إن موجة الاحتجاجات المعادية للغرب التى اجتاحت العالم الإسلامى فى الأيام الأخيرة سوف تضعف وتتراجع فى الأسبوع المقبل، ذلك بأن الأنظمة فى الدول الإسلامية، بدءا من إندونيسيا وحتى الجزائر، أدركت أن هذه الموجة تشكل خطرا عليها أكثر مما تشكل خطرا على الغرب. من هنا كان إسراع هذه الأنظمة إلى اتخاذ خطوات من شأنها أن تهدئ الجماهير، مثل إغلاق الطرق المؤدية إلى السفارات الغربية، ونشر قوات أمن كبيرة فى المناطق التى قد تشهد اضطرابات، ودعوة رجال الدين والمثقفين الإسلاميين الجماهير فى المساجد وعبر وسائل الإعلام إلى احترام الأجانب المقيمين ببلادهم. وهذا الأمر لم يحدث فى بداية الاضطرابات. ففى الأيام الأولى لعرض النسخة المترجمة إلى اللغة العربية من الفيلم المسىء للإسلام، أبدى الحكام فى الدول الإسلامية تفهمهم لغضب الجمهور وسلوكه العنيف، ولم يتخذوا إجراءات فعالة للدفاع عن السفارات الأمريكية والبريطانية والألمانية. لكن هؤلاء الحكام، وحتى المعتدلين منهم، مثل محمد مرسى والإخوان المسلمين فى مصر، باتوا يدركون اليوم أن مارد الحركات السلفية الذى خرج من الزجاجة يشكل خطرا عليهم أيضا، ومن هنا إسراعهم إلى التحرك. وكى نفهم سبب ذعر الأنظمة الإسلامية ومسارعتها إلى لجم الشارع، ولو اقتضى الأمر سقوط قتلى وجرحى، علينا أن نحاول فهم أسباب نشوب الموجة الحالية من الاحتجاجات، ولماذا خرجت عن السيطرة، وأدت إلى هذه النتائج الدموية. فمن بين الأسباب التى أدت إلى الاضطرابات الحالية.
الوضع الذى نشأ فى أعقاب الثورات فى العالم العربى، إذ تحول الشارع إلى العنصر المسيطر الذى يفرض إرادته على الحكام العرب الجدد الذين لا يرغبون فى إثارة غضبه، ويخافون من كبحه كى لا يلقوا مصير مبارك. ولقد برز هذا بوضوح فى مصر وتونس واليمن وليبيا والعراق، وحتى فى الأردن وفى السلطة الفلسطينية. وثمة سبب آخر، وهو استغلال مجموعات مسلحة ومنظمة من الإرهابيين الذين يعملون تحت إمرة الجهاد العالمى والتيار السلفى الوضع الفوضوى الناشئ بعد التغييرات فى الدول العربية، وهذا ما جرى فى ليبيا يوم الثلاثاء، وما جرى فى سيناء وفى أفغانستان. فهذه المجموعات لا تقاتل فقط الولاياتالمتحدة والغرب، بل أيضا الأنظمة العربية العلمانية، حتى من دون أن يكون هناك حدث ما يدعو إلى ذلك.
ولقد استطاعت هذه المجموعات خلال العامين الماضيين زيادة قوتها وسلاحها، ولا سيما بعد زوال الأنظمة القديمة التى حرصت على مطاردتها ومنع وجودها، وباتت تهدد اليوم الأنظمة الإسلامية المعتدلة، التى فهمت الخطر وبدأت تتحرك لمواجهته. وثمة سبب آخر لذلك، وهو ضعف الرد الغربى، ولا سيما ردة فعل الإدارة الأمريكية. فقد تضمنت ردة فعل البيت الأبيض ووزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون، والتى تبناها فيما بعد وزير الخارجية الألمانية، عنصرين: الأول، إدانة المس بالقيم الدينية الإسلامية، والثانى، إدانة العنف بلهجة ضعيفة من دون أى تحذير أو تهديد. ولقد اعتبر العالم العربى هذه الإدانة بمثابة اعتراف رسمى بالتهمة من جانب الولاياتالمتحدة. على الرغم من الأخطاء التى ارتكبتها الإدارة الأمريكية فى مواجهة ما حدث، فإنها تستطيع إصلاح الوضع، إذ تثبت التجربة أن الولاياتالمتحدة قادرة على ممارسة ضغط فعّال على جميع الأنظمة العربية الجديدة، حتى الإسلامية منها، والتى تحتاج إلى مساعدتها. وثمة طريقة أخرى، وهى إظهار القوة العسكرية الجوية والبحرية قرب مناطق التوتر، بالإضافة إلى إرسال قوات كبيرة من المارينز لحماية السفارات.