كيف يمكن للجسد الممدد على سرير المرض، استعادة نكهة قطعة خبز حلو تشبه قمرًا صغيرًا؟ ذكريات متنوعة، تمزج بين طعم النبيذ، ونكهة الخبز المقدس، ورائحة البيت القديم، وعذوبة الحب الأول، وآلام الجسد المريض، ثم هواجس الكتابة والموت، تلتقي كلها في نص "قلب مفتوح"، للشاعر عبده وازن، الذي يروي تجربته مع المرض، في نص استرجاعي تأملي، ينتمي شكلا لأدب السيرة الذاتية. والسيرة تقوم بشكل أساسي على فن السرد الذاتي، وهذا نجده أيضًا في كثير من الروايات التي تستخدم ضمير المتكلم، وتختفي خلف شخصية البطل؛ حيث إن غرض السيرة هو سرد تجربة ذاتية ذات دلالات معينة، يقدمها للقارئ كما عاشها بكل ما فيها من اتجاهات فكرية وسياسية وثقافية، كما هو واضح في «قلب مفتوح».
لا يمكننا قراءة "قلب مفتوح" إلا وفق تتبع مسارين؛ يتخذ المسار الأول طريق الوعي بالجسد المريض، ومراقبته من لحظة دخول المستشفى، وتتبع كل زفراته وأنّاته خلال لحظات الوعي التام، وأوقات شبه الوعي التي تسجل أيضًا رؤاها الخاصة للجسد ومعاناته، احتجاجه ولوعته، صمته وسكونه. ثم هناك مسار آخر لعالم اللاوعي تسيطر فيه حالة من التأمل الباطني التي ترتد بعيدًا جدًا نحو الأعماق، تبحث في الماضي البعيد، تطرح تساؤلات من أيام الطفولة والصبا؛ حيث الذكريات الحلوة والمؤلمة غافية بعيدًا.
يتشكل العالم في حياة الطفل التي يسردها وازن، ضمن رؤية الأنا الطفولية في مراقبتها للخارج؛ حيث يميز بين رؤيته هو ورؤية الآخرين، ويطرح مشاعره الحميمة المرتبطة بالبيوت والأشخاص.
تحتل ذكريات الطفولة حيزًا مهمًا في سرد "قلب مفتوح"، وتلك الذكريات تتداخل مع الواقع، مثل خيوط القماش في الثوب الواحد؛ فالسرد هنا يقوم على الاستدعاء.
تطرح الرواية إلى جانب البوح والاعتراف وسرد الماضي، تساؤلات عما وراء الحلم عن فكرة الملائكة، وإن كانت تلك الحالة انطلقت من رؤية دينية لاهوتية، في بدايات الوعي؛ حيث تستمد مرجعيتها فيما بعد من مصادر أخرى تتنوع بين الفن والكتابة، ليستدل على فكرته برؤية شكسبير الذي وصف الملائكة ب "خدام النعمة الذين يذودون عنا".
هناك أيضًا كتابات دانتي، وبودلير، وولت ويتمان، وإيكارت، وابن عربي. تمثل تلك الأسماء وغيرها، مراجعَ استضاء بها الكاتب على تفسير العالم، بشقيه (المرئي والمحجوب)، وتلك هي الرؤية الفلسفية التي يؤمن بها، بل إنه على يقين من أن الإنسان نصفه ملاك ونصفه الآخر حيوان، ويمضي عمره في صراع بين الكائنين، حتى ينتصر فيه الحيوان على الملاك.