إن لم يكن المصرى موظفا فلا تمر أيام كثيرة قبل أن يتعامل مع موظف، وغالبا ما تكون أوراقه ومصالحه بل حياته الشخصية متوقفة على عمل هذا الموظف أو توقيعه أو اقتراحاته. عدد الموظفين فى مصر يزيد على 6 ملايين موظف، كما يشير الخبير الاقتصادى عبدالخالق فاروق، لذلك يظل دور الهيكل الإدارى والموظفين فى مصر أساسيا سواء رضينا أو كرهنا. وقد تتغير وجوه على رأس السلطة، أو يقال إن سياسة الدولة اختلفت، ولكن يظل عالم الموظفين بقوانينه وقسمته وسماته البيروقراطية ثابتا، واعتماد كل أطياف المجتمع على عمل الموظفين قد يوحى بأنهم قلب الدولة، بل يوحى بأنهم يمثلون حقيقة النظام فى مصر. عرفت مصر الجهاز الوظيفى منذ القدم.. عالم الاجتماع الألمانى ماكس فيبر يرى فى المملكة المصرية القديمة «النموذج التاريخى لكل البيروقراطيات الحديثة»، وذلك قبل استعادة هذا الجهاز الوظيفى فى مصر فى العصر الحديث.
ولكن نظرة المصرى للموظف اختلفت على مر العصور الحديثة، ففى حين كان انتظار الوظيفة الحكومية أملا كبيرا والوظيفة نفسها نوعا من الوجاهة الاجتماعية والاستقرار سواء قبل ثورة 1952 أو ما بعدها، (وربما فى هذه الفترة ظهر المثل الشائع الداعى للتمرغ فى تراب الميرى)، تراجعت هذه النظرة مع بداية سبعينيات القرن الماضى، فدخل الموظف فى كثير من القطاعات الحكومية وأصبح أقل بكثير من الملتحقين بالأعمال الخاصة وفقد الموظف إلى حد كبير وجاهته الاجتماعية.
وعندما يوصف الهيكل الوظيفى فى مصر ب«البيروقراطية» فغالبا ما تحضر إلى الذهن السمعة السيئة التى اكتسبتها الكلمة فهى توحى بعدم الاهتمام بالجمهور وعدم التعامل بإنسانية فى سبيل الإجراءات سواء تجاه الموظف أو أصحاب المصلحة التى ينفذها الموظف.