لو كنت مكان حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين وموسسة الرئاسة لشعرت بالراحة من وجود هذا الحشد الجماهيرى الكبير للتيار الشعبى فى ميدان عابدين ليلة الجمعة الماضية. سبق لقياديين فى الإخوان القول إنهم يتمنون وجود أحزاب حقيقية، ونتمنى أن يكون ذلك كلاما جادا.
وجود حزب كبير أو أكثر بجوار الإخوان هو أكبر ضمانة لحزب الحرية والعدالة ألا يتحول إلى حزب وطنى جديد.
فى 28 يناير 2011 احترق الحزب الوطنى فى مقره الرئيسى وبعض المقرات الفرعية، ثم تبخر كأنه هواء.
لو كان نظام حسنى مبارك سمح بحد أدنى من الحريات السياسية وتداول السلطة، لربما لم تقم ثورة أصلا ولاستمر هذا الحزب بدلا من النهاية المهينة التى انتهى إليها.
سيقول قائل وما علاقة الحرية والعدالة وجماعة الإخوان بمصير الحزب الوطنى وقد يستغرب ويصر أن الحرية والعدالة حزب حقيقى وله قواعد فعلية على الأرض.
كل ذلك صحيح لكن انفراد حزب واحد بالسلطة سيغريه بالاستبداد والفساد والتجبر والغرور حتى لو كان لديه مبادئ وشعارات نبيلة.
نعود لما حدث فى عابدين ونقول إن الحشد الجماهيرى وكلمة حمدين صباحى العاقلة رسالة جيدة وقوية ليس فقط لحزب لحرية والعدالة، بل لكل القوى السياسية بأن كلمة أحزاب تعنى الناس والمواطنين خصوصا البسطاء منهم.
فى هذه الليلة الجميلة أسعدنى أن أرى، بجانب شخصيات كثيرة ممن يطلق عليهم مصطلح «النخبة»، مواطنين عاديين جدا جاءوا من المحافظات البعيدة.. من دمياط وكفر الشيخ ومن قنا وأسوان.
أمثال هؤلاء هم الذين يصنعون الأحزاب وليس فقط أسماء قادته الكاريزميين.. من دون كوادر فى مختلف المحافظات سيظل هذا التيار مجرد تجمع لمجموعة من المثقفين الحالمين فقط بمستقبل أفضل.
أتمنى وبعد هذا المشهد الجماهيرى الكبير فى عابدين ان يشرع التيار الشعبى فى بناء قواعده الجماهيرية على الأرض بأسرع ما يمكن حتى يكون مستعدا للانتخابات إذا أجريت بعد الاستفتاء على الدستور الجديد.
التيار الشعبى فكرة نبيلة، لكنه يحتاج إلى التجسد على أرض الواقع مثلما هو حال تنظيم الإخوان الآن.. ولذلك فعلى أنصار هذا التيار التحلى بالتواضع وصرف كل جهدهم وتفكيرهم لبناء القواعد على الأرض. وبالتالى فإن الهتاف لحمدين صباحى أثناء بدء القاء كلمته وخلالها بالقول: «الرئيس أهو»، ليس هذا وقته. حمدين صباحى صديق أحبه وأحترمه وأعطيته صوتى فى المرحلة الأولى، وحقق انجازا هائلا، لكن الرئيس المنتخب الآن هو محمد مرسى الذى فاز فى انتخابات حرة، وبالتالى فعلى التيار الشعبى ألا ينجر إلى المصيدة التى يفترض ان الجميع يعرفونها ويدخل فى مناكفة ومكايدة مع الإخوان المسلمين والحرية والعدالة ومؤسسة الرئاسة واللجان الالكترونية التى لم تعد قادرة على إخفاء بكل منافسى الاخوان.
من حق التيار الشعبى وأى حزب آخر انتقاد سياسات الحكومة والرئاسة، لكن الانتقاد بمفرده لن يؤثر، أو يغير من الواقع كثيرا. حكومة قنديل ومؤسسة الرئاسة وحزب الحرية والعدالة سوف يبتسمون كثيرا إذا كان النقد الموجه إليهم مجرد كلام، كما كان يفعل حسنى مبارك ونظامه.
لكنهم سوف يعملون مليون حساب عندما يرون حشودا جماهيرية منظمة تنعكس فى مقاعد فى البرلمان أو المجالس المحلية.
مرحبا بالتيار الشعبى فى الساحة السياسية وننتظر المزيد من الأحزاب الجادة الأخرى سواء كانت ليبرالية أو يسارية.