لا تزال الاضطربات التى يشهدها الشرق الأوسط فى بدايتها، وليس واضحا ما ستسفر عنه مستقبلا. أمّا بالنسبة إلى «الثورات» التى بدأت، فمن الصعب معرفة كيف ستتطور ومتى ستنتهى وكيف؟ وثمة تكهنات بشأن ثورات قد تقع فى دول أُخرى. لكن، حاليا، تبرز من وجهة نظر إسرائيلية، نقطتان إيجابيتان: النقطة الأولى، هى إعلامية سياسية، فمنذ وصول إدارة أوباما إلى الحكم كانت وجهة نظرها الأساسية إزاء الشرق الأوسط هى أن سبب كل مصائب العالم العربى هو النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، وأن المصلحة العليا للولايات المتحدة فى الشرق الأوسط تقتضى التوصل إلى حل هذا النزاع ووضع حد له. ولم تستطع الولاياتالمتحدة، حتى الكن، قيادة المعسكر العربى المعتدل للوقوف فى وجه إيران، فى حين يتحول البناء فى أى حى من أحياء القدسالشرقية إلى أهم موضوع يتطلب معالجة من الدبلوماسية الأميركية. ويقف وراء هذه النظرة الافتراض القائل إن أكثر ما يضايق الحكام العرب والشعوب العربية هو المشكلة الفلسطينية. ويقوم هذا الافتراض على التعامى عن مشكلات العالم العربى الأساسية وتجاهلها، كما يشكل ذريعة سخيفة لتبرير تهرب الولاياتالمتحدة من المواجهة الحقيقية مع إيران، ومن إنشاء جبهة عربية فاعلة موالية للغرب. لقد كشفت الاضطرابات فى العالم العربى حقائق أُخرى كثيرة كانت الولاياتالمتحدة والغرب (بالإضافة إلى كثيرين عندنا) يفضلان تجاهلها، ومنها أن مبارك حاكم مستبد نهب أموال الشعب المصرى، وأن النظام فى مصر نظام ديكتاتورى، وأن الحاكم الليبى قاتل ومجنون ويعرف كيف يشترى بأمواله الدول والمؤسسات الأكاديمية الأوروبية. لم أر ولم أسمع أو أشاهد أى هتاف لجماهير المتظاهرين فى العالم العربى يطالب بحل القضية الفلسطينية. وكى لا يكون هناك أى سوء فهم، فإن الجماهير فى الدول العربية تكره إسرائيل، وتعتبرها رأس حربة للغرب، لكن الفلسطينيين ومشكلاتهم لا يعنون شيئا بالنسبة إلى هذه الجماهير. أمّا النقطة الثانية، فهى أن الولاياتالمتحدة والغرب يواجهان، فى ظل الغموض والاضطرابات، معضلة الاختيار بين الديمقراطية والاستقرار، بمعنى آخر الحكام المستبدين الذين يؤمنون الاستقرار. هناك دول عربية يمكن أن تتحول إلى ديمقراطيات من طراز شرق أوسطى مثل العراق، لكن يبدو واضحا أنه لن يكون هناك استقرار. إذ قد تصبح مصر ديمقراطية لكنها لن تكون مستقرة، والسعودية لا تزال حتى الكن مستقرة لكنها غير ديمقراطية، وينطبق هذا أيضا على سائر الدول العربية. إن الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة هى إسرائيل، فهى ديمقراطية ومستقرة وقوية وحليفة للولايات المتحدة الوثقى. لقد سمعنا فى الأعوام الأخيرة أصواتا فى واشنطن تقول إن إسرائيل تحولت إلى عبء استراتيجى، لكن الوقائع أثبتت عكس ذلك تماما، وأكدت أن إسرائيل هى الرصيد الاستراتيجى الوحيد للولايات المتحدة فى الشرق الأوسط الغنى بالنفط. هل هذا يعنى البقاء مكتوفى الأيدى على صعيد التسويات السياسية؟ طبعا لا. إن كل خطة أو مبادرة حكيمة للتسوية مع الفلسطينيين هى أمر مرحب به. لكن علينا أن نفعل ذلك ضمن إطار الحفاظ على المصالح الأمنية. إن الذين يدعون حاليا إلى التفاوض مع سورية (وهم يعرفون أن الثمن هو التنازل عن هضبة الجولان)، عليهم انتظار جلاء الغموض الذى يسود المنطقة.