لو نفذ غالبية القضاة تهديدهم بتعليق عمل المحاكم وعدم الاشراف على استفتاء الدستور، فان ذلك سيكون اخطر تحد يواجه الاخوان المسلمين والرئيس محمد مرسى. رفض القضاة لمسودة الدستور وقبلهم رفض المحكمة الدستورية، ثم اجتماع الجمعية العمومية للقضاة عصر الخميس الماضى واشتراطهم ان يكتبوا بانفسهم كل ما يتعلق بهم فى الدستور يعنى اننا ما لم تحدث معجزة سائرون نحو صدام كبير. اعتقد البعض ان التوتر بين الاخوان والقضاة قد انتهى حينما تراجعت مؤسسة الرئاسة وابقت على المستشار عبدالمجيد محمود فى منصب النائب العام، لكن يتبين لنا كل يوم ان النار مستعرة تحت الرماد وكانت تحتاج فقط الى من ينفخ فيها.
النافخون فى النار فى كلا المعسكرين القضاة والتيار الاسلامى كثيرون، وبعضهم يريدها حريقا كبيرا حتى لو كان الثمن هو الوطن بأسره.
لا يخفى على أحد أن غالبية القضاة لم يرحبوا كثيرا بالثورة ومعظمهم لا يكن المزيد من الود للاخوان. بعضهم يتخذ هذا الموقف انطلاقا من قناعة ومبدأ، والبعض الاخر يتخذه نكاية فى الاخوان، والبعض الثالث لانه تضرر من سقوط نظام مبارك.
وفى ظل ضعف المعارضة السياسية، وصلنا الان الى درجة ان المستشار احمد الزند رئيس نادى القضاة صار رأس الحربة فى معارك كثيرة ضد الحكم الجديد، ورأينا صورة من ذلك فى معركة النائب العام وقبلها الحكم بحل مجلس الشعب.
اللغة التى يستخدمها الزند بها نبرة تحد عالية جدا، وتجعل كثيرون يعتقدون انه لا يتحدث بها من فراغ وكأنه ينتظر معجزة تطيح بحكم الاخوان.
رأينا الزند تصل به القوة الى حد التهكم على (المشير والفريق) اثناء ازمة النائب العام، حينما قال: «لسنا طنطاوى او عنان». وهى العبارة التى قيل انها ادت الى ثورة غضب مكتومة كان لها تداعيات كثيرة ابرزها اعتذار الرئاسة للجيش والتضحية بجمال عبدالرحيم بصحيفة الجمهورية.
ومقابل تطرف البعض داخل معسكر القضاة هناك متطرفون داخل معسكر التيار الاسلامى.
ليس سرا ايضا ان البعض داخل هذا التيار لا ينسون ولا يغفرون للقضاة خصوصا المحكمة الدستورية العليا حلها لمجلس الشعب ثم اصرارها على عدم عودته.
ولدى بعض القضاة يقين ان الاخوان يريدون الانتقام منهم فى ملعب كتابة الدستور، عبر وضع بعض الالغام فى مواد كثيرة تنظم عملها. واضافة الى الاخوان فان بقية التيار الاسلامى اكثر تطرفا فى طريقة التعامل مع النائب العام والقضاة، ويعتقدون انه حان وقت الانتقام من كل هؤلاء القضاة الذين اصدروا احكاما ضدهم فى عهد مبارك.
بالطبع هناك اسباب موضوعية للخلاف بين الطرفين ويمكن مناقشتها بغية الوصول لحل وسط فيما يتعلق بكتابة الدستور.
وفى هذا الصدد فان هناك خلافات بين اهل القضاء انفسهم خصوصا بين النيابة العامة والنيابة الادارية.
المشكلة تكمن فى رغبة المتطرفين من الجانبين فى اشعال الصراع وايصاله الى نقطة التفجير. ولسوء الحظ فان الفريق المتطرف يبدو الاعلى صوتا فى المعركة المشتعلة الان. وفى كل لحظة تمر من دون حل فعلى للمشكلة فان جذور الكراهية تترسخ.
على الاخوان وانصارهم دور كبير فى حل المشكلة يتمثل فى ضرورة ايمانهم ان الدستور ينبغى ان يعبر عن كل المصريين وليس عن جماعتهم فقط. وعلى القضاة خصوصا المتطرفين منهم الايمان بان مصر القديمة تغيرت واوضاع عهد مبارك لن تعود مهما حدث.
وعلى الرئيس مرسى ان يتدخل باعتباره رئيسا لكل المصريين، الاخوان والسلفيين والقضاة والليبراليين، بل والفلول ايضا.
ينبغى على مؤسسة الرئاسة ان تبحث بجدية عن حل نهائى للازمة، لان تركها تتفاعل سيصيب الجميع وفى مقدمتهم هيبة المؤسسة ذاتها.