبل يحيرة جميلة».

هنا انتهت الحكاية الإيطالية، لكننى أكملتها فحكيت أن أميرة أخرى قرأتها، وكان لديها ولد صغير تظن أنه أذكى وأقوى من الجميع، وتعده لكى يخلف أباه بعد حين، لكن الحكاية جعلتها ترتعب، خاصة وأميرها الصغير كان مصرا على الإبحار بقارب فى عرض النهر الكبير الذى يجرى تحت أقدام القصر.

كان الولد عنيدا، وكانت أمه لا تستطيع أن ترفض له طلبا، فأمرت أن يبنوا له قاربا لم ير أحد مثله خلال أسبوع واحد. وفى الليالى الستة لأيام هذا الأسبوع، جنَّدت آلاف الرعايا لحفر قنوات تُسرِّب معظم مياه النهر فى الصحراء والبحر.

وعندما أنزلوا القارب الرائع إلى الماء وفيه الأمير الصغير، لم تكن الأميرة خائفة، لأن النهر صار من الضحالة بحيث لو هبت الريح وقلبت زورق الابن، فإنه يستطيع أن ينجو من الغرق بمجرد أن يقف على قدميه. وفاتها أن النهر الذى أفرغته إلى هذه الدرجة المفزعة، لم يعد قادرا على رى الحقول والحدائق، ولا جعل المراكب تبحر فى مجراه، بل لم يعد يكفى حتى لإرواء عطش الناس ناهيك عن اغتسالهم.

صار النهر مجرى فقيرا ، محاطا بالحقول المقفرة والبساتين التى ماتت، وآلاف آلاف الجوعى والعطشى الذين لم تلمس المياه جلودهم لشهور طويلة. فقد النهر اسمه القديم «النهر العظيم» وصار عند الناس «نهر الحسرة». وصارت معضلة الأميرة الملتاعة، كيف تُخْرِج الأمير الصغير الموحول، فى زورقه الباذخ الذى تلطخ، من سبخة الطين والعفن، ودائرة الناقمين، والقتلة.

انتهى لعبى مع تلك الأسطورة التى عالجتها لأصف حالة سابقة، والتى أرجو أن تعيدوا قراءتها لتكتشفوا أن التاريخ يكاد يكرر نفسه بشكل ساخر، ومرير السخرية أحيانا، فقد «لعِبتُ» مع هذه الأسطورة لتكون الأميرة ممثلة لسيدة القصر الرئاسى المنقشعة، والأمير الصغير ممثلا لوريث الغفلة، والزورق الفاخر تمثيلا لجاه السلطة ونفوذها، أما النهر فهو حياة الأمة، والوحل ما انتهى إليه المغترون بالسلطة والمتسلطون بها. فاستبدِلوا الرموز بما يعادلها من عجرفة وتغوُّل ممثلى «الجماعة» فى «السلطة» وهم لم يكملوا بعد بضعة أشهر فى سُدَّتها الأمارة بالسوء، ثم احكموا.

إننى أنهى هذه المقالة صباح الثلاثاء لأتفرغ لمتابعة ما سيحدث ميدانيا فى مليونية «للثورة شعب يحميها»، متمنيا ألا ينتهى زورق الحكم بعد خطيئة الإعلان الرئاسى الاستبدادى المراوغ الأخير المشئوم، إلى أوحال نهر حاولوا تفريغه لينفرد طيف واحد محدود، بمقادير أمة كبيرة، لم تكن أبدا ولن تكون بإذن الله إلا أمة وسطا، قوتها فى قدرتها على التماسك بالتسامح والتعايش والتوافق واحترام بنيها لحقوق كل من فيها. يارب.

إضافة، فى صباح الأربعاء: عدت من ميدان التحرير فى الليلة الفائتة مبهورا برؤية طوفان بشرى من كل الطبقات والفئات لأكثر من مليون إنسان مصرى رافض ليس فقط للمرسوم الرئاسى المشئوم، بل لممارسات الإخوان المفتونين بالسلطة والمغترين بها والفاشلين فيها، وقد ملأ هذا الطوفان ميدان التحرير وفاض فى شوارع وسط البلد حتى الأطراف البعيدة، ثم أقبلت مسيرات بمئات الآلاف قادمة من شبرا ومصطفى محمود والعباسية تشكل بذاتها مليونية إضافية، وهذان المليونان من القاهرة وحدها، لم تأت بهم من الأقاليم والقرى والنجوع أتوبيسات التحشيد ولا امتثالات السمع والطاعة ولا مدد السلفيين. والمعنى أن الإخوان لا يشكلون أغلبية بأى حال، وعليهم أن يتواضعوا ويراجعوا أنفسهم، ويدركوا أن زورقهم الذى تحركه شهوة السلطة لا نُشدان الحق، قد دخل بهم وبمصر إلى سبخة الوحل فى شهور قليلة، وأنه ما عاد ممكنا خداع الناس، فلينتبهوا (خاصة الشباب منهم) إلى خداع النفس، فهذا هو الوحل الأعظم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.